إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الاثنين، 25 يناير 2016

1455 ( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي الفصل الخامس والسبعون الحنفاء


1455

( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي
   
الفصل الخامس والسبعون

الحنفاء


وينسب إلى أمية شعر، ذكر انه افتخر فيه ب "نزار" وب "معد". وبقبيلة "إياد"، حيث نعتهم ب "قومي إياد".

ويتلخص ما جاء في شعر هذا الشاعر من عقائد وآراء في الاعتقاد بوجود إلَه واحد، خلق الكون وسوّاه وعدله، وأرسى الجبال على الأرض، وأنبت النبات فيها، وهو الذي يحيي ويميت،ثم يبعث الناس بعد الموت ويحاسبهم على أعمالهم، وليجازيهم بما كسبت أيديهم، فريق في الجنة وفريق في النآر، يساق المجرمون عراة إلى ذات المقامع والنكال مكبلين بالسلاسل الطويلة وبالأغلال، ثم يلقى بهم في النار يصلونها يوم الدين، يبقون فيها معذبين بها، ليسوا بميتين، لأن في الموت راحة لهم، بل قضى الله ان يمكثوا فيها خالدين أبدأَ.

أما المتقون،فإنهم بدار صدق ناعمون تحت الظلال: لهم ما يشتهون، فيها عسل ولبن وخمر وقمح ورطب وتفاح ورمان وتين وماء بارد عذب سليم، وفيها كل ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين، وحور لا يرين الشمس فيها، نواعم في الأرائك قاصرات، على سرر ترى متقابلات، عليهم سندس وجياد رَيٌط وديباج، حلّوا بأساور من لجين ومن ذهب وعسجد كريم، لا لغو فيها ولأ تأثيم، ولا غول ولا فيهاُ مليم، وكاس لا تصدع شاربيها، يلذّ بحسن رؤيتها النديم، تحتهم نمارق من دمقس، فلا أحد يرى فيهم سئيم.

والوقوف على آراء "امية"، وعلى معتقداته الدينية يجب الرجوع بالطبع إلى أشعاره وما نسب اليه من كلام. ففي هذا التراث الذي تغلب عليه النزعة الدينية والحكمية، تتمثل أراء ذلك الشاعر الجاهلي الذي أدرك أوائل المبعث، وهي آراء قريبة جداً من الإسلام، وبعضها يكاد يكون قولاً اسلامياً في لفظه وفي معناه مسبوكاً في شعر. وفي هذا الشعر قصص الرسل والأنبياء: آدم ونوح وقصة طوفانه، والغراب والحمامة، وقصة ذي القرنين وبلقيس وحكاية الهدهد، وقصة ابراهيم وتقديم ابنه للذبح،وداوود، وفرعون، وموسى، وابن عاد. وعيسى وأمه مريم وكيفية حملها به، فوصف ذلك بانياً وصفه على نحو ما جاء في القرآن الكريم عن تكوّ ن عيسى، مضيفاً إلى ذلك زيادات في 2حديث مريم مع الملائكة وجواب الملائكة لها. كما أورد في الشعر قصة "لوط اخي سدوم". وهي من القصص المذكور في التوراة، وأشياء أخرى عديدة من هذا القبيل. وفي أكثر ما نسب إلى هذا الشاعر من آراء ومعتقدات دينية ووصف ليوم القيامة والجنة والنار، تشابه كبير وتطابق في الرأي جملة وتفصيلاً لما ورد عنها في القرآن الكريم. بل نجد في شعر أمية استخداماً لألفاظ وتراكيب واردة في كتاب الله وفي الحديث النبوي، فكيف وقع ذلك ? وكيف حدث هذا التشابه ? هل حدث ذلك على سبيل الاتفاق أو ان امية اخذ مادته من القرآن الكريم، أو كان العكس، اي ان القرآن الكريم هو الذي أخذ من شعر امية فظهرت الأفكار والألفاط التي استعملها امية في آيات الله وسوره ? فكتاب الله اذن هو صدى وترديد لآراء ذلك الشاعر المتأله، أو ان هذا التشابه مردّه شيء آخر هو تشابه الدعوتين واتفاقهما في العقيدة والرأي، أو اعتماد الاثنين على مورد أقدم، هما الكتابان المقدسان: التوراة والانجيل، وما لهما من شروح وتفاسير، أو كتب أو موارد عربية قديمة كانت معروفة ثم بادت وبقي أثرها في القرآن الكريم وفي شعر أمية بن ابي الصلت، أو ان كل شيء من هذا الذي نذكره ونفترضه افتراضاً لم يقع، وان ما وقع ونشاهده، سببه ان هذا الشعر وضع على لسان امية في الإسلام، وان واضعيه حاكوا في ذلك ما جاء في القرآن الكريم فحدث لهذا السبب هذا التشابه.

أما الاحتمال الأول، وهو فرض أخذ امية من القرآن، فهو احتمال إن قلنا بجوازه ووقوعه، وجب حصر هذا الجواز في مدة معينة، وفي فترة محدودة تبتدىء بمبعث الرسول، وتنتهي في السنة التاسعة من الهجرة، وهي سنة وفاة أمية بن أبي الصلت. اما ما قبل المبعث، فلا يمكن بالطبع ان يكون امية قد اقتبس من القرآن، لأنه لم يكن منزلاً يومئذ، وأما ما بعد السنة التاسعة، فلا يمكن أن يكون قد اقتبس منه أيضاً، لأنه لم يكن حياً، فلم يشهد بقية الوحي. ولن يكون هذا الفرض مقبولاً معقولاً في هذه الحالة،إلا اذا أثبتنا بصورة جازمة ان شعر امية الموافق لمبادىء الإسلام ولما جاء في القرأن قد نظم في هذه المدة المذكورة، اي بين المبعث والسنة التاسعة من الهجرة، وأن امية كان يتتبع نزول الوحي، ويجمعه،وانه كان يملك نسخة مما نزل على الرسول، رجع اليها واقتبس منها، وإلا سقط العرض. فإذا أثبتنا ذلك وثبتنا تأريخ نظم هذا الشعر، أمكنت المقابلة عندئذ بين شعر أمية وما جاء في معناه وفي موضوعه من ايات نزلت ببن ابتداء نزول الوحي علىالرسول وبين السنة التاسعة، أما الآيات التي نزلت بعد هذه السنة، فلا تكون شاهداً على أخذ أميّة منها: لأنه كان قد توفي في السنة التاسعة، فلا يقع هذا الافتراض.

ولكن من في استطاعته تثبيت تواريخ شعر أمية وتعيينه، وتعيين أوقات نظمه ? إن في استطاعتنا تعيين بعضه من مثل الشعر الذي قاله في مدح عبدالله بن جُدعان أو معركة بدر. ولكننا لا نستطيع أن نفعل ذلك بالغالبية منه، وهي غالبية لم يتطرق الرواة إلى ذكر المناسبات التي قيلت فيها. ثم إن بعض هذا الكثير مدسوس عليه، مروي لغيره، وبعضه إسلامي، فيه مصطلحات لم تعرف إلاّ في الإسلام.، فليس من الممكن الحكم على آراء أمية الممثلة في شعره هذا بهذه الطريقة. ثم إن أحداً من الرواة لم يذكر ان امية كان ينتحل معاني القرآن الكرم، وبنسبها إلى نفسه. ولو كان قد فعل، لما سكت المسلمون عن ذلك، ولكان الرسول أول الفاضحين له.


 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق