823
( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي
الفصل الخامس والأربعون
الأحلاف
ومن هذا القبيل حلف الفضول، إذ تداعت قبائل من قريش إلى حلف وتعاهدوا وتعاقدوا على إلا يجدوا بمكة مظلوماً من أهلها ومن غيرهم ممن دخلها من سائر الناس إلا قاموا معه، وكانوا على من ظلمه حنى ترد عنه مظلمته، فسمت قريش ذلك الخلف حلف الفضول. وهو من الأحلاف التي ظل الناس يحترمون أحكامها حتى في الإسلام. وقد عقد على هذه الصورة: اجتمعت بنو هاشم وأسد وزهرة وتيم في دار عبد الله بن جدعان، وصنع لهم طعاماً كثيراً، ثم "عمدوا إلى ماء من ماء زمزم فجعلوه في جفنة، ثم بعثوا به إلى البيت فغسلت به أركانه، ثم أتوا به فشربوه".
و أضيف إلى هذه الأحلاف، حلف "الرباب". و فو حلف عقد بين المتحالفين بإدخال أيدهم في "رُبّ" وتحالفوا عليه، أو لأنهم جاؤوا بربّ فأكلوا منه، وغسلوا أيديهم فيه، وتحالفوا عليه. فصارو يداً واحدة، وقيل: لأنهم اجتمعوا كاجتماع الربابة، و هم: تيم وعديّ وعُكل ومُزَيْنَة و ضَبّة ، أو: ضبه وثور، وعُكل، وتيم، وعديّ.
ومن تلك الأحلاف، حلف لَعَقة الدم. وقد عقد على أثر تخاصم القبائل من قريش في وضع الحجر الأسود فيء موضعه. فلما استعدت للقتال "قربت بنو عبد الدار جفنة مملوءة دماً، ثم تعاقدوا هم وبنو عدي بن كعب بن لُؤيّ على الموت، وأدخلوا أيديهم في ذلك الدم في تلك الجفنة، فسموا "لَعَقَةَ الدم". ويظهر أن عقد الحلف بإدخال الأيدي في الدم من المراسيم المعروفة. وقد عرف قوم من بني عامر بن عبد مناة بن كنانة بلعقة الدم. وكانوا ذوي بأس شديد. و جاء أن خَثْعَماً إنما سموا خثعماً لانهم غمسوا أيديهم في دمِ جَزُور.
وتعقد الأحلاف على النار كذلك، وقد وصف "هيرودوتس" طريقة من طرق التحالف والمؤاخاة والمحافظة على العهود عند العرب، فذكر أن العرب يحافظون على العهود والمواثيق محافظة شديدة، لا يشاركهم في ذلك أحد من الأمم، ولها قداسة خاصة عندهم، حتى تكاد تكون من الأمور الدينية المقدسة. و إذا ما أراد أحدهم عقد حلف مع آخر، أوقفا شخصاً ثالثاً بينهما ليقوم بأجراء المراسيم المطلوبة في عقد الحلف، ليكتسب حكماً شرعياً، فيأخذ ذلك الشخص حجراً له حافة حادة كالسكين يخدش به راحتي الشخصين قرب الإصبع الوسطى. ثم يقطع قطعة من ملابسهما فيغمسهما في دمي الراحتين، ويلوث بها سبعة أحجار. و يكون مكان هذا الشخص الذي يقوم بإجراء هذه الشعائر في الوسط، يتلو أدعية وصلاة للإلهين "باخوس" "Bachus" و "اورانيا" "Urania"، حتى إذا انتهوا منها قاد الحلف حليفه إلى أهله وعشيرته لإخبارهم بذلك، و للإعلان عنه، فيصبح الحليف أخاً له وحليفاً، أمرهما واحد بالوفاء.
وما ذكره "هيرودوتس" عن عقد العرب أحلافهم على النار، هو صحيح على وجه عام. يؤيده ما ذكره أهل الأخبار عن "نار التحالف". وقولهم: كان أهل الجاهلية إذا أرادوا أن يعقدوا حلفاً، أوقدوا ناراً وعقدوا حلفهم عندها، ودعوا بالحرمان والمنع من خيرها على من ينقض العهد، وحلّ العقد، وكانوا يطرحون فيها الملح والكبريت، فإذا استشاطت، قالوا للحالف: هذه النار تهددتك، يخوّفونه بها حتى يحافظ على العهد والوعد، ولا يحلف كذباً، وبضر غير ما يظهر. ولذلك عرفت هذه النار بنار التحالف. وهي نار يقسم المتخاصمون عليها كذلك، فان كان الحالف مبطلاً نكل، وان بريئاً حلف ولهذا سمّوها أيضاً "نار المهول" و "الهولة". وذكر أنهم كانوا لا يعقدون حلفاً إلا عليها. وقد أشار إلى هذه النار "أوس بن حجر"، إذ قال: إذا استقبلته الشمس، صدّ بوجهه كما صدّ عن نار المهوّل حالف
كما أشار إليها الكميت: هُمو خوّفوني بـالـعـمـى هُـوّة الردى كما شب نار الحالفين المهوّل
يتبع
( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق