1441
( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي
الفصل الخامس والسبعون
الحنفاء
غير ان القرآن الكريم قد نص نصاً صريحاً على ان الحنفاء لم يكونوا يهوداً ولا نصارى، وانهم ينتمون في عقيدتهم إلى ابراهيم. ثم إن الأخباريين وإن أدخلوا في الأحناف أناساً نصوا على انهم كانوا نصارى، إلا انهم نصوا في الوقت نفسه نصاً صريحاً على ان -البقية الباقية، كانت واقفة،لم تدخل في يهودية ولا نصرانية، إذ وجدت في كل ديانة من الديانتين أموراً جعلتها تتريث،فلم تدخل في احداهما، وبقيت مخلصة لسنةّ ابراهيم، لذلك فلا يمكن اعتبار الأحناف نصارى خلصاً، أو شيعة من الشيع النصرانية.
وقد كان من الحنفاء.نفر من النصارى، أخلصوا نصرانيتهم وماتوا عليها. فهؤلاء هم نصارى من غير شك، ويجب اخراجهم من طائفة الحنفاء، وادخالهم في النصارى، مثل "بحيرا" الراهب، وأمثاله ممن سأتحدث عنهم فيما بعد.
ويلاحظ أن جميع من حشرهم أهل الأخبار في الحنيفية، كانوا من القارئين الكاتبين. وكانوا يشترون الكتب ويراجعونها ويّتسقطون أخبار أهل الآراء والمذاهب والديانات. ولبعض منهم - كما يروي أهل الأخبار - علم باللغات الأعجمية مثل السريانية والعبرانية، كما كان لهم علم ووقوف على تيارات الفكر في ذلك الوقت. وقد أضافوا إلى علمهم الذي أخذوه من الكتب، علماً حصلوا عليه من أسفارهم إلى الخارج مثل العراق وبلاد.الشام. ومن اتصالهم بالرهبان وبرجال الكنائس واليهود. فهم بالنسبة لذلك الوقت الطبقة المثقفة من الجاهلين نادت بالاصلاح وبرفع مستوى العقل وبنبذ الأساطير والخرافات وبتحرير العقل "من سيطرة العادات والتقاليد فيه، وذلك بالدراسات والتأمل وبقراءة الكتب وبالرجوع إلى دين الفطرة، الذي لا يقر عبادة الشرك ولا عبادة الناس.
لذلك نستطيع أن نقول عن هؤلاء إنهم كانوا اناساً من النوع الذي نطلق عليهم كلمة "مصلحين" في الوقت الحاضر. من هذا الطراز الذي يريد اصلاح الأوضاع ورفع مستوى العقل. فهم جماعة ضد الأوضاع الاجتماعية السائدة في أيامهم. لأنها في نظرهم أوضاع مؤخرة تمنع الإنسان من التقدم ومن ادراك الواقع. وقد رأت أن العقل لا يقر التقرب إلى أحجار والى التبرك بها والذبح لها، لأنها حجارة لا تعي ولا تفهم وليس في إِمكانها أن تسمع أو تجيب لذلك نفرت منها. ومنهم من آمن بدين كالنصرانية، ولكنه لم يكن على نصرانية قومه، لأن عقله لا يقر التقرب إلى المادة مثل الصليب والصور والتماثيل، ومنهم من ابعدته مثل هذه العبادة عن النصرانية، فصيرته حائراً في أمره من الديانات، يعتقد بإلَه، ولكنه لم يستقر على دين. عائب على قومه من المشركين ما هم عليه من جهل ومن عبادة أحجار ومن كل تقرب اليها.وقد ذكر أهل الأخبار أسماء نفر ذكروا انهم كرهوا عبادة الأوثان وسخفوا أحلام المتعبدين لها، إذ وجدوا ان من الحمق التقرب إلى حجر لا يضر ولا ينفع، وهو جماد، فلما سمع بعضهم بالإسلام أسلموا. ولكنهم لم يدخلوهم في عداد الأحناف. وقد رأينا ان من أهل الأخيار من جعل "مسيلمة" يدعو إلى عبادة "الرحمن" قبل مبعث النبي. وقد ذكروا ان "عمرو بن عبسة بن عامر بن خالد السلمي، كان قد رغب عن آلهة قومه في الجاهلية، رأى انها باطلة، وان الناس في ضلال إذ يعبدون الحجارة، والحجارة لا تضر ولا تنفع، فكان حائراً، حتى اهتدى إلى الإسلام.
وليس في أيدينا اليوم مورد يفيد بوجود تكتل وتنظيم لمن أطلق الأخباريون عليهم لفظة: "الحنفاء"، تكتل وتنظيم مظاهر خارجية وداخلية يميزهم عن غيرهم من أهل الأديان. لذلك، فنحن لا نستطيع أن نقول إن الحنيفية كانت فرقة تتبع ديناً بالمعنى المفهوم من الدين، كدين اليهودية أو النصرانية، لها أحكام وشريعة تستمد أحكامها من كتبُ منزلة مقدسة ومن وحي نزل من السماء، على نحو ما نفهمه من الأديان السماوية. لذلك، فانا لا أستطيع إقرار رأي من ذهب إلى انهم كانوا جماعة دينية منظمة، كرأي المستشرق "شبرنكر"، الذي ذهب إلى هذا المذهب.
وجلً هؤلاء الآحناف، هم من أسر معروفة، وبيوت يظهر أنها كانت مرفهة أو فوق ستوى الوسط بالنسبة إلى تلك الأيام، ولهذا صار في امكانهم الحصول على ثقافة. وعلى شراء الكتب، وقد كانت غالية الثمن إذ ذاك، لنيل العلم منها. كما صار في امكانهم الطواف في خارج جزيرة العرب لأمتصاص المعرفة من البلاد المتقدمة بالنسبة إلى تلك الأوقات، مثل العراق وبلاد الشام. وقد اتصلوا كما يزعم أهل الأخبار فعلاً برجال العلم والدين فيها، وتحادثوا معهم وأخذوا الرأي منهم. ومن يدري فلعلهم قرأوا عليهم الكتب وفي جملتها كتب اليونان، أو ترجمات كتبهم بالسريانية، فحصلوا نتيجة لذلك على علم بمقالات اليونان وبآرائهم في الفلسفة والدين والحياة. وقد تكون بعض الاراء المنسوبة اليهم، والتي ترجع إلى أصل يوناني، قد قالوها من أخذهم لها من تلك الكتب ومن دراستهم على من اتصلوا بهم من العلماء في أثناء وجودهم في العراق وفي بلاد الشام.
يتبع
( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق