إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الاثنين، 25 يناير 2016

1457 ( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي الفصل الخامس والسبعون الحنفاء


1457

( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي
   
الفصل الخامس والسبعون

الحنفاء


وممن قال باحتمال أخذ القرآن وأمية من مورد مشترك واحد، "فردرش شولثيس" Friedrich Schulthetz ناشر ديوان أمية. وقد زعم أيضاً احتمال أخذ أمية من بعض آيات الله التي كانتُ منزلة يوشذ، ونظمها في شعره. استند في زعمه القائل باقتباس الرسول من مورد مشترك إلى ورود بعض كلمات في القرآن الكريم وفي الحديث وفي كتب السير، يفهم منها على زعمه ان الرسول كان قارئاً كاتباً، لكنه لم يشترط في هذه المؤلفات كونها الانجيل و التوراة، بل ذهب الى انها "مجلة" و "صحيفة"، تتضن أحأديث وتفاسير وقصصاً دينياً قديما. أما دليله، فافتراض واحتمال، وليس له غير هذين. ولا يقوم علم إلإعلى دليل ملموس.

أما أنا، فاًرى ان مردّ هذا التشابه والاتفاق إلى الصنعة والافتعال. لقد كان أمية شاعراً، ما في ذلك شك، لاجماع الرواة على القول به. وقد كان ثائراً على قومه، ناقماً عليهم، لتعبدهم للأوثان. وقد كان على شيء من التوحيد والمعرفة باليهودية والنصرانية، ولكني لا أظن أنه كان واقفاً على كل التفاصيل المذكورة في القرآن وفي الحديث من العرش والكرسي وعن الله وملائكته وعن القيامة والجنة والنار والحساب والثواب والعقاب ونحو ذلك، إن هذا الذي ذكره شيء إسلامي خالص،لم ترد تفاصيله عند اليهود ولا النصارى، ولا عند الأحناف. فوروده في شعر أمية وبالكلمات والتعابير الاسلامية، هو عمل جماعة فعلته في عهد الإسلام: وضعته على لسانه، كما وضعوا أو وضع غيرهم على ألسنة غيره من الشعراء والخطباء، لاعتقادها أن ذلك مما يفيد الإسلام، ويثبت أن جماعة من الجاهليين كانوا عليه،وأنه لم يكن لذلك غريباً، وأن هؤلاء كانوا يعلمون الغيب، يعلمون بقرب ظهور نبيّ عربي، وأنهم لذلك بشروا به، وأنهم كانوا يتمنون لو عادوا فولدوا في أيامه، أو لو طال بهم العمر حتى يدركوه فيسلموا،وأمثال ذلك من قصص راج وانتشر، كما راج امثاله في كل دين من الأديان.

ولا بد وأن يكون هذا الوضع قد صنع في القرن الأول للاسلام، لأن أهل الأخبار القدامى يذكرون بعض هذا الشعر. وقد يكون قد وضع أ كثره في عهد الحجاج تقرباً اليه، لأنه من ثقيف، وفي ذلك العهد وضع الوضّاع أخباراً كثيرة في الغض من شأن قوم الحجاج، نكاية به فتقدم قوم آخرون اليه بالرفع من شأنها وبإضافة ذلك الشعر الى أمية وغيره، ليكون رداً على كارهي ومبغضى الحجاج.

وتتبين آية الوضع في شعر أمية في عدم اتساقه وفي اختلاف أسلوبه وروحه.

فبينما نجد شعره المنسوب اليه في المدح أو في الرثاء أو فيَ الأغراض الأخرى مما ليس لها صلة مباشرة بالدين، في ديباجة جاهلية على نسقى الشعر المنسوب إلى شعراء الجاهلية، نجد القسم الديني منه والحكمي في أسلوب بعيد عن هذا الأسلوب، بعيد عن الأساليب المعروفة عن الجاهليين، أسلوب يجعله قريباً من شعر الفقهاء والصوفين المتزمتين، ونسّاك النصارى، فهو بعيد جداً من أسلوب الجاهليين، حتى أسلوب مثل "عدي بن زيد "العبادي والأعشى ويقية من نسب إلى النصرانية من شعراء الجاهلية القريبين من الإسلام. يضاف إلى ذلك ما ذكره الرواة وأهل الأخبار من نسبة بعض ذلك الشعر إلى غيرة من الشعراء، وقد يقال إن أسلوب "أمية" في نظم الشعر الديني والحكمي، هو أسلوب صحيح لا يمكن إلا ان يكون على هذا الحال، هو أسلوب بعيد عن أسلوب الجاهليين في النظم، لأن الشعر الجاهلي المعروف نظم في أغراض أخرى لا صلة لها بالحكم وبالدين، وما جاء منه إلينا في الحكم وفي الدين هو على أسلوب آخر أيضاً، بدليل ان بعض الشعراء منهم حين نظموا في الحكم، رق شعرهم وبان عن نظمهم المألوف. وبدليل ان نظم "حسان بن ثابت" في الإسلام، هو دون نظمه في الجاهلية من حيث الجزالة والفخامه في النظم، وان شعر "لبيد".


 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق