إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الثلاثاء، 5 يناير 2016

835 ( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي الفصل الخامس والأربعون أهل الغدر


835

( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي

الفصل الخامس والأربعون

أهل الغدر


وقد حفظ أهل الأخبار أسماء رجال عرفوا بالغدر. وقد قال بعضهم: أعرف الناس بالغدر "آل الأشعث بن قيس بن معد يكرب". وذكر إن الغدر ارث فيهم انتقل بهم إلى الإسلام. وضربوا المثل بغدر الصيزن بأبيها صاحب الحصن.

ومن الوفاء: الوفاء بالعهود والمواثيق. فلا يجوز لمن أعلى عهداً وميثاقاً الغدر بهما و التنصل من الوفاء بهما. والوفاء من أنبل الخصال الحميدة التي يتخلق بها إنسان. وهو من المثل العليا عند العرب ومن أخلاق "الإنسان الفاصل" عندهم. وقد أوفى "حنظلة الطائي" بعهد الذي أعطاه للملك "النعمان" يوم بؤسه بأن يعود إليه، ليرى الملك رأيه في قتله فعاد، وهو يعلم إن الملك سيقتله، لأنه أعطاه قولاً بالعودة، وجعل "شريكاً" نديم الملك ضامناً له بالعودة. فلما عاد، واستمع الملك إلى قصة وفائه أبطل عادته في قتل أول من كان يظهر أمامه يوم بؤسه، إكراماً لعمله. ورأى "السموأل" ابنه وهو في أيدي أحد ملوك الغساسنة أو ملوك كندة، وهو يناديه بوجوب دفع ما عنده من دروع وأسلحة مودعة عنده، من دروع وأسلحة "امرئ القيس" فقال له: "ما كنت لأخفر ذمامي وأبطل وفائي فاصنع ما شئت". فذبح ولده واحتسب السموأل ذبح ولسر وصبر محافظة على وفائه، ولم يسلم الوديعة إلا إلى ورثة امرئ القيس.

وقد دَون أهل الأخبار أسماء أناس عرفوا بالوفاء منهم: "أوفى بن مطر المازني"، جاوره رجل ومعه امرأة له، فأعجبت قيساً أخاه، فقتل زوجها غيلة، فبلغ ذلك "أوفى" فقتل قيس بجاره. و "الحارث بن عبّاد"، وكان من وفائه انه أسر يوم "قضة" "عدي بن ربيعة أخا مهلهل"، وهو لا يعرفه. فقال له: دلني على عدي. فقال له عدي: إن دلتك عليه فأنا آمن? فأعطاه ذلك. فقال له: فأنا عدي. فخلىّ سبيله.

ومن أوفياء العرب "عوف بن محلم الشيباني"، وهو من مشاهير سادات العرب. وكان من وفائه ان "مروان بن زنباع العبسي" كان قد وتر "عمرو بن هند"، فجعل على نفسه إلا يؤمنه حتى يضع يده في يده. وان "مروان" غزا "بكر بن وائل" فأسر، ولم يكن آسره منيعاً، فطلب من أم آسره إن توصله إلى "عوف بن مسلم"، ولها منه مئة بعير، فحمل إلى "عوف"، ولاذ بقبته، وبلغ "عمرو بن هند" مكانه، فبعث يطلبه، فأبى عوف إن يسلمه إلا إن يؤمنه. ثم أخذه عوف إلى "عمرو بن هند"، وجعل يده بين يد عمرو ويد مروان، وأصلح بينهما، فعفا "عمرو" عنه وآمن مروان. فقال عمرو: "لا حر بوادي عوف" فذهبت مثلاً.

وعدّ "مروان بن زنباع" من أوفياء العرب، لأنه وفى بعهده الذي أعطاه لأم آسره، وكان قد أعطاه عوداً التقطه من الأرض ليكون رمز وفائه، على إن توصله إلى "محلم" فلما أوصلته دفع إليها المئة بعير، كما تعهد لها بذلك.

وضرب المثل بوفاء "عمير بن سلمى الحنفي"، وله قصة في الوفاء تشبه قصة "أوفى بن مطر المازني". ذكروا إن من وفائه ان رجلاً من "بني عامر بن كلاب" استجار. بعمير وكانت معه امرأة جميلة. فرآها "قرين بن سلمى الحنفي" أخو عمير، وصار يتحدث إليها حتى بلغ ذلك زوجها، فنهاها. فخافته فانتهت. فلما رأى "قرين" ذلك وثب على زوجها، فقتله. و عمير غائب، فأتى أخو المقتول قبر "سلمى" فعاذ به. فقدم "عمير بن سلمى"، فأخذ أخاه. وبلغ وجوه "بني حنيفة" الخبر، فأتوه فكلموه، فأبى إلا إن يقتله أو،يعفو عنه جاره، وأبى أخو المقتول أخذ دية أخيه القتيل ولو ضوعفت، فأخذ.عندئذ "عمير" أخاه وقتله لغدره بجاره.

ومن الأوفياء "أبو حنبل: جارية بن مرّ الطائي ثم الحنبلي". وكان من وفائه إن "امرئ القيس بن حجر الكندي"، كان جاراً "لعامر بن جوين الطائي" فَقَبَّل "عامر" امرأة "امرئ القيس"، فأعلمته ذلك فارتحل إلى "جارية" ليستجير به. فلم يجده، ووجد ابناً له أجاره، فلما جاء "جارية" ورأى كثرة أموال "امرئ القيس" طمع فيها، وعزم على الغدر ب "امرئ القيس"، ثم فكر في أمره ورأى إن الغدر عار، فعقد له جواره، ثم أخذه إلى "عامر بن جوين"، فقال لامرئ القيس: قَبّل امرأته كما قبل امرأتك. ففعل.

ومنهم "المعلى الطائي"، أحد "بني تيم" من جديلة. وهم "مصابيح الظلام". وكان "المنذر" يطلب امرئ القيس، فلجأ إلى "المعلى" فأجاره، وبلغ المنذر مكان "امرئ القيس" فركب حتى أتى منزل المعلى، ولم يكن المعلى موجوداً، وأبى ابنه تسليم امرئ القيس إلى المنذر ومنعوه.

ومن الأوفياء "عصيمة بن خالد بن سنان بن منقر"، وكان "النعمان" قد غضب على "بني عامر بن صعصعة"، فقتل منهم ناساً وشردهم، فالجأهم "عصيمة" وأجارهم. فبعث إليه النعمان: "ابعث اليّ بعبيدي" فأبى ونادى في قومه شعاره "كوثر"، وأقبل "النعمان" فأهبرى "عصيمة" بالرمح إلى معرفة فرسه، ورجع الملك خائباً. ثم كسا "عصيمة" "بني عامر" وبلّغهم مأمنهم.

وقد عدّ الوفاء محمدة وواجباً، ولأجل توكيد الوفاء وترسيخه، كانوا يضعون رهناً، قد يكون ثميناً مثل أبناء سادات القبائل ، يقدمونهم رهينة لدى، الملوك ضماناً لهم في مقابل وفائهم بما تعهدوا للملك وبما عاهدوه عليه من شروط، وقد يكون شيئاً لا قيمة كبيرة له من الوجهة المادية، مثل رهن قوس، أو سهم، أو التقاط عود من الأرض و إيداعها رهناً بالوفاء، كما مرّ معنا في قصعة "مروان ابن زنباع العبسي" مع "عوف بن محلم الشيباني."، أو في مقابل إعطاء كلمة بالوفاء، كما في قصة "الحارث بن عباد"، أو الوفاء بسبب استجارة إنسان بقبر، كما في قصة وفاء "عمير بن سلمى الحنفي".

 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق