1479
( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي
الفصل السادس والسبعون
اليهودية بين العرب
وقد كان اليهود يخضعون في نظامهم السياسى والاجتماعي لرؤسائهم وساداتهم، يدفعون لهم ما هو مفروض عليهم أداؤه في كل سنة. وهؤلاء السادة هم أصحاب الآطام والحصون والأرض. ولمن يشتغل في الأرض تسديد ما عليه لصاحبها في مقابل استغلاله لها. وقد إعتنوا عناية خاصة بزراعة النخيل. وعرفت القطعة من الأرض المزروعة نخلاً عندهم ب "الصورين" "الصور". ولما كانت الأرضون المزروعة واسعة، كانت خارج الاطام والحصون، يحميها حراسها والمشتغلون بها أيام ثمرتها. وأما في أيام الغزو والحروب، فقد كانت معرضة لهجوم المهاجمين. وهذا ما كان يعرض أعظم غلة اليهود للخطر، ولهذا شق عليهم كثيراً،وانهارت مقاومتهم حين أمر الرسول بقطع النخل وتحربقه،وأخذوا يلتمسون منه وقف ذلك.
ويتولى الأحبار الأمور الدينية وتنفيذ الأحكام والنظر فيما يحدث بين الناس من خصومات. يقيمون لهم الصلوات وبقية شعائر دينهم، ويعلمونهم في بيوت ا لمدارس.
وقد أدى التنافس بين سادات يهود إلى نشوب معارك بينهم في الجاهلية. وقد أشار اليها القرآن الكريم وأنّبهم على ذلك. واضطرت بنو قينقاع بسبب ذلك وبضغط بني النضير وبني قريظة الى الالتجاء إلى أحياء يثرب والى محالفة الخزرج، وفي مقابل ذلك تحالفت بنو النضير وبنو قريظة مع الأوس، فصاروا فرقتين: فرقة مع الخزرج، وفرقة مع الأوس.
وفي تاًنيب يهود، لتخاصمهم وتنابذهم واخراجهم بعضهم بعضاً من ديارهم وأسٌر بعضهم بعضاً وافتداء الأسرى كالذي وقع بين بني قينقاع وبني النضير، نزل الوحي: )وإذ أخذنا ميثاقكم، لا تسفكون دماءكم، ولا تخرجون انفسكم من دياركم، ثم أقررتم و أنتم تشهدون، ثم أنتم هؤلاء تقتلون انفسكم، وتخرجون فريقاً منكم من ديارهم تظاهرون عليهم بالاثم والعدوان. وإن يأتوكم أسرى، تفتدوهم وهو محرم عليكم اخراجهم، أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض ? فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا، ويومَ القيامة يردّون إلى أشد العذاب، وما الله بغافلٍ عما تعملون (. أنبهم لأنهم فعلوا فعل المشركين والأعراب، مع انهم أهل دين واحد وكتاب. أما المشركون فلا لوم عليهم، لأنهم لم يكونوا على دين، وليس لهم كتاب ياْمرهم وينهاهم.
وفي المعارك والخصومات التي تقع بين يهود، كانوا يؤدون الدية. وهي على ما يظهر من روايات أهل الأخبار مختلفة، وغير متكافئة. فكان بنو النضير يؤدون الدية كاملة لشرفهم في يهود، أما بنو قريظة، فكانوا يؤدون نصف الدية. وفي خلاف في أداء الدية وقع بينهم، التجأوا إلى الرسول للحكم بين، فذكروا له هذا الاختلاف، فحكم بالدية متساوية. وفي هذا الحكم نزلت الاية: )سماعون للكذب، أكّالون للسحت، فإن جاؤوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم، وإن تعرض عنهم فلن يضروك شيئاً، وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط، إن الله يحب المقسطين (. ذكر علماء التفسير عن "ابن عباس" أنه قال: "كانت قريظة والنضير، وكان النضير أشرف من قريظة، فكان إذا قتل رجل من قريظة رجلاً من النضير قتل به، وإذا قتل رجل من النضير رجلاً من قريظة ودى مائة وسق من تمر، فلما بعث رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، قبل رجل من النضير رجلاً من قريظة فقالوا: ادفعوه الينا لنقتله، فقالوا: بيننا وبينكم النبي، صلى الله عليه وسلم، فنزلت: )وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط. النفس بالنفس، ونزلت أفحكم الجاهلية يبغون (.
وذكر علماء التفسير في تفسيرهم للايات المتقدمة، ان أحبار اليهود لم يكونوا يحكمون بالحق فيما بين الناس، كانوا يحابون ويتحزبون ويحكمون بالباطل وياًكلون "السحت" أي الرشا، جزاء حكمهم بالباطل. وكانوا يتساهلون في تطبيق أحكام الشريعة مع الشريف لشرفه، ويتشددون مع الدنيء لدناءته وفقر حاله. ولا يراعون التساوي في أخذ الديّات. "كان الشريف إذا زنى بالدنيئة رجموها هي وحموا وجه الشريف وحملوه على البعير، أو جعلوا وجهه من قبل ذنب البعير. وإذا زنى الدنيء بالشريفة: رجموه". و كان هذا شانهم " إلى ان زنى شاب منهم ذو شرف، فقال بعضهم لبعض لا يدعكم قومه تّرجمونه، ولكن اجلدوه ومثلوا به، فجلدوه وحملوه على حمار أكاف وجعلوا وجهه مستقبل ذنب الحمار. إلى ان زنى آخر وضيع ليس له شرف، فقالوا ارجموه. ثم قالوا فكيف لم ترجموا الذي قبله، ولكن مثل ما صنعتم به فاصنعوا بهذا"، واختلفوا فذهب فريق منهم إلى الرسول، فحكم بينهم بما جاء بحكم التوراة.
وذكر ان "حيي بن أخطب" كان قد حكم ان للنضري ديتان وللقرظي دية، لأنه كان من النضير.
يتبع
( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق