إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الثلاثاء، 5 يناير 2016

814 ( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي الفصل الخامس والأربعون خصال السادة


814

( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي

الفصل الخامس والأربعون

خصال السادة


يذكر أهل الأخبار إن أهل الجاهلية كانوا لا يسودون إلا من تكاملت فيه ست خصال: السخاء والنجدة والصبر والحلم والتواضع والبيان وقالوا: قيل:  

لقيس بن عاصم بم سدت قومك ? قال ببذل الندى وكفّ الأذى ونصرة المولى، وتعجيل القرِى. وقد يسود الرجل بالعقل والعفة والأدب والعلم. ووصف بعضهم السؤدد: بأنه اصطناع العشيرة و احتمال الجريرة. وقد سئل أحد السادات بأي شيء سدت قومك ? فقال: "إني - والله - لأعفو عن سفيههم، وأحلم عن جاهلهم، وأسعى في حوائجهم وأعطي سائلهم، فمن فعل فعلي فهو مثلي، ومن فعل احسن من فعلي فهو أفضل مني، ومن قصر عن فعلي فأنا خير منه".

وذكر أهل الأخبار أيضاً، إن العرب كانت تسوّد على أشياء. فكانت مضر تسود ذا رأيها. وأما ربيعة فمن أطعم الطعام، وأما اليمن فعلى النسب.

والرئيس الناجح، هو الرئيس الذكي الفطن الذي تكون له قدرة وقابلية على التصرف بذكاء ومحذر وفقاً لعقلية القبائل. فيجرف كيف يعامل كل شخص يأتي إليه المعاملة التي تلائمه وتليق به، بحلم وصبر وأناة. و بقساوة وغلظة أحياناً من أجل إخافة أتباعه، لخوف القبائل من البطاش الظالم على إلا يسرف في ظلمه ويمعن في غيهّ، فيقع له ما وقع لكليب وائل ولأمثاله من الذين أسرفوا في الاعتماد على أنفسهم وعلى قابليتهم، فأهلكوا أنفسهم. ولهذا كان من شأن عقلاء سادات القبائل عرض المنازعات والخصومات القبلية للحكم فيها وبذلك يخلصون أنفسهم من مشكلات صعبة كانت ستقع تبعتها على أكتافهم فيما إذا انفردوا بالنظر.بها دون سائر الرؤساء.

ومن أعراف الحكم عند القبائل، إن سيد القبيلة يستمد رأيه من رأي أشراف قبيلته ووجوهها في الأمور الهامة التي تخص حياة القبيلة. ليستنير برايهم، وليعرف رأي أتباعه في معالجتها. وتساعد هذه المشورة سادات القبائل مساعدة كبيرة في التمكن من إدارة القبيلة إدارة حسنة ترضي الغالبية. وقد توصِل الرئيس إلى النجاح والنصر في الغزو. فيرتفع اسمه ويعلو نجمه. ولا زال سادات القبائل يستمعون إلى مشورة رؤساء القبيلة، ويقيمون لرأيهم وزناً إلى يومنا هذا. ورأيهم هذا هو مجرد مشورة ونصيه. بمعنى انه لا يلزم سيد القبيلة بوجوب العمل بموجبه. فقد ينبذه ويعمل برأيه و بقراره، لا سيما إذا كان قوي الشخصية متجبراً عنيداً.

وقد يكون النجاح حليفه، فتزداد بذلك هيبته على أتباعه، وقد يمنى بخسارة فادحة، فتقضي عليه وعلى رئاسته وربما تقضي على حياته أيضاً. و النظام القبلي يعد، هو نظام استشاري، الرأي فيه لأصحاب الرأي فقط، أما الأفراد أي أبناء القبيلة وسوادها، فلا رأي لهم في تسيير الأمور، إلا إذا برز أحدهم وظهر في قبيلته بمواهب يعترف بها، كالحكمة أو الشرف، فقد يدخل في عداد أولي الرأي، ويكون له عندئذ عندهم رأي مسموع.

وعلى الرغم من استبداد بعض السادة برأيهم، و حكمهم بما يوحي إليه به حسهم وشعورهم، وتصرفهم في الأمور تصرفاً كيفياً، فانهم كانوا يقيمون مع كل ذلك وزناً للرأي، وقد يكون هذا الرأي رأي رحل مغمور من عامة أبناء القبيلة، أو رأي شاعر أو خطيب أو أي شخص آخر من أبناء القبيلة. فالحكم عند القبائل بهذا، حكم فردي استشاري يتوقف الرأي فيه على شخصية وكفاءة، رئيس القبيلة، وعلى شخصية وكفاءة رؤساء البطون والأحياء.

وقد أدت غطرسة وعنجهية بعض سادات القبائل بهم إلى الموت فقد لجأوا إلى القسوة والقهر في الحكم واستبدوا برأيهم استبداداً فرّق بينهم وبين رؤساء قبيلتهم، مما دفع بعض فرسان القبيلة و شجعانها على قتلهم للتخلص منهم كالذي كان من أمر "كليب وائل"، الذي تعسف في حكمه وتجبر فاختار خيرة الأرضين الخصبة، فجعلها حمى له لا يحق لأحد الرعي بها، إلا بأذن منه. فأزعج عمله هذا من خضع لحكمه، فكانت عاقبته القتل.

والحلم عند العرب من أهم الصفات التي تؤهل الإنسان لحكم الناس. وهو، عندهم الأناة والعقل، وقيل ضبط النفس و الطبع عن هيجان الغضب. ومعالجة الأمور بهدوء وضبط أعصاب. وهو أحزم سياسة تلائم طبع الحكم. وقد عدّوه من خلال الحكماء.

وممن عرف واشتهر أكثر من غيره بالحلم: "الأحنف بن قيس". حتى ضربت العرب به المثل. فقالت: هو أحلم من الأحنف. وقد نسب أهل الأخبار  

له حكماً كثيرة وأمثالاً، هي من الأمثال التي ينسبونها في العادة إلى الحكماء. وذكروا من أمثلة حلمه انه كان قاعداً يوماً بفناء داره. محتبيا بحمائل سيفه يحدث قومه، حتى أُتي بمكتوف ورجل مقتول، فقيل له: هذا ابن أخيك قتل أبنك، فما قطع كلامه حتى انتهى، ثم كلم ابن أخيه وأنبه و عفى عنه، ثم قال لأبن آخر له: وار أخاك وحلّ كتاف ابن عمك وسق إلى أمك مائة ناقة دية ابنها فإنها غريبة. إلى قَصص آخر من هذا القبيل.

 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق