812
( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي
الفصل الخامس والأربعون
صعوبة انقياد القبائل
وليست قيادة القبيلة بأمر سهل يسير، لا سيما إذا كانت القبيلة قبيلة كبيرة ذات عشائر وأرهاط منتشرة في مواضع متباعدة. فان رؤساء العشائر يستغلون. فرصة ابتعادهم عن ارض الأم، ويعلنون انفصالهم عنها، وتوليهم آمرهم بأنفسهم.
فيحدث الانفصام و الانقسام، وقد يعلن الرئيس حربا على العشيرة العاقة المنشقة، لهذا يعد سيّد القبيلة الذي تجتمع له، رئاسة قبيلة كبيرة من السادات المحظوظين. وحظه هو ثمرة ذكائه ومواهبه و قابلياته ولا شك. ومن هؤلاء المحظوظين الذين دوّن أهل الأخبار أسماءهم: "جَهْبل بن ثعلبة اليشكري"، سيد "بكر بن وائل"، فقد اجتمعت ". بكر" حوله، و "عمرو بن شيبان بن ذهل"، و "عمرو بن قيس الأمم" و،"، الكلح" و "بشر بن عمرو بن مسعود"، و "همام بن مرة" و "الحارث بن عباد"، وقد، اجتمعت حولهم "بكر ابن وائل"، وانضوت تحت لوائهم، وذلك في مناسبات أشار إليها أهل الأخبار، مثل وقوع بعض الأيام. ولولا هذه الأيام، وتلك المناسبات التي اضطرت القبيلة على التكتل، والتجمع فيها حول زعيم واحد، ليخلصها من المخاطر، لما تجمعت حوله، لأن التجمع لا يلتئم مع طبع أهل البادية، الذين جبلتهم الطبيعة على التشتت والتفرق.
وذكر أهل الأخبار إن "خالد بن جعفر بن كلاب"، و "عروة الرحال ابن عتيبة بن جعفر"، و " الأحوص بن جعفر"، و "عامر بن مالك بن جعفر بن كلاب"، هم أربعة اجتمعت عليهم "هوازن"، و لم تجتمع "هوازن" كلها في الجاهلية إلا على هؤلاء الأربعة. وهم كلهم من "بنى جعفر بن كلاب". مما يدل على صعوبة انقياد عشائر "هوازن" لزعامة رجل واحد. وهذا مثل واحد من أمثلة صعوبة انقياد القبائل برئاسة رئيس، لأن الانقياد لرئيس واحد، معناه في نظر رؤساء العشائر، خضوعهم لغيرهم و إستذلالهم له وتنازلهم عن حريتهم وعن استقلالهم في إدارة شؤون عشائرهم لغيرهم و لو كان هذا الرئيس منهم، أضف إلى ذلك الخسائر المادية التي قد يصابون بها من هذا الانقياد.
وقد عرفت قبائل "ربيعة" خاصة بتخاصمها و بتباغضها وبتحاسد رؤسائها، لذلك لم تقبل في الغالب بتملك رئيس منها عليها. بل كان سادتها يراجعون التبابعة على ما يقوله أهل الأخبار لتمليك سيد منهم عليهم. كانوا يراجعون اليمن كلما اختلفوا فيما بينهم على تمليك ملك عليهم. وقد ذكر أهل الأخبار إن من جملة أسباب تعين والد الشاعر "امرئ القيس" الكندي ملكاً على بني أسد وتعيين أعمامه ملوكاً على القبائل الاخرى، هو تناحر سادات ربيعة فيما بينهم، و تباغضهم وتفرق كلمتهم، حتى كان كل واحد منهم يرى انه أولى من غيره بالملك، فدبّ الخلافُ بين القبائل، وتطاول السفهاء على الأشراف وأهل البيوتات، وعندئذ وجد سادات القبائل إن الآمن لا يرجع إليهم إلا بذهابهم إلى كندة لتنصيب ملوك منها عليهم. فكان ما كان من تنصيب والد الشاعر على "بني أسد وتنصيب أعمامه على القبائل الأخرى. إلا إن الأمن لم يستتب ولم يستقر، طويلا بين هذه القبائل المتنازعة، إذ قرر الرحيل عنها، وعاد الخصام داء "ربيعة" إلى وطنه. وعادت حليمة إلى عادتها القديمة على ما يقوله أهل الأمثال.
وقد أشار أهل الأخبار إلى رجال ذكروا انهم تمكنوا من حكم معدّ و ربيعة. ومعنى ذلك انهم كانوا من ذوي الشخصيات القوية. وبذلك تمكنوا من فرض. أنفسهم على هذه القبائل المتباغضة. من هؤلاء: حذيفة بن بدر. وهو من سادات غطفان وبيتهم. وهو والد "حصن" أبو عيينة. وقد أدرك "عيينة" النبيّ، فأسلم ثم ارتد وأسلم بعد ذلك على يد أبي بكر. وقد قاد "حذيفة" "بني فزارة" و "مرّة" يوم النّسار، و يوم الجفار، و في حرب داحس حتى قتل فيها يوم الهباءة. وقد عرف ب "ربّ معدّ". وما كان ليعرف بذلك لو لم يكن من أصحاب القوة والمكانة حتى ساد قبائل معدّ.
ومن سادات "ربيعة" "الأفكل"، و "عمرو بن جعيد" من "بني الديل". وكان ذا بغي، فسارت إليه "بنو عَصَر" فقتلوه. و "الحارث الأضجم بن عبد الله بن ربيعة بن دوفن"، من "بني دوفن". قدم السؤدد فهم كانت تجبى إليه إتاوتهم. و "عامر الضحيان بن سعد بن الخزرج بن تيم بن النمر بن قاسط"، وكان سيد "النمر بن قاسط" في الجاهلية وصاحب مرباعهم.
وكان "القُدار بن الحارث" رئيس ربيعة في أول الإسلام. وورد إن "القُدار بن عمرو بن ضبيعة"، كان رئيس ربيعة، يلي العزّ والشرف فيهم.
و يمتاز سيد القبيلة عن سائر رجال قبيلته ببيته الكبير، المكوّن من خيمة ضخمة، والتي قد تتكون من جملة قطع من للنسيج خيطت بعضها إلى بعض لتتكون منها خيمة كبيرة. تكون مضيفاً للرئيس ومجلساً للقوم، يؤبه سادات القبيلة. وأشراف الأحياء. وموئلاً لذوي الحاجات من الناس. وله خيام أخرى، أعدت لحريمه. ولأهله. فهي منازل رئيس. القبيلة الخاصة به وبأفراد أسرته.
و امتاز الرئيس عن أفراد قبيلته بكثرة عدد نسائه. فسيد القبيلة مزواج في الغالب، عنده المال، وعنده الجاه والرئاسة، فلا يجد صعوبة في الحصول على ع زوجات صغيرات السن لينجبن له أولاداً، يكونون له حصناً حصيناً وأمناً له على ماله، وعوناً له على القبيلة. فيحمي بهم نفسه ممن قد يطمع في الرئاسة وفي انتزاع السيادة منه بالقوة.
ومن واجب الرئيس الأشراف على تقديم الغنائم، ومن حقه المرباع إن كان من ذوي المرباع، وله إن ع ينفق من جيبه على الضيوف، وان يفتح بيته للقادمين إليه من مختلف الناس، وان يستقبل ضيوف القبيلة بوجه فرح بشوش. وآن يرعى شؤون قبيلته، ويسأل عن أبنائها، وعليه إن يسعى لفك من يقع من أبناء عشيرته أسيراً في أيدي قبيلة أخرى، وان يشارك قومه في تحمل الديات، حين يعجز رجال القبيلة عن حملها، وعليه إن يعين أتباعه في كل جناية يجنونها، فهي وان صدرت من غيره لكنها تقع في النهاية على رأس سيد القبيلة. فعليه وحده إيجاد حل لها و مخرج. و من هنا كَنَّت العربُ عن سيد القبيلة بقولها "سيد معمم"، يريدون إن كل جناية يجنيها أحد من عشيرته معصوبة برأسه.
يتبع
( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق