1480
( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي
الفصل السادس والسبعون
اليهودية بين العرب
وذكر أهل الأخبار انه كان لليهود حكام يحكمون بينهم، ويقيمون حدودهم عليهم. فلما جاء الرسول إلى يثرب، صار اليهود يعترضون على عدالة حكم بعضهم، ولا يرضون بتنفيذ أحكامهم عليهم. فكان الحكام أو هم يذهبون إلى الرسول لكي يحكم بينهم فيما هم فيه مختلفون وفق شريعتهم.
وكان جلّ اعتماد اليهود في هذه المنطقة عند ظهور الإسلام على التجارة، ومعاطاة الربا والزرع، وبعض أنواع الصناعة: كالصياغة، وتربية الماشية والدجاج، وصيد الأسماك في أعالي الحجاز على ساحل البحر الأحمر. واشتهروا بالاتجار بالبلح وبالبر والشعير والخمر، وكانوا يجلبون الخمر من بلاد الشام. وكانوا يبيعون بالرهن، يرهن المشترون بعض أمتعتهم عندهم ليستدينوا منهم ما يحتاجون اليه. وقد ورد ان الرسول رهن درعاً له عند يهودي من أهل يثرب في مقابل شعير كان به حاجة شديدة اليه، ومن الصناعات التي اشتغل بها اليهود، النسيج وهو من اختصاص نسائهم على الأكثر، والصياغة وقد اختص بها بنو قينقاع، والحدادة، وهي صناعة يإنف منها العرب ويزدرونها ويرونها من الحرف الممقوتة الحقيرة.
ولم يكن من مصلحة اليهود، وهم أهل زرع وضرع ومال وتجارة وأرض ثابتة وقصور وآطام، أن يشتركوا في الحروب أو يشجعوا وقوعها في ديارهم وفي جوارهم، بل كان من مصلحتهم أن يعمّ الاستقرار البلاد التي يقيمون فيها، ليعيشوا عيشة هنيئة، وليبيعوا ما عندهم من الأعراب وليشتروا منهم ما عندهم من سلع وليقبضوا أموالهم منهم والأرباح التي استحقت على تلك الأموال.
وفي النزاع الذي يقع بين القبائل، لم يكن من مصلحتهم تأييد حزب على حزب، خوفاً من الوقوع في أخطاء تجر عليهم أخطاراً ومهالك هم في غنى عنها وفي ماًمن من شرًها. ثم إنهم بتحزبهم لطرف يغضبون الطرف الاخر، فيضمر عندئذ شرأَ لهم، فيخسرون بذلك مشترياً وبائعاً. وهم أناس اصحاب سوق وتجارة. غير ان الظروف كانت تكرههم في بعض الأحيان على الاشتراك في الحرب، وعلى إثارة الحرب أيضاً متى وجدوا في إثارتها فائدة لهم ومصلحة ترتجى كاًن ينهكوا العدوّ بحرب مع عدو آخر بإيقاع الفتنة وإشعال النيران، كما أوقعوا بين الأوس والخزرج، لإضعاف الطرفين معاً، حتى لا تبقى لهم قوة تهددهم وتكون خطراً عليهم.
وفي يوم بعاث استعان الأوس ببني قريظة والنضير،فبلغ ذلك الخزرج فأرسلوا اليهم يحذرونهم من سوء عاقبة الإشتراك في هذا النزاع،فتوقفوا، غير أنهم عادوا فعاونوا الأوس، وانضم اليهم بنو النبيت. فلما كسب الأوس الحرب، كسب بنو قريظة والنضير والنبيت غنائم من الخزرج، وخرجوا في هذا اليوم منتصرين بانتصار الأوس.
ويذكر أهل السير والأخبار: ان يهود يثرب كانوا اذا تضايقوا من الأوس والخزرج هددوهم. بقرب ظهور نبي يستعلون به عليهم. ففي رواية عن بعض الصحابة انهم قالوا: "كنا قد علوناهم في الجاهلية، ونحن أهل شرك وهم أهك كتاب، فكانوا يقولون لنا: إن نبياً يبعث الان نتبعه، قد أطل زمانه، نقتلكم معه قتل عاد وإرم". ولما ذكّرهم معاذ بن جبل وبشر بن البرّاء بن معرور ونفر آخرون بدعواهم تلك، وبظهور النبى العربي بقولهم، لهم: "يا معشر يهود، اتقوا الله، واسلموا، فقد كنتم تستفتحون علينا بمحمد، ونحن أهل شرك، وتخبروننا انه مبعوث وتصفونه لنا بصفته"، فكان جواب يهود لهم ما جاء على لسان سلام بن مشكم أحد بني النضير: ما جاءنا بشيء نعرفه، وما هو بالذي كنا نذكره لكم. وقد أشير إلى ذلك في القرآن الكريم: ) ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم، وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا. فلما جاءهم ما عرفوَا، كفروا به، فلعنة الله على الكافرين(. واستفتاح اليهود على المشركين، هو للتفريج عن أنفسهم ولتخويف الأوس والخزرج ولاعتقادهم حقاً بظهور مسيح منهم، أي من بني اسرائيل. ولهذا أنكروا نبوة الرسول، وأبوا التسليم بها، لأنه لم يكن منهم، ولأن النيوة لا تكون - على رأيهم - إلا في بني اسرائيل.فكيف يصدقون بنبي عربي من الأميين "نبيَ اموت ها عولام "Nebi'e Ummot ha -'Olam.
يتبع
( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق