إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الثلاثاء، 5 يناير 2016

813 ( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي الفصل الخامس والأربعون رئاسة القبائل


813

( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي

الفصل الخامس والأربعون

رئاسة القبائل


لا تملك نصاً جاهلياً فيه شيء عن الشروط التي يجب إن تتوفر في الرجل كي يكون رئيساً على قبيلة. ولا نجد في روايات أهل الأخبار أخباراً واضحة صريحة عن طريقة تولي الرئاسة عند الجاهليين. لذا لا نستطيع البت في موضوع شروط انتقال الرئاسة من رئيس قبيلة متوفى أو مخلوع إلى رئيس جديد. وهل كانت الرئاسة وراثية على طريقة انتقال العروش في النظام الملكي، أم كانت اختياراً وانتخاباً وشورى، بمعنى إن اختيار الرئيس يكون برأي من رؤساء القبيلة، وليس بسنة الإرث. والذي ظهر لنا من دراسة أخبار أهل الأخبار في هذا الموضوع إن الجاهليين كانوا قد ساروا على سنة الإرث في تولي الرئاسة كما ساروا على طريقة الاختيار.

أما إنها كانت رئاسة وراثية، فلأنها رئاسة مثل سائر الرئاسات عند العرب، كرئاسة المكربين والملوك والأقيال و الأذواء والأقيان وكل الرئاسات الجاهلية الأخرى. وقد كانت هذه الرئاسات رئاسات وراثية في الأغلب، لذا كانت رئاسة القبيلة بالوراثة أيضاً. تنتقل الرئاسة من الأب إلى الابن الأكبر. ويؤيد هذا الاستنتاج ما نجده في أكثر روايات القبائل، وتولي الأبناء رئاستها بعد الآباء.

وأما إنها بالنص والتعيين، فكالذي ذكروه من أمر اختيار "حصن بن حذيفة ابن بدر" ابنه "عيينة" لرئاسة قومه من بعده. ولم يكن عيينة أليق. من غيره بأن يكون سيد قومه، فاستدعى أولاده وقال لعيينة: أنتَ خليفتي ورئيس قومك من بعدي. ثم قال لقومه "بني بدر": لوائي و رياستي لعيينة، ثم أوصاهم بما يجب إن يفعلوه على عادة السادات عند اشتداد المرض بهم و شعورهم بدنوّ أجلهم. من وجوب التكتل والتهيؤ للقتال وعدم التجرؤ على الملوك، فان أيديهم أطول من أيدي الرعية. فسمعوا له وأطاعوا، واختاروه رئيساً عليهم.

وأما إنها شورى ورأي، فعند عدم وجود عقب للرئيس المتوفى، أو عند وجود تنافس وتباغض بين أبناء الرئيس المتوفى بسبب كونهم من زوجات مختلفات فيما بينهن، يخشى عندئذ من انقسام القبيلة على نفسها، ويحسم الخلاف باختيار أحزم الأبناء أو تنصيب رجل قريب أو بعيد عن الرئيس، يجدونه أهلاً و كفؤاً لتولي الرئاسة فيولونها إياه. وقد يلجئون إلى الرأي في حالة. تشتت شمل القبيلة، بظهور رجال أشراف فيها، لهم كفاءات و قابليات وشهرة تفوق شهرة أسرة الرئيس المتوفى، يطمعون في الرئاسة، فينتخبون اكفأهم و أقواهم ليكون الرئيس الجديد.

وقد لا تجتمع كلمة المتنافسين على الرئاسة، ولا تتفق على اختيار رئيس، فلا يكون أمام القبيلة في مثل هذه الحالة سوى اللجوء إلى الملوك في الغالب لتعيين رئيس عليهم يختارونه من جماعتهم وينصبونه سيداً عليهم. وقد كان هذا شأن قبائل "معد" في الغالب، إذ كانت قبائلها متبدية متنافرة، ذات رؤساء متحاسدين، لا يقرون برئاسة واحد منهم، لذلك كانوا يلجأون إلى ملوك اليمن لتعين رئيس من غيرهم عليهم، وبذلك يحل الخلاف.

ونجد في شعر "عامر بن الطفيل"، وهو أحد مشاهير فرسان العرب، تغنّياً بفعاله وبشجاعته وبدفاعه عن قومه، وتبجحاً بسيادته على قومه: واعتزازاً بأن سيادته هذه لم تأت إليه عن وراثة، و إنما جاءته بفعاله وبدفاعه عن قومه وذبّه عن حماهم، فسوّدوه لهذه الخلال عليهم، ولم يسوّدوه لأنه "ابن سيد عامر"، وفي هذا الشعر دلالة على إن الرئاسة كانت بالوراثة، وان والد "عامر" كان سيّداً، فأراد "عامر" إن يتبجح بنفسه على غيره، بأنه ليس من أولئك الرؤساء الذين يرثوا السيادة إرثاً، فلا دخل لهم بمجيئها إليهم، و إنما أخذها عن جدارة واستحقاق، ولو لم يكن أبوه سّداً، لجاءته السيادة تركض إليه، لما فيه من محامد ومكارم. فسيادته سياحة وراثة لأنه ورثها عن أبيه، وسيادة جدارة شجاعته لما فيه من خصال السادة الأشراف.

 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق