إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الثلاثاء، 5 يناير 2016

840 ( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي الفصل السادس و الأربعون أنساب القبائل


840

( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي
 
الفصل السادس و الأربعون

أنساب القبائل


ويظهر من روايات النسابين إن بطون حيدان لم تكن كثيرة، وان مواطنها لم تتجاوز العربية الجنوبيةَ، وإنها كانت تتكلم بلهجات العربية الجنوبية القديمة، وحافظت عليها في الإسلام. فهي مثل بطون حمير، تختلف في لهجتها عن القبائل الأخرى التي تكلمت بلهجة مقاربة من اللهجة العربية الفصحى. إذن فما الرابط الذي جعل النسابين يرجعون نسب قبائل حيدان إلى قضاعة مع هذا الاختلاف البين في اللهجات? ومع سكناها في محل قاص ناءٍ عند الساحل الجنوبي للجزيرة? اللهم إلا إن تكون كل فروع قضاعة على هذا الطراز من اللهجات، وهذا أمر لم يتحدث عنه الأخباريون ولم يعرفوه.

وأما بليّ، فقد كانت مواطنهم عند ظهور الإسلام على مقربة من تيماء بين مواطن جهينة وجُذام، أبمب في المنطقة التي كانت لثمود في جغرافية "بطلميوس". ومن بليّ، بنو فرّان وهني.

ولم يذكر الأخباريون بطوناً ضخمة عديدة لبهراء، ويظهر إنها لم تكن من القبائل الكثيرة العدد. ومن بطونها: قاسط، وعبدة، وأهود "أهوذ"، ومبشر، وبنو هنب بن القين، وبنو فائش "بنو قاس"، و شبيب ابني دريم، و مطرود، وثمامة، و عكرمة، و ثعلبة، و دهز، وسعد.

وأما عمران بن الحاف "الحافي". فولد حلوان، وقد ولد هذا جملة أولاد هم: تغلب، وربان وهو علاف، ومزاح، وعمرو ? وهي سليح، وعابد، وعائذ، وهم أجداد قبائل، كما ذكرت ذلك آنفاً.

ومن بني سليح: حماطة، وهم ضجعم بن سعد بن سليح، وهم الضجاعمة الذين ملكوا بالشام قبل غسان. وبنو سليح هم أسلاف الغساسنة كذلك، وهم في نظر النسابين أبناء: سليح بن حلوان بن عمران بن الحاف. ونسبت إلى سليح بطون أخرى منها: أشجع وعمرو والأبصر والعبيد،.

ومن نسل "ربان" "زبان"، قبيلة "جرم"، ومن ولد جرم: قدامة، وملكان، وناجية، وجدّة. ومن جرم كان "عصام" حاجب النعمان. ومن بطون جرم الأخرى: بنو راسب، وبنو شمخ.

أما تغلب بن حلوان، فولد وبرة، وولد وبرة أسداً، والنمر وكلباً. وهي قبائل ضخمة، والبرك، والثعلب، وهما بطنان ضخمان. وولد أسد، تيم الله وشيع اللآت. فولد تيم الله بن أسد: فهم، وهم من تنوخ؛ وقسم، وهم بالجزيرة، حلفاء لبني تغلب، ومن فهم: مالك بن زهير بن عمرو بن فهم ابن تيم الله بن أسد بن وبرة. وعليه تنخت تنوخ وعلى عمّ أبيه مالك بن فهم، فتنوخ على ثلاثة أبطن: بطن اسمه فهم، وهم هؤلاء. وبطن اسمه نزار، وهم لوث، ليس نزار لهم بوالد ولا أم. ولكنهم من بطون قضاعة كلها، من بني العجلان بن الثعلب، ومن بني تيم الله بن أسد بن وبرة، ومن غيرهم؛ وبطن ثالث يقال له الأحلاف، وهم من جميع القبائل كلها، ومن كندة ولخم وجذام وعبد القيس.

ومن نسل شنيع اللآت: بنو القين. وهو النعمان بن جسر بن شيع اللآت بن أسد بن وبرة. ومن بطون بني القين، جشم "جسم"، وزعيزعة، وأنس، وثعلبة، وفالج، وبنو مالك بن كعب بن القين. وكعب وكنانة، ومالك ومعاوية. وبطون أخرى ذكرها "وستنفلد". وكان للقين جمع عظيم وثروة في أكناف الشام، فكانوا يناهضون كلب بن وبرة، ثم ضعف أمرهم ووهن حتى ما يكاد إن يعرفوا.

ومن نسل النمر بن وبرة بن تغلب: التم، وجعثمة، ووائل وهو خُشَيْن، وقتبة، وغاضرة، و "عاينة" عاتية، وبطون أخرى دخلت في قبائل عديدة، فعدت منها، مما يدل على إنها لم تكن ذات عدة وعدد، لذلك كان لا بد لها من الدخول في القبائل الأخرى والاندماج فيها، لحماية نفسها من تعديات القبائل والبطون القوية عليها.

وكلب من قبائل قضاعة الشهيرة. وتنسب إلى هذه المجموعة: تغلب بن حلوان فجدّها. في عرف النسابين كلب بن وبرة بن تغلب بن حلوان بن عمران بن، الحاف بن قضاعة. و كانوا ينزلون في الجاهلية دومة الجندل و تبوك وأطراف الشام.،وقد كانت لهم لهجة خاصة لم يستعملها أحد من الشعراء. الجاهليين. ولعل ذلك بسبب اتصال هذه القبيلة بالنبط، أي ببقية بني ارم وبغيرهم ممن لم تكن لهم لهجة عربية نقية، فتأثرت لهجتها بهذا الاختلاط.

واشتهر من رجال هذه القبيلة زهير بن جناب، وهو ممن يدخله الأخباريون في المعمرين الجاهليين. وجعلوا عمره أربع مئة وعشرين سنة، ونسبوا إليه مئتي وقعة، وجعلوه سيد قومه وخطيبهم وشاعرهم ووافدهم إلى الملوك وطبيبهم وكاهنهم وفارسهم، ونسبوا إليه الأمثال والشعر، وذكروا إن من شعره قوله: ونادمت الملوك من آل عمرو  وبعدهم بني ماء السـمـاء

وأنه قاله وقد بلغ من العمر مئتي عام، فجعلوه بذلك معاصراً للمناذرة ملوك الحيرة، فيكون على قولهم هذا قد عاشر طويلاً في الإسلام. وقد أدرك هشام ابن الكلبي هذا التناقض في إحدى رواياته، فصحح عمر زهير واقتصر على مئتي عام. وهو عمر كاف ولا شك يشتاق إن يبلغه كل إنسان. ولكنه عمر استقله الأشياخ الكلبيون الذين لا يرضيهم هذا التنقيص في السن.

ولم يكن زهير رئيساً لكلب خاصة، بل كان على رأي الرواة الكلبيين رئيساً على كل قضاعة. ويذكر الأخباريون إن قضاعة لم تجمع على إطاعة رئيس إلا زهيراً و إلا رزاح بن ربيعة، وهو من عذرة. وكان رزاح هذا أخا قصي بن كلاب لأمه. وقد جعل الأخباريون زهيراً معاصراً لكليب بن وائل. ويفهم من شعر منسوب إلى المسيب بن الرفل، وهو من ولد زهير بن جناب قاله مفتخراً بزهير متبجحاً به: إن ابرهة كان قد اصطفى آل زهير، وسوّدها على الناس، و أعطاه الإمرة عليهم، وجعله أميراً على حيي معد وعلى ابني وائل حيث أهانهما وأذلهما. ومعنى ذلك إن زهيراً كان في أيام ابرهة، أي في النصف الأول من القرن السادس للميلاد، وأنه على ذلك كان معاصراً لقصي زعيم قريش.

ولم يقنع الرواة الكلبيون بكل ما ذكروه عن حياة زهير، بل أرادوا إن تكون خاتمة زهير خاتمة غريبة كذلك كغرابة حياته، فذكروا انه كبر حتى خرف وحتى استخفت به نساؤه، وأنه لم يتمكن من الأكل، بنفسه، فصارت معزبته تطعمه بنفّسها، إلى إن ملّ الحياة على هذا النمط، فأخذ يشرب الخمر صرفاً أياماً حتى مات. وذكروا إن أحداً من العرب لم يفعل هذا الفعل غير زهير وغير أبي براء عامر بن مالك بن جعفر، والشاعر عمرو بن كلثوم.

ومن حروب زهير حربه مع بكر وتغلب ابني وائل، ويروي الأخباريون في ذلك إن ابرهة حين طلع على نجد أتاه زهير فأكرمه و فضله على من أتاه من العرب، ثم أقرّه علي بكر وتغلب ابني وائل، فوليهم. وصار يجبي لهم الخراج، وحدث إن أصابتهم سنة شديدة لم يتمكنوا فيها من دفع ما عليهم إليه. فلما. طالبهم بها، اعتذروا عن الدفع، فاشتدّ عليهم، ومنعهم من النجعة حتى يؤدوا ما عليهم، فكادت مواشيهم تهلك. فلما رأى ذلك "ابن زيابة" أحد بني تيم الله ابن ثعلبة، وكان فاتكاً معروفاً، أتى زهيراً. وهو نائم، فاغمد السيف في بطنه، ثم فر هارباً ظاناً انه قد أهلكه. ولما أفاق زهير، أخذه من كان معه من قومه حتى وصلوا به إلى قبيلته، فجمع عندئذ جموعه ومن قدر عليه من أهل اليمن، وغزا بهم بكراً وتغلب، وقاتلهم قتالا شديداً انهزمت به بكر، وقاتل تغلب بعدها، فانهزمت أيضاً، وأسر كليب ومهلهل ابنا ربيعة، وأخذت الأموال، وكثرت القتلى في بني تغلب، وأسرت جماعة من فرسانهم ووجوههم، وانتصر زهير نصراً عظيماً.

ونسبت إليه حرب أخرى مع غطفان، قالوا إن سببها إن بني ريث بن غطفان حين خرجوا من تهامة ساروا بأجمعهم، فتعرضت لهم صداء، وهي قبيلة من مذحج، فقاتلوهم، وبنو بغيض سائرون بأهليهم وأموالهم، فقاتلوهم عن حريمهم فظهروا على صداء وفتكوا فيهم، فعزت بغيض بذلك، وأثرت، وكَثُرَتْ أموالها، فلما رأت ذلك، قالت: "والله لنتخذن حرماً مثل مكة لا يقتل صيده ولا يهاج عائذه"، فبنوا حرماً، ووليه "بنو مرة بن عوف" فلما بلغ فعلهم وما اجمعوا عليه زهير بن جناب، أبى ذلك، وقرر منع غطفان من اتخاذ هذا الحرم، فسار إليها بجموع كبيرة، فظفر بها، وأصاب حاجته منها، وأخذ فارساً منهم في حرمهم فقتله، وعطل ذلك الحرم.

وروى الأخباريون انه حارب بني القين بن جسر. وكانت له أخت متزوجة فيهم، فأرسلت من اخبره بعزم بني القين على محاربته، فاستعد لها، فقاتلها، وقتل رئيسها وانصرفت خائبة عنه.

ويظهر من غربلة روايات الأخباريين عن زهير بن جناب، إن بطل كلب هذا كان من رجال القرن السادس للميلاد، وأنه لم يكن بعيد عهد عن الإسلام، وأنه كان معاصراً لأبرهة، ولعلّه كان قد تحالف معه، فترك حلفه معه أثراً في ذاكرة الأخباريين. والظاهر انه كان ذا شخصية قويّة، محارباً، حارب جملة قبائل فأخضعها، وبذلك بسط نفوذه عليها، ورفع اسم قبيلته على القبائل الأخرى. ولعل اتصاله بابرهة وباليمن هو الذي أوجد رابطة نسب قبائل قضاعة بحمير. وقد سبق إن قلت إن المحالفات كانت تؤدي في الغالب إلى الالتحام في الأنساب.

أما ما أورده الأخباريون بشأن زمانه وعمره، فهو مما لا قيمة له. فمن عادة القصاص، رفع من كانوا يتحدثون عنهم من الشخصيات البارزة التي كانت لها شان وخطر في القدم، و إضافة السنين الطويلة إلى أعمارهم، والمبالغات و الأغراب إلى قصصهم ليكون ذلك أوقع في نفوس السامعين وفي مخيلة المعجبين بهذا النوع من الحكايات. ولهذا الأغراب جعل بعض المستشرقين زهيراً شخصية خرافية، وبطلاً خيالياً أوجدته على رأيهم مخيلة الأخباريين، ولكن الأغراب في القصص مهما بولغ فيه لا يكون حُجة قاطعة في كون من قيل فيه شخصية خرافية لاوجود لها. فقد اغرب الأخباريون في ابرهة معاصر زهير، وبالغوا في الذي رووه عنه، ورفعوا أيامه إلى أيام داوود وأيام سليمان، وجعلوا له أياماً أخرى. ولكن ابرهة فند أقاصيصهم عنه وبين في كتاباته التي دَوّنها على سد مأرب انه من رجال القرن السادس للميلاد.

ومعظم من روى عنهم الأخباريون هذا النوع من القصص، هم رجال مثلنا، عاشوا وماتوا، وكانت أيامهم في الغالب في القرن السادس للميلاد، أي في عهد لم يكن بعيداً جداً عن الإسلام لم تتمكن ذاكرة الرواة وحفظة الأخبار من حفظ شيء عنهم، إلا هذا النوع من القصص المحبوب، المطلوب من الناس، يقصه القصاصون في الليالي المقمرة الجميلة ويقصه المعمرون من رجال القبيلة ليكون فخراً لقبيلتهم. وهذا النوع من القصص هو نوع بدائي من أنواع حفظ التأريخ، وأكثر من حفظ وروى أخبار زهير بن جناب الشرقي بن القطامي، و هشام بن الكلبي، و أبوه محمد، وجماعة آخرون من المشايخ الكلبيين. كانوا يروون هذا النوع من القصص عن رجال كلب، حملهم على ذلك تعصبهم لقبيلتهم كلب.

و أكثر ما روي عن كلب، هو من إخراج تلك الأيدي الكلبية، نشرته وأذاعته بين الناس، ومن حسن حظ كلب إن شيوخ الأخباريين الذين ذكرتهم كانوا منها، فكان لقصصهم هذا صداه البعيد عند جمهرة الأخباريين.

وكلب في حد ذاتها جملة قبائل وبطون ضخمة، منها: رفيدة، وعُرَيْنة، و صحب، وبنو كنانة، وهي قبيلة ضخمة من بطونها: بنو عدي، وبنو زهير، وبنو عليم، وبنو جناب.

وذكر بعض الأخباريين إن كلباً كانت تحكم دومة الجندل، و أن أول من حكمها منهم هو دجانة بن قنافة بن عدي بن زهير بن جناب. وذكروا أيضاً إن الملك على دومة الجندل وتبوك، كان لهم إلى إن ظهر الإسلام، وانهم كانوا يتداولونه مع السكون من كندة. فلما ظهر الإسلام، كان على دومة الجندل الأكيدر بن عبد الملك بن السكون.

وأظهر قبائل مجموعة أسلم، جهينة، وسعد هذيم، ونهد. ابناء زيد بن ليث ابن الأسود بن اسلم بن الحاف بن قضاعة. أما جهينة، فقد كانت منازلها في نجد في الأصل، وعند ظهور الإسلام كانت تقيم في الحجاز على مقربة من المدينة بين ساحل البحر الأحمر ووادي القرى.

ومن جهينة: قيس ومودعة. فولد قيس: غطفان وغيّان. ويعرفون برشدان كذلك. عرفوا في أيام الرسول.


 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق