822
( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي
الفصل الخامس والأربعون
الأحلاف
وقد ورد في معلقة "الحارث بن حِلِّزة اليشكُري" اسم "حلف ذي المجاز" الذي عقد بين بكر وتغلب بوساطة "عمرو بن هند"، وقد أخذ فيه عمرو بن هند العهود و المواثيق و الكفلاء من الطرفين حذر الجور والتعدي.
وتكون الهيمنة في الأحلاف التي تعقد بين قبائل غير متكافئة للقبائل القوية، أي للقبائل التي لجأت إليها القبائل الضعيفة لعقد حلف معها. فتكون الكلمة عندئذ لسادات القبائل البارزة التي هذا الخلف. وعلى القبائل الضعيفة دفع شيء للقبائل القوية في مقابل حمايتها لها وبسط سلطانها عليها، ومنع ما قد يقع من اعتداء من قبائل أخرى عليها.
وقد كانت هذه الأحلاف تدوم ما دامت المصالح متشابهة، فإذا اختل التوازن بين المتحالفين، أو وجد أحد الطرفين طرفين أن مصالحه تقتضي الانضمام إلى حلف آخر، فسخ ذلك العقد، وعقد حلفاً آخر، وحالف قبائل أخرى قد تكون معادية لقبائل الحلف السابق، ويقال لفسخ الأحلاف "الخلع".
وهكذا كانت الحياة السياسية في الجاهلية: أحلاف تتكون وأخرى قديمة تنحل. ولا سيما إذا كانت قد تكونت من قبائل لا رابطة دموية بينها ولا اشتراك في المواطن، و إنما كانت عوامل مؤقتة وأحوال طارئة اقتضت تكتلها، ثم اقتضت انحلالها لزوال تلك الأسباب.
وتعقد الأحلاف أحياناً بين عشائر وبطون قبيلة واحدة، تعقد على نمط الأحلاف التي تعقد بين القبائل. وقد يعقد الحلف بين عشائر وبطون قبيلة، وبين عشائر وبطون قبائل غريبة. وذلك بسبب حدوث مشاحنات ومنافسات بين عشائر وبطون القبيلة، فتتكتل العشائر والبطون وتتحزب وقد تتقاتل، وتضطر عندئذ إلى تأليف أحلاف بينها لتتغلب بها على العشائر والبطون المنافسة. ومثل هذه الأحلاف تضعف القبيلة وتؤدي إلى تصدعها ما لم يتدارك أمرها أصحاب الرأي والسداد فيتولوا إصلاح ما قد وقع بين رجال القبيلة من فساد وتهدئة الحال حفظاً لمصلحة القبيلة. ونجد أمثلة من هذا القبيلة عند أهل الأخبار.
ولم يكن من الواجب على كل أحياء قبيلة، الاشتراك في الأحلاف التي تعقدها غالبية أحياء تلك القبيلة. فقد اعتزلت "حنيفة" الحلف الذي عقدته قبائل "بكر" في الجاهلية. لأنها كانت من أهل المدر، وكان الخلف في أهل الوبر. فلما جاء الإسلام، دخلت في "عجل"، وصارت لهزمة.
وكان في العرف الجاهلي أن الأحياء التي تتحضر من قبيلة ما، لا تدخل في الأحلاف التي تعقدها الأحياء المتبدية، لاختلاف الحالة، لا سيما إذا كانت المواطن بعيدة. فالحضارة تبعد الأعراب عمن يتحضر منهم. إلا إذا وجدت مصالح خاصة، والمصالح أساس التعامل.
ونظراً إلى ما للحلف من قدسية في النفوس، أصبح من المعتاد عقده في مراسيم مؤثرة ورد وصفُ بعضها في الأخبار، مثل حلف "المطيّبين" الذي عقد في مكة بعد اختلاف بني عبد مناف وهاشم والمطلب ونوفل مع بني عبد الدار بن قُصيّ، و إجماعهم على اخذ ما في أيدي بني عبد الدار مما كان قُصَيّ قد جعله فيهم من الحجابة واللواء والسقاية والرفادة، فعقد كل قوم على أمرهم حلفاً مؤكداً، على إلا يتخاذلوا، ولا يسلم بعضهم بعضاً "ما بَلَّ بحرٌ صوفةً"، فأخرج بنو عبد مناف جفنة مملوءة طيباً، فيزعمون أن بعض نساء بني عبد مناف أخرجنها لهم، فوضعوها لأحلافهم في المسجد عند الكعبة، ثم غمس القوم أيديهم فيها، فتعاقدوا وتعاهدوا هم وحلفاؤهم، ثم مسكوا الكعبة بأيديهم توكيداً على أنفسهم، فسُموا المطيبن، وتعاقد بنو عبد الدار وتعاهدوا هم وحلفاؤهم عند الكعبة حلفاً مؤكداً على ألا يتخاذلوا، ولا يسلم بعضهم بعضاً، فَسُمّوا الأحلاف.
"و الأحلاف ست قبائل: عبد الدار، وجمح، ومخزوم، وبنو عدي، و كعب، وسهم".
يتبع
( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق