1497
( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي
الفصل السابع والسبعون
اليهود والأسلام
وما دمنا لا نملك نصوصاً يهودية جاهلية، ولا نصوصاً عربية جاهلية تتعرض ليهود، فليس في وسعنا إذن أن نتحدث باطمئنان عن أثر اليهود في الجاهليين أو أثر الجاهليين في اليهود. لقد تحدث عدد من المستشرقين عن أثر اليهود في الجاهليين، فزعموا أن لليهود أثراَ عميقاً فيهم، فالختان مثلاً هو أثر من آثار يهود في العرب، وشعائر الحج عند الوثنيين أكثرها هي من اسرائيل، فالطواف حول البيت يرجع أصله إلى بني اسرائبل، ذلك أن قدماءهم كانوا يطوفون حول خيمة الإلَه "يهوه" إله اسرائيل ومنهم تعلمه الجاهليون واتبعوه في طوافهم بالبيت. والاجازة بعرفة يهودية كذلك، لأن الذي كان يجيز الحجاج بعرفة فيأمر الحجيج بالرمي بعد أن يلاحظ الشمس، وقت الغروب يعرف ب "صوفة"، وصرفة تسمية عبرانية لها علاقة وصلة بهذه الوظيفة وظيفة مراقبة غروب الشمس وتثبيت وقته، فالإجازة اذن عبرانية الأصل. و "منى" صنم من أصنام اسرائيل،ووادي منى على اسم هذا الصنم الإسرائيلي، وأسماء أيام الاسبوع هي تسميات أخذت من يهود، ولفظة "المدينة" التي تطلق على يثرب، أطلقها اليهود على هذا الموضع قبل الإسلام، وقد أخذوها من الإرمية، لتميز هذا المكان عن "وادي القرى". وأشياء أخرى عديدة من هذا القبيل.
وقد غالى بعض اليهود في تقدير يهود جزيرة العرب، فذهب إلى أن أولئك اليهود جلهم إن لم يكونوا كلهم كانوا يحسنون قراءة الكتاب المقدس، بدليل اطلاق القرآن الكريم عليهم "أهل الكتاب". وقد فاته أن عبارة "أهل انكتاب" لا "تعني أهل الكتابة، بمعنى أنهم كانوا أصحاب علم بالكتابة، وإنما المراد من ذلك أهل كتاب منزل سماويّ. ويدخل في ذلك النصارى أيضاً لوجود كتاب سماوي لديهم كذلك هو الانجيل. وقد رأيت أن القرآن الكريم قد وصف بعضى الأحبار بالعلم، كما رمى أكثرهم بالجهل. أما السواد الأعظم منهم، فقد جعلهم عامةً تتبع أقوال رجالها، فلا علم لها ولا معرفة بأمور الماضين أو الحاضرين.
وأنا لا أريد هنا أن أجادل في نفي هذه الأمور، أو اثباتها، فأخذ الشعوب واقتباسها بعضها عن بعض، من القضايا التي لا يمكن أن ينكرها إلا المعاندون الجاهلون المتعصبون. وقد رأيت ان ابن الكلبي وغيره من قدامى الأخباريين قد أشاروا إلى أن أصل بعض الأصنام عند العرب هو من الشمال،استورد في مناسبات أشاروا اليها، كما أن التنقيبات الأثرية قد أثبتت وجود صلات فكرية بين جزيرة العرب وبين العالم الخارجي، وأن ما يزعمه القائلون بعزلة الجاهليين عن بقية العالم هو هراء لا يستند إلى دليل. ولكني في هذه الأمور من الحذرين. أكره الجزم في بشيء من غير برهان قاطع ودليل محسوس. فكلام أهل الأخبار، أكثره مما لا يمكن الاعتماد عليه، وقد رأينا طبيعة أكثره ونوعه. ثم إن الكثير مما له علاقهّ بيهود وبالدين هو مما أخذ من أهل الكتاب في الإسلام أو من أفواه مسلمة أهل الكتاب. فهو متأخر عن الجاهلية، فلا يمكن أن يشمل الجاهليين من اهل الكتاب ومن وثننين. وعلينا الان التمييز بين هذا الذي أدخل بين العرب بعد أيام الجاهلية وبين ذلك الذي كان معروفاً عند الجاهليين وقد ورد عنهم، وذلك لنتمكن من ابداء رأي في هذه القضايا المعقدة.
ثم إن العرب كانوا شعباً سامياً، كاليهود في اصطلاح العلم،وتشترك البطون السامية في كثير من أصول التفكير والعقيدة، ومعنى هذا ان ما تجده عند يهود قد يكون عند العرب وعند غيرهم ممن يدخلهم المستشرقون في هذه الزمرة. فلم كل شيء ليهود، ونحكم على ان الجاهليين قد أخذوه منهم، ولا نقول إن هذا من فلك التراث القديم الموروث ? أنا لا أقول ذلك متأثراً.بدافع من للعصبية، انما أقول ذلك لأني أدين بفكرة هي ان الاستعجال في اصدار الأحكام بغير دليل خطأ فاحش لا يجوز لانسان يشعر بانسانيته اًن يوقع نفسه فيه.
هذا ولا بد بالطبع من ان يتأثر الجاهليون المجاورون لليهود بعض للتأثر بهم، بأن يأخذوا منهم بعض الأشياء ويتعلموا منهم بعض الأشياء التي تنقصهم. والتي هم في حاجة ماسة اليها. فذلك أمر لا بد منه. بهما ولا بد وان يكون اليهود قد اقتبسوا أشياء من جيرانهم العرب، وعملوا على محاكاتهم في حيانهم الاجتماعية، لاسيما ويينهم يهود من أصول عربية.
يتبع
( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق