792
( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي
الفصل الرابع والأربعون
مجمل الحالة السياسة في جزيرة العرب عند ظهور الإسلام
إما "كلب" التي كانت ديارها تتاخم ديار جذام، فينسبها النسابون إلى "كلب بن وبرة"، وهي من القبائل التي كانت تنزل ديار الشام عند ظهور الإسلام. غير إننا لا نعرف من تأريخها شيئاً يذكر قبل الإسلام.
وتتصل بديار كلب من الشرق أرض الحيرة وديار "بني بكر"، ومن الجنوب ديار طيء، ومن الغرب ديار "بنو بليّ" و "جذام"، ومن الشمال "بنو بهراء" وقبائل غسان.
ويرجع نسب "كلب" في عرف النَسّابين إلى قبائل "قضاعة". ومن كلب الأسبع" وهي بطون ثعلب وفهد ودب والسيد والسرحان وبرك. ومن قبائلها: ثور وكلب ورفيدة وعوذي وعرينة وقبائل أخرى يذكرها النسابون.
وينسب إلى هذه القبيلة "زهر بن جناب الكلبي"، وهو في جملة من يذكرهم الأخباريون من المعمرين. ويذكرون انه كان رئيساً من رؤساء هذه القبيلة، وانه كان شاعراً، وأنه كان في أيام "كليب وائل" و "المهلهل بن ربيعة"، ومعنى ذلك انه عاشر في القرن السادس للميلاد.
وقد ذكر الأخباريون أسماء رجال برزوا في الجاهلية، ينتمون إلى بطون هذه القبيلة، منهم "هوذة بن عمرو"، نعتوه ب "رب الحجاز"، وهذا النعت يدل على منزلة الرجل ومكانته التي كان عليها قبل الإسلام. وهو من "حَرْ دش" وقد مدحه "النابغة "لذبياني". وقد نسب الأخباريون هوذة إلى "عص" أو "عيثر بن لبيد"، وهو في زعمهم من المعمرين في الجاهلية.
وقد وفد رجل من "كلب" على الرسول اسمه "عبد عمرو بن جبلة بن وائل بن الجَلاِّح الكلبي"، ومعه "عاصم"، من "بني وقاش" من "بني عامر"، فأسلم. ووفد "حارثة بن قطن بن زائر بن حصن بن كعب بن عليم الكَلْبي" و "حمل بن سعدانة بن حارثة بن مغفل بن كعب بن عليم"، فأسلما. وكتب الحارثة بن قطن، كتاباً، لأهل دومة الجندل وما يليها من طوائف كلب، دَوّن فيه أوامره لهم ونواهيه وشروطه إن أرادوا الدخول في الإسلام.
وأورد "ابن سعد" صورة كتاب، ذكر إن الرسول كتبه "لبني جناب" من كلب وأحلافهم ومن ظاهرهم. وقد بين فيه الأمور التي يجب عليهم مراعاتها من حقوق وإحكام. وأشهد عليه فيه: سعد بن عبادة، وعبد الله بن انيس، ودحية الكلبي 60 ولعذرة عدة بطون، منها" بنو الجلحاء، وبنو جلهمة، وبنو زقزقة، وبنو ضنة، وبنو حردش، وبنو حنّ، وبنو مدلج. ويظهر من ابيات للشاعر النابغة إن "النعمان بن حارث الغساني" لما هم بغزو "بني حنّ" في موضعهم ب "برقة صادر"، نهاه عن ذلك، غير انه لم ينته، فأصيب غزوه بهزيمة. وحنّ، هم الذين قتلوا "الجلاس بن وهب بن قيس بن عبيد" من طيء، في الحجر. وكان الجلاس ممن اجتمعت عليه جديلة طيء.
وتبوك هي من جملة مواضع بني عذرة، وهي موضع "Thapaua" الذي ذكره "بطلميوس"، ولا نعرف من أمرها قبل الإسلام شيئاً يذكر. وقد ذكرت في الفتوح، اذ وصل الرسول إليها، وصل الرسول، وصالح أهلها على الجزية، مما يدل على إن سكانها كانوا من أهل الكتاب.
وكان غزو الرسول لها سنة تسع للهجرة، اذ بلغه إن الروم قد جمعت جموعاً كثيرة بالشام، وانهم قد جمعوا إليهم جمعاً من لخم وجذام وعاملة وغسان وقدموا مقدماتهم إلى البلقاء، فأراد الرسول مباغتتهم قبل إن يباغتوه، فلما وصل إليها، وجد إن الروم بعيدون عنه فرجع.
ويذكر أهل الأخبار إن "بني عذرة" نصروا قصيّاً وساعدوه، لوجود صلة له بهم. ويظهر انه قد كان عند القدامى من "بنيُ عذرة" كتاب في أخبارهم كانوا يرجعون إليه إذا احتاجوا إلى الوقوف على خبر يخص هذه القبيلة. فقد ذكر "أبو عمرو بن حريث العذري"، انه رجع إلى كتاب من كتب آبائه في أمر "وفد عذرة" الذي ذهب إلى الرسول .
وتقع ديار "غطفان" جنوب "طيء"، وشمال "هوازن" و "خيبر" والى الغرب من بليّ وديار سعد. وهم من القبائل الكبيرة التي يرجع النسابون نسبها إلى "سعد بن قيس بن مضر". فهي من القبائل المضرية في اصطلاح أهل الأنساب. وهم قبائل: منهم: ريث وبغيض وأشجع، ومن بغيض ذبيان، وهو والد عبس، وأنما أجداد قبائل كبيرة. وتقع ديار أشجع على مقربة من المدينة، وأما ديار "بغيض" فتقع عند شربة والربذة، وتجاورها "خصفة بن قيس عيلان"، وسليم الذين تقع ديارهم في جنوبهم.
ومن رجال "أشجع" "مسعود بن رخيلة بن نويرة بن طريف"، وقد وفد على الرسول على رأس وفد قوامه مئة رجل، وادَعوا رسول الله، ثم أسلموا.
وقد كانت بين "غطفان" وبين "بني عامر بن صعصعة" وهم بطن من هوازن حوادث وأياّم. من ذلك "يوم النفراوات"، وفيه قيل خالد بن جعفر ابن كلاب العامري زهير بن جذيمة سيد عبس. وكانت هرازن تخضع لزهير. وتقدم له الإتاوة كل سنة في سوق عكاظ. فلما استبد بهم زهير، ولم يرع لهم حرمة، ولم ينصفهم، نقموا عليه. وأقسم جعفر ليقتلنه، وقد وفى بقسمه في يوم "النفراوات".
وقد غزا الرسول قوماً من "غطفان"، هم من "بني محارب" و "بني ثعلبة"، حتى نزل نخلاً فلقي جمعاً من "غطفان"، ولم تقع بينهم حرب، وعرفت الغزوة ب "غزوة ذات الرقاع". وكانت هذه الغزوة في أول السنة الثالثة من الهجرة. وعرفت أيضاً ب "غزوة ذي أمر" ناحية "النخيل". وكان قد جمعهم رجل يقال له: "دعثور بن الحارث" من "بني محارب"، وهم من الأعراب، فلما وصل الرسول إليهم، هربوا في رؤوس الجبال، ثم أسلم "دعثور" ودعى قومه إلى الإسلام.
وقد تجمع جمع من غطفان بالجناب، وأرادوا مباغتة المسلمين، فوصلت الأنباء بذلك إلى الرسول، فأرسل سرية عليهم فلت ذلك الجمع.
وقد استجابت "غطفان" لدعوة سادات "بني النضير" أمثال: "سلام ابن أبي الحقيق"، و "حيي بن أخطب" و "كنانة بن الربيع بن أبي الحقيق"، ودعوة نفر من "بني وائل"، فيهم "هوذة بن قيس الوائلي" و "أبو عمار الوائلي"، ولزعماء مكة وعلى رأسهم "أبو سفيان"، فخرجت وقائدها "عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر الفزاري" في بني فزارة، و "الحارث بن عوف بن أبي حارثة المُرّي" في "بنيُ مرّة" و "مسعود "مسعْر" بن رخيلة بن نويرة بن طريف بن سحمة الأشجعي" فيمن تابعه من أشجع. واستجابت لهم "بنو سليم"، يقودهم "سفيان بن عبد شمس" وهو أبو "أبي الأعور السلمي"، وانضمت إليهم "بنو أسد" يقودهم "طليحة بن خويلد الأسدي"، وكوّنوا الأحزاب. وساروا باتجاه المدينة، فوجدوا المسلمين وقد حفروا خندقاً حولها، حال بينهم وبين اقتحامها، ووقعت مناوشات، انتهت برجوع الأحزاب. ونجاح المسلمين في الدفاع عن أنفسهم.
ومن رجال "عبس" الذين وفدوا على الرسول "ميسرة بن مسروق" و "الحارث بن ربيع" وهو الكامل، و "قنان بن دارم"، و "بشر بن الحارث بن عبادة" و "هِدْم بن مسعدة"، و "سباع بن زيد"، و "أبو الحصن بن لقمان"، و "عبد الله بن مالك"، و "فروة بن الحصين بن فضالة". وذكر إن رسول الله سأل نفراً من "عبس" عن "خالد بن سنان"، فقالوا: لا عقا له، فقال: نبيّ ضيعه قومه، ثم أنشأ يحدث أصحابه حديث خالد.
وقد كتب الرسول إلى "بني زهير بن أقيش" كتاباً، أمنهم فيه على أنفسهم وأموالهم. و "بنو أقيش" هم حيّ من "عكل". و "عكل" من "الرباب". وهم "تيم" و "عدي" و "عكل" و "مزينة" .وذكر إن الرسول كتب لبني اقيش في ركية بالبادية.
ومن ديار "هوازن"، "تربة"، وهي ناحية "العبلاء" على طريق صنعاء ونجران. وتقع في "عجز هوازن". وقد أرسل الرسولُ عليهم سرية بقيادة "عمر" وذلك سنة سبع للهجرة. وتقع ديار هوازن بغور تهامة إلى إلى بيشة والسراة وحنين وأوطاس.
وفي جنوب شرقي "حسمى" أقامت بطون "فزارة"، وتنسب إلى "فزارة بن ذبيان بن بغيض بن غيث بن غطفان". وقد اشتركت في حرب داحس والغبراء بين عبس وذبيان، وفي معارك أخرى، وتعاونت مع يهود خيبر ضد الرسول. ومن رجال "فزارة" "خارجة بن حصن"، وكان فيمن وفد على التي من وفد "بني فزارة" سنة تسع للهجرة.
ومن "بني فزارة" في أيام الرسول "عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر"، أغار على لقاح رسول الله وهي ترعى بالغابة، وهي على بريد من المدينة، فوجه رسول الله جمعاً عليه، قتل "مسعدة بن حَكمةَ بن مالك بن حذيفة بن بدر الفزاري" و "حبيب بن عيينة"، ثم لحقهم الرسول ب "ذي قرد"، فوجدهم قد مضوا. وقد نعت النبي "عيينة" ب "الأحمق المطاع في قومه". ومن بني فزارة الذين وفدوا إلى الرسول بعد رجوعه من تبوك سنة تسع للهجرة، "خارجة بن حصن" و "الحرّ بن قيس بن حصن. وذكر إن "عيينة بن حصن" كان من المؤلفة قلوبهم. شهد حنيناً والطائف. وكان أحمق مطاعاً دخل على النبي بغير إذن وأساء الأدب، فصبر النبي على جفوته وأعرابيته. وقد ارتد وآمن بطليحة،. ثم أسر، فمنّ عليه الصدّيق، ثم لم يزل مظهراً للإسلام. وكان يتبعه عشرة آلاف قناة. وكان من الجرارة. واسمه حذيفة ولقبه عيينة لشتر عينه.
ولما خرج "زيد بن حارثة" في تجارة له إلى الشام، ومعه بضائع لأصحاب رسول الله، وكان دون "وادي القرى" لقيه ناس من "فزارة" من "بني بدر"، فضربوه وأخذوا ما كان معه، فعاد "زيد" إلى المدينة وأخبر الرسول بما حدث. فأعاده مع سرية لغزوهم، فحاصرهم، ولكنهم كانوا قد هربوا، فأسر منهم "فاطمة بنت ربيعة بن بدر" وابنتها "جارية بنت مالك بن حذيفة ابن بدر"، وقُتل "النعمان" و "عبد الله" ابنا "مسعدة بن حكمة بن مالك ابن بدر".
وعلى السُنّة الجارية بن القبائل، تشتَّت شمل عشائر غطفان بسبب الحروب التي نشبت بينها من جهةّ، وبينها وبن بطون خصافة من جهة أخرى. ونعني بخصافة هوازن وسليماً. وقد استمر التنافس بين عشائر غطفان وعشائر خصافة إلى ظهور الإسلام، وتميز بحوادث الفتك والاغتيالات، وبرز في هذا النزاع اسم "دريد بن الصمة" وهو من هوازن، ومعاوية وصخر أخوي الخنساء وهما من سُليم.
ولما انتقل الرسول إلى جوار ربه، ارتد كثير من غطفان، وأيد بعضهم طليحة، ولم يرجعوا إلى الإسلام إلا بعد انتصاره على المرتدين.
يتبع
( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق