790
( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي
الفصل الرابع والأربعون
مجمل الحالة السياسة في جزيرة العرب عند ظهور الإسلام
وقد وصف "ابن قتيبة" إياداً على هذا النحو: "وكانت إياد أكثر نزار عدداً وأحسنهم وجوهاً وأمدهم وأشدهم، وأمنعهم. وكانوا لقاحاً لا يؤدون خرجاً. وهم أول معدّي خرج من تهامة، ونزلوا السواد وغلبوا على ما بين البحرين إلى سنداد والخورنق". فاصطدموا بالساسانيين لأنهم أغاروا على أموال فأخذوها، فهزموهم إلى الجزيرة، ووجه إليهم "كسرى" ستين ألفاً فكتب إليهم "لقيط" ينبههم. وانتصر عليهم كسرى، وانقسموا ثلاث فرق. فرقة لحقت بالشام، وفرقة أقامت بالجزيرة، وفرقة رجعت إلى السواد.
ولما سار "خالد" من "عين التمر" أتى "صندوداء" وبها قوم من كندة وإياد والعجم. وتركها واتجه نحو جمع من "تغلب" كانوا ب "المضيح"و "الحصيد" مرتدين صليهم، "ربيعة بن بجير"، فأتاهم فقاتلوه فهزمهم. ثم أغار "خالد" على "قراقر"، وهو ماء لكلب، ثم فوَّز منه إلى "سوى"، وهو ماء لكلب أيضاً. ومعهم فجه قوم من "بهراء"، فقتل "حرقوص بن النعمان البهراني"؛ من "قضاعة". وكان المسلمون لما انتهوا إلى "سوى" وجدوا "حرقوصاً" وجماعة معه يشربون ويتغنون فهجموا عليهم وقَتلوا "حرقوصاً". وخرج خالد من "سوى" إلى "الكواثل"، ثم أتى "قرقيسيا" وانحاز إلى البرّ، وأتى "أركه "أرك"، فأغار على أهلها، وفتحها، وسار منها نحو "دومة الجندل".
وذكر "ابن سعد" إن الرسول كتب إلى "نفاثة بن فروة بن الدئلي ملك السماوة"، ولم يشير إلى موضع ملكه من بادية السماوة ومقداره في البادية.
وكانت "دومة الجندل" عند ظهور الإسلام في ملك "أكيدر بن عبد الملك الكنِدي السكوني". والسكون من كندة، فهو كنديَ النسب أيضاً. وكان يتنقل في البادية فيصل إلى الحيرة والى أرض الغساسنة، ويقال إنه ملك "دومة الحيرة" ونزل بها قبل جلائه عن "دومة الجندل" أو بعده على رأي أهل الأخبار. وكان مثل أكثر رؤساء القبائل في العراق وفي البادية وبلاد الشام على النصرانية، وله عقود ومعاهدات مع القبائل العربية الشمالية الضاربة في البادية، تأتي إلى مقره في الموسم أيام افتتاح السوق لتمتار ولبيع ما تحمله من تجارات.
وكان لأكيدر بن عبد الملك أخ اسمه "بشر بن عبد الملك"، يذكر أهل الأخبار انه ذهب إلى الحيرة، وتعلم بها الخط، ثم رجع إلى مكة فتزوج "الصّهباء بنت حرب" أخت أبي سفيان.
وقد أرسل الرسول خالد بن الوليد إلى دومة الجندل ليفتحها، فسار خالد على رأس خيل إلى "دومة"، فلما بلغها وجد الأكيدر خارج حصنه يصطاد مع نفر من قومه فيهم أخ له يقال له: حسان، فهجم رجال خالد على الأكيدر وأسروه، وقتل حسان، وأخذ خالد قباء "أكيدر" وكان من ديباج مخوص بالذهب، وبعث به إلى الرسول ليقف عليه المسلمون، فلما رأوه عجبوا منه وجعلوا "يلمسونه بأيديهم، ويتعجبون منه، فقال رسول الله" أتعجبون من هذا. فوالذي نفس محمد بيده لمناديل سعد بن معاذ في الجنة أحسن من هذا". وقد زاد عجبهم حين وصل خالد ومعه أسيره "أكيدر"، فحقن له دمه، وصالحه الرسول على الجزية، ثم خلى سبيله، فرجع إلى قريته.
ويذكر الرواة إن الرسول استقبل خالداً ومعه أسيره "الأكيدر" في المدينة، فعرض الرسول الإسلام على الأكيدر، فقبله وحقن الرسول دمه وكتب له كتاباً، وعاد إلى "دومة". فلما قبض النبي منع الصدقة وارتد إلى النصرانية ديانته الأولى. وخرج من دومة الجندل فلحق بالحيرة وابتنى بها بناء على مقربة من "عين التمر" سمّاه "دومة" أو "عومة الجندل" على اسم موضعه، وسكن هناك. ثم عاد إلى "دومة الجندل"، وتحصهن بها، فأمر "أبو بكر" خالد بن الوليد بالتوجه إليهم فسار إليه وقتله. أما أخوه "حريث بن عبد الملك" فقد أسلم، وحقن دمه. وقد تزوج "يزيد بن معاوية" إبنة له.
وتذكر رواية أخرى إن "الأكيدر" بعد إن نقض الصلح وعاد إلى نصرانيته، أجلاه "عمر" من "دومة" فيمن أجلى من مخالفي الإسلام إلى الحيرة، فأقام في موضع قرب "عين التمر"، ابتناه فسمّاه "دومة" وقيل "دوماء" باسم حصنه. وهي رواية. لا تتفق مع المشهور بين أهل الأخبار من إن خالداً قتل "الأكيدر" في السنة الثانية عشرة أو السنة الثالثة عشرة من الهجرة، وذلك في أيام "أبي بكر" بعد إن أمره ا الخليفة بالتوجه إليه. وهي رواية أقوى من الرواية المتقدمة في نظر المؤرخين.
ويظهر إن أهل "دومة الجندل" كانوا قد سمعوا بخبر مسير "خالد إليهم، فأرسلوا إلى حلفائهم وأحزابهم من بهراء وكلب وغسان وقبائل تنوخ والضجاعم ليساعدوهم في الوقوف أمامه. فأتاهم "وديعة" في "كلب" وبهراء، وسانده "رومانس بن وبرة بن رومانس" الكلبي، وجاءهم "ابن الحدرجان" في الضجاعم، و "جبلة بات الأيهم" في طوائف من غسان وتنوخ. وكذلك "الجودي بن ربيعة الغساني". وكان من المتزعمين في "دومة"، وقد احتمى أهل "دومة" بحصنهم وخلف أسوار المدينة، والتفت حول السور من الخارج نصارى العرب الذين جاؤوا لمساعدة أهلها. وقد تمكن "خالد" يساعده "عياض" من التغلب على أهل المدينة وحلفائهم، وقتل رؤساءهم، ودخل المدينة منتصراً، فغنم جيشه غنائم كثيرة وقُتِلَ من أهلها خلق كثير. وسبي ابنة "الجوديّ". وكان الأكيدر في جملة القتلى.
وكان الرسول قد غزا "دومة الجندل" بنفسه، وذلك في شهر ربيع الأول من السنة الخامسة من الهجرة، وبلغها، ولم يلق كيداً. كان سبب غزوه لها، إن رسول الله أراد إن يدنو إلى أراضي الشام، لأن ذلك مما يفزع الروم، ثم أن أهل دومة الجندل كانوا يظلمون من يمر بهم وبنزل عندهم، ومن يحل بسوقهم للبيع والشراء، وقد كان الناس يذهبون إليها ويعودون إلى المدينة، فقرر غزوها، فلما وصل الرسول كان أهلها قد فَرّوا وتركوا قريتهم، فنزل بها ولم يجد احداً، فرجع عنها، وذلك قبل غزو خالد لهما.
وورد في سبب غزو الرسول لها، إن جمعاً من قضاعة ومن غسان تجمعوا، وهمّوا بغزو الحجاز. فسار في ألفٍ انتخبهم، فلما انتهى إلى موضعهم ألفاهم قد تفرقوا أو هربوا، لم يلق كيداً.
وفي هذه الغزوة وادع رسول الله "عيينة بن حصن" على إن يرعى ب "تغلمين" وما والاه إلى "المراض".
ويفهم من حديث بعض أهل الأخبار عن "دومة الجندل"، إنها كانت قرية عادية، إلا إن الدهر كان قد لعب بها، فخربت وقلّ عدد من كان بها، إلى إن نزل بها "أكيدر"، فأعاد إليها رواءها، وغرس الزيتون بها، فتوافد إليها الأعراب. ويذكر هؤلاء إن "أكيدر"، كان ينزل مع اخوته قبل مجيئه إلى "دومة" "دومةَ الحيرة"، ولما جاء يزور أخواله من "كلب" و نزل بخرائب "دومة الجندل" أعجبته فنزل بها، وأمر باعادة بناء ما تهدم من حائطها وببعث الحياة بها حتى صارت قرية عامرة يقصدها الأعراب للبيع والشراء. وصار "اكيدر" يتردد بينها وبين "دومة الحيرة".
ويحمي "دومة" سور قديم، بني قبل "اكيدر" في زمان لا يحيط علم أهل الأخبار به. يقولون انه بُني من "الجندل"، وانه هو الذي جعل الناس يسمون الموضع ب "دومة الجندل". ويذكرون انه كان في دخل السور حصن منبع يقال له "مارد"، وهو حصن "اكيدر بن عبد الملك بن الحي بن أعيا ابن الحارث بن معاوية بن خلاده بن ابامه بن سلمة بن شكامة بن شبيب بن السكون بن اشرس بن شور بن عفير، وهو كندة" فهو سكوني كندي.
وحصن "مارد"، حصن شهير له ذكر بين أعراب الشمال بُني قبل أيام "اكيدر". قال عنه بعض أهل الأخبار انه حصن عادي، أي من الحصون الجاهلية القديمة. وقد رأينا فيما سلف إن "دومة" من المواضع المعروفة التي يعود عهدها إلى ما قبل الميلاد. وذكر أهل الأخبار، إن سكانها كانوا أصحاب نخل وزرع، يسقون على النواضح، وحولها عيون قليلة وزرعهم الشعير. وإنها. "دوماء الجندل" أيضاً.
وكان اكثر سكان "دومة الجندل" من "بني كنانة" من "كلب". ويعدّها بعض أهل الأخيار من "القريّات" ويقصدون بمصطلح "القريات": دومة وسكاكة وذو القارة. وتحيط بدومة مستوطنات وقرى تحتمي بسلطان حاكم "دومة". وكان "اكيدر" يلقب نفسه بلقب "ملك" على عادة ذلك الوقت في تلقيب سادات المواضع أنفسهم بهذا اللقب، وان كان لا يعني في الواقع اكثر مما يعنيه مصطلح "شيخ" في الوقت الحاضر.
وكان أهل "دومة" على النصرانية، شأنهم في ذلك شأن اكثر أهل القرى في العراق وفي بادية الشام وبلاد الشام. وكان أهل "اكيدر" على هذه الديانة أيضاً. إذ ورد إن الرسول أرسل "عبد الرحمن بن عوف" على رأس جيش إلى دومة، فذهب إليها ودخلها، وأسلم "الأصبغ"، وتزوج عبد الرحمن ابنته "تماضر"، اذ كان الرسول قد كتب إليه إن يتزوج ابنة ملكها، أي ملك "دومة"، وهو "الأصبغ". فيظهر من هذا الخبر، إن "الأصبغ" كان يلقب نفسه بلقب "ملك" أيضاً، وأنه كان يحكم "دومة" في أيام الرسول. في نفس الوقت الذي كان فيه "الأكيدر" يحكم "دومة"، ويلقب نفسه بلقب "ملك".
وذكر بعض الأخباريين إن أهل دومة الجندل كانوا من عُباد الكوفة ويقصدون بذلك انهم كانوا نصارى، فقد كانت عادتهم إطلاق لفظة "عباد" على النصارى العرب، عرب الحيرة بصورة خاصة. وقصدوا بالكوفة، الحيرة، لأن الكوفة لم تكن موجودة في الجاهلية، اذ بنيت في أيام الخليفة "عمر".
ويظهر من أهل الأخبار إن "اكيدر السكوني" لم يتمكن من تثبيت ملكه على "دومة الجندل" بصورة دائمة، اذ كان ينافسه زعماء كلب الأقوياء. فقد ذكر "محمد بن حبيب" إن ملكها كان بين "اكيدر العبادي ثم السكوني وبين قنافة الكلبي. فكان العباديون إذا غلبوا عليها وليها اكيدر، واذا غلب الغسانيون ولوها قنافة. وكانت غلبتهم إن الملكين كانا يتحاجيان فأيما ملك غلب صاحبه بإخراج ما يلقى عليه، تركه والسوق فصنع فيها ما شاء. ولم يبع بها أحد شيئاً إلا باذله حتى يبيع الملك كلما أراد بيعه مع ما يصل إليه من عشورها". ويؤيد هذا الخبر ما ذكرته من وجود ملك آخر على دومة، هو "الأصبغ" الكلبي المتقدم الذكر.
وهناك خبر آخر يفيد إن "الجودي بن ربيعة"، كان مثل "الاكيدر" رئيساً على "دوفة"، وان الإثنين كانا رئيسين عليها. وورد انه كان من غسان وأن اسمه "عدي بن عمرو. بن أبي عمرو الغساني"، وأن "عبد الرحمن ابن أبي بكر"، "كان يختلف إلى الشام في تجارة قريش في الجاهلية، فرأى هناك امرأة يقال لها: ابنة الجودي من غسان، فكان يهذى بها، ويذكرها كثيراً في شعره"، "وأصيبت حين غزو الروم ليلى ابنة الجودي، فبعثوا بها إلى عبد الرحمن بن أبي بكر لذكره إياها".0 فه إذن على هذه الرواية من غسان.
ويظهر من غربلة روايات الأخباريين إن هنالك موضعاً آخر عرف ب "دومة" و "دوماء". يقع في العراق على مقربة من "عين التمر"، ذكر الأخباريون إن اسمه "دومة" و "دوما" و "دومة الجندل". ونسبوا كما ذكرت قبل قليل بناءه إلى "الاكيدر". وهو موضع لا نعرف من أمر تأريخه شيئاً يذكر.
وذكر إن "حارثة بن قطن"، و "حمل بن سعدانة بن حارثة بن مغفل"، وهما من "كلب" قدما إلى رسول الله وأسلما، فكتب رسول الله لحارثة كتاباً "لأهل دومة الجندل وما يليها من طوائف كلب مع حارثة بن قطن"، ثم بين ما على المذكورين من حقوق وواجبات، وما عليهم من إحكام فرضها الإسلام على المسلمين.
وترك "خالد" "دومة الجندل"، ثم أتى "قم"، فصالحه "بنو مشجعة بن التيم بن النمر بن وبرة بن ثعلب بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة"، وكتب لهم اماناً. ثم أتى "تدمر"، فأمنهم، ثم أتى "القريتين"، ثم "حوارين" من "سنير"، ثم أتى "مرج راهط"، فأغار على "غسان".
وكان "حاضر" "قنسرين" لتنوخ، من أول ما تنخوا بالشام، نزلوه وهم في خيم الشعر. ثم ابتنوا به المنازل. فسعاهم "أبو عبيدة" إلى الإسلام، فأسلم بعضهم وأقام على النصرانية "بنو سليح". وكان بهذا الحاضرقوم من "طيء"، نزلوه بعد حرب الفساد التي كانت بينهم حين نزلوا الجبلين. فلما ورد "أبو عبيدة" عليهم اسلم بعضهم وصالح كثير منهم على الجزية، ثم اسلموا بعد ذلك.
وقضاعة قبائل عديدة، منها "بنو جرم بن ربان" و "بنو سليح" و "تزيد" ابنا "عمران بن الحاف بن قضاعة" و "كلب بن وبرة"، وهو قبيل عظيم. منهم "الأسبع"، ومن قبائل قضاعة "عذرة بن زيد اللآت" و "العبيد بن زيد اللآت"، و "بنو كنانة"، و "بنو جناب بن هبل"، و "بنو عليم بن جناب"، و "بنو مصاد"، و "بنو حصن"، و "بنو معقل". ومن "بني جناب" "بحدل بن أتيف"، ج، "يزيد بن معاوية" لأمه. ومن رجالهم "ابن الجَلاّح"، وكان قائداً للحارث بن أبي شمر. الجفني، واسمه "النعمان". وهو الذي أغار على "بني فزارة" و "بني ذبيان"، مَاستباحهم وسبي "عقرب" بنت النابغة، ومَنّ عليها، فمدحه "النابغة".
وقد انتشرت بطون "كلب" في ارضين واسعة، شملت دومة الجندل وبادية السماوة والأقسام الشرقية من بلاد الشام. ولما أخرج الروم عن ديار الشام، لعبت بطون كلب دوراً بارزاً في السياسة، إذ أيدت الاموين، وتزوجّ "معاوية" "ميسون" أم "يزيد" وهي كلبية، فصارت كلب في جانب الامويين.
ومن قبائل "قضاعة"، "بنو عامر الاجدار". ومن رجال "بني وبرة" غير كلب، "بنو القيس بن جسر"، و "بنو مصاد بن مذعور" و "بنو زهير بن عمرر بن فهم". ومن قبائل "جرم بن ربان": "بنو اعجب" و "بنو طرود" و "بنو شميس". ومن بطون "جرم": "بنو خشين"، ومن رجالهم "رأس الحجر"، وقد رأس في الجاهلية وأخذ المرباع. ومن رجال "جرم"، "عصام بن شهبر"، حاجب النعمان. وكان النعمان إذا أراد إن يبعث بألف فارس بعث بعصام.
وقد ذهب وفد من "جرم" إلى المدينة، فيه "الاصقع بن شريح بن صريم" و "هوذة بن عمرو"، فأسلما، وكتب الرسول لهما كتاباً. وذهب وفد آخر، اخبر الرسول بإسلام حواء من جرم، كان عليه "سلمة بن قيس الجرميّ" ومعه ابنه "أبو زيد عمرو بن سلمة بن قيس الجرمي".
وقد ساعد الغساسنة الروم في حروبهم مع المسلمين، وكان على رأسهم "جبلة ابن الايهم الغساني"، الذي حارب مع مقدمهّ جيش الروم في مستعربة الشام من غسان ولخم وجذام وغيرهم يوم اليرموك. ثم انحاز "جبلة" إلى المسلبين، وأظهر الإسلام، ثم عاد، ففرّ إلى بلاد الروم، واستقر بها، وبها مات. وقد استمر "المستعربة" يناصرون الروم، فلما تراجع قوادهم نحو الشمال لضغط المسلمين عليهم، التحق بهم هؤلاء "المستعربة" من غسان وتنوخ وإياد، وقد التحموا بالمسلمين في "درب بغراس".
ويذكر الأخباريون إن "دمشق" كانت منازل ملوك غسان. وبها آثار لآل جفنة. والظاهر، انهم كانوا قد اشتروا وابتنوا بها قصوراً، عاشوا فيها، ومنها كانوا يتصلون بكبار الموظفين الحاكمين البيزنطيين. فإذا أرادوا الاتصال بقومهم الغساسنة عادوا إلى قصورهم بين قومهم. وكانت الغوطة: غوطة دمشق من المناطق التي سكن بها الغساسنة.
ويظهر من رواية يرجع سندها إلى "محمد بن بُكر الغساني" عن قومه "غسان" إن الغساسنة لم يقبلوا على الإسلام إقبال غيرهم من العرب، وانهم لم يسلموا إلا بعد فتوح الشام. ولما. ذهب ثلاثة نفر منهم إلى المدينة، وأسلموا وبايعوا الرسول، لم يستجب قومهم لهم في دعوتهم إلى الإسلام، فكتموا أمهرهم عنهم، خوفاً من بطش قومهم بهم.
وورد في أخبار الرسل الذين أرسلهم الرسول إلى الملوك يدعوهم إلى الإسلام، إن الرسول أرسل "شجاج بن وهب" إلى "الحارث بن أبي شمر الغسانيّ" من غسان، وكان يقم إذ ذاك بغوطة دمشق في قصر منيف، ليدعوه إلى الإسلام، فلما دفع "شجاع" كتاب رسول الله إلى "الحارث" رمى به، ولم يدخل في الإسلام وبقي على النصرانية حتى توفي عام الفتح.
وكان "جبلة" مع الروم يوم "اليرموك" ومعه "المستعربة" من غَساّن وقضاعة وذلك سنة "15" للهجرة، "وكان قد انضم إلى المسلمين بعض لخم وجذام، فلما وجدوا جدّ القتال فرّوا ونجوا إلى ما كان قربهم من القرى وخذلوا المسلمين.
وقد كان "جبلة بن الأيهم" على رأس "العرب المتنصرة" يحارب مع الروم، لمنع المسلمين من التقدم نحو "قنسرين"، ويذكر أهل الأخبار إن محاورات جرت بينه وبين المسلمين في موضوع اشتراكه مع الروم، وعنا محاورات مع "خالد بن الوليد" صاغوها بأسلوب قصصي منمق، وذكروا انه كان جالساً "على كرسي من ذهب أحمر وعليه ثياب الديباج الرومي وعلى رأسه شبكة من اللؤلؤ وفي عنقه صليب من الياقوت. وكان ذلك بعد ارتداده عن الإسلام، فلما غلب الروم، "كان جبلة أول من انهزم والعرب المتنصرة أثره".
ومن الغساسنة "شرحبيل بن عمرو الغسانيّ"، الذي قتل رسولَ رسول الله "الحارث بن عمير الأزدي"، الذي كان الرسول قد بعثه إلى ملك "بصرى". فما نزل "مؤتة" قتله "شرحييل". فأمر رسول الله بإرسال حملة عليه، سنة ثمان للهجرة جعل أمرها "زيد بن حارثة". ولما سمع بها "شرحبيل" جمع جمعاً من قومه وتقدم نحوهم، وكانوا قد نزلوا "معان". وبلغ المسلمين إن "هرقل" كان قد نزل "مآب" من أرض البلقاء في جمع من بهراء ووائل وبكر ولخم وجذلم والقين، عليهم "مالك بن رافلة" الاراشي من "بليّ"، فانحازوا إلى "مشارف"، ولما دنا العدو انحازوا إلى "مؤتة"، وقتل فيها في فيها "جعفر بن أبي طالب"، و "عبد الله بن رواحة" و "ثابت بن رواحة" و "ثابت بن أرقم"، ثم "زيد بن حارثة"، ثم تراجعوا إلى المدينة. وقتل من العرب الذين كانوا مع الروم "مالك بن رافلة" "زافلة". واعتزل بعض "حَدَس" وهم "بنو غنم" الحرب، لإشارة كاهنتهم عليهم بذلك، فأخذوا بقولها، فاعتزلوا عن "بني لخم" وصلم الحرب بعض منهم، وهم "بنو ثعلبة".
وكان بقرب "حلب" حاضر، عرف ب "حاضر حلب"، جمع أصنافاً من العرب من تنوخ، فصالحهم "أبو عبيدة" على الجزية. ويرجع هذا الحاضر إلى أيام الجاهلية، فقد كان العرب قد توغلوا إلى هذه الديار قبل ظهور الإسلام، وأقاموا في الحواضر بظواهر المدن يتعيشون من اتصالهم بأهل تلك المدن.
ولم تكن الرابطة الدينية التي ربطت بين أكثر عرب بلاد الشام والبيزنطيين، هي العامل الوحيد الذي جعل أولئك العرب ينضمون إلى صفوف الروم في الدفاع عنهم وفي مقاومة جيوش المسلمين، بل كانت هنالك عوامل أخرى، مثل المنافع المادية التي كان يجنبها سادات الأعراب من البيزنطيين، حيث كانوا ينالون هدايا ورواتب منهم في مقابل حماية الحدود والمحافظة عليها من غارات الأعراب وفي مقابل الغارات التي كان البيزنطيون يكلفونهم بها لغزو حدود العراق لازعاج أعدائهم الفرس وقت الحاجة والضرورة، ومثل التسهيلات التي كانوا ينالونها من البيزنطيين في الإتجار مع مدن الشام وفي معاملات البيع والشراء والرواتب السخيفة التي تدفع للأعراب إذا خدموا في صفوف العساكر المتطوعة، وهي رواتب سخية إذا قيست بالنسبة لحالة أهل البادية المنخفضة من الناحية المادية كثيراً بالنسبة إلى حالة سكان بلاد الشام.
وكان "الحيار": "حيار بني القعقاع" بلداً معروفاً قبل الإسلام. وبه كان مقبل "المنذر بن ماء السماء" اللخمي، ملك الحيرة. فنزله "بنو القعقاع" من "عبس بن بغيض".
وكانت البلقاء في أيدي قبائل من العرب مثل لخم وجذام وبلقين وبهراء وبليّ، وهي قبائل يطلق عليها المؤرخون اسم "المستعربة". وكانوا على النصرانية في الغالب، لذلك كان هواهم إلى جانب الروم. فكانوا معهم في غزوة "مؤتة" يقاتلون مع "هرقل" ضد المسلمين وعليهم "مالك بن رافلة" وهو من "بليّ" ثم أحد إراشة. وكان المسلمون إذْ ذاك في "معان". وهي من أعمال البلقاء يستعدون للروم. وكان صاحب هذه المدينة في أيام الرسول رجلاً من "جذام"، هو "فروة بن عمرو الجُذاميّ". وكان عاملاً للروم على من يليهم من العرب، ومنزله بمعان. فلما أرسل فروة رسولاً عنه إلى الرسول يبلغه بإسلامه، قبض الروم عليه وحبسوه، ثم ضربوا عنقه وصلبوه.
ومن "لخم" "بنو السار بن هانىء". وقد قدم وفد منهم على رسول، الله منصرفه من "تبوك"، فيه" "تميم بن أوس بن خارجة الداريّ" و "نعيم ابن أوس بن خارجة"، و "يزيد بن قيس بن خارجة"، و "الفاكه بن النعمان بن جبلة بن صفارة"، و "جبلة بن مالك بن صفارة"، و"أبو هند" و "الطيب" إبنا "ذر". وهو "عبد الله بن رزين بن عِمّيت بن ربيعة درّ اع"، و "هانىء بن حبيب" و "عزيز" و "مُرّة" إبنا "مالك بن سواد بن جذيمة"، فأسلموا، وأهدى "هانىء بن حبيب" لرسول الله، راوية خمر وأفراساً وقباءاً مخوصاً بالذهب. فقيل الأفراس والقباء. وقال تميم: لنا جيرة من الروم لهم قريتان يقال لإحداهما "حبرى" والأخرى "بيت عينون"، فإن فتح الله عليك الشام فهبهما لي. فوهبهما رسول الله له. فلم توفي الرسول وقام أبو بكر أعطاه ذلك وكتب له كتاباً.
ولما أمر الرسول "أسامة بن زيد بن حارثة" إن يوطىء الخيل تخوم البلقاء والداروم من أرض فلسطين، تجهز معه المهاجرون الأولون، ولكن وفاة الرسول لم تمكنه من السفر، فكان أول ما فعله خليفته "أبو بكر" إن أمره بتنفيذ. ما أمره به رسول الله. ولكنه لم يتقدم كثيراً، بل بلغ الموضع الذي قتل أبوه زيد بن حارثة فيه، وهو من أرض الشام فرجع، لأن الرسول أمره في حياته بالمسير إليه.
و "الداروم" قلعة بعد غزة للقاصد إلى مصر. يجاورها عربان بني ثعلبة بن سلامان بن ثعل من بني طيء. وهم درماء وزريق.
يتبع
( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق