إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

السبت، 23 يناير 2016

1440 ( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي الفصل الخامس والسبعون الحنفاء


1440

( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي
   
الفصل الخامس والسبعون

الحنفاء

وقد ذهب بعض المستشرقين إلى ان اللفظة من أصل عبراني، هو: "تحينوت" tchinoth، أو من "حنف" Hnet، ومعناه التحنث في العربية، وذلك لما لهذه اللفظة من صلة بالزهد والزهّاد. وقال "نولدكه" انها من أصل عربي هو "تحنف"، على وزن تبرر، وهي من الكلمات التي لها معانً دينية. ويلاحظ ان السريان يطلقون لفظة "حنفه" " Hanfaعلى الصابئة. وقد وردت لفظة "حنف" في النصوص العربية الجنوبية، وردت بمعنى "صبأ"، أي مال وتأثر بشيء ما. أي بالمعنى الذي فهمه علماء اللغة. فاللفظة اذن من الألفاظ المعروفة أيضاً عند العرب الجنوبيين.

عندي أن لفظة "حنيف"، هي في الأصل بمعنى "صابئ" أي خارج عن ملة قوم، تارك لعبادتهم. ويؤيد رأيي هذا ما ذهب اليه علم اللغة، من أنها من الميل عن الشيء وتركه، ومن ورودها بهذا المعنى في النصوص العربية الجنوبية. وبمعنى "الملحد"، و "المنافق"، و "الكافر" في لغة بني إرم، ومن اطلاق "المسعودي" و "ابن العبري" لهذه اللفظة على "الصابئة". ومن ذهاب "المسعودي" إلى أن اللفظة من الألفاظ السريانية المعربة. وقد اطلقت على "المنشقين" على عبادة قومهم الخارجين عليها، كما أطلق أهل مكة على النبي وعلى أتباعه "الصابئ" و "الصباة"، فصارت علماً على من تنكر لعبادة قومه، وخرج على الأصنام. ولهذا نجد الإسلام يطلقها في بادئ الأمر على نابذي عبادة الأصنام، وهم الذين دعاهم بأنهم على "دين ابراهيم". ولما كان التنكر للاصنام هو عقيدة الإسلام لذلك صارت مدحاً لمن أطلق الجاهليون عليهم تلك اللفظة لا ذماً.

وليست الصورة التي رسمها المفسرون وأهل الأخبار عن عقيدة الحنفاء واضحة،فهي صورة غامضة مطموسة في كثير من النواحي، تخص الناحية الخلقية أكثر مما تخص الناحية الدينية. فليس فيها شيء عن عقيدتهم في الله، وكيفية تصورهم وعبادتهم له، وليس فيها شيء عن كتاب كانوا يتبعونه أو كتب كانوا يسيرون عليها. نعم، إن نفراً منهم كما ذكر الرواة كانوا قد قرأوا الكتب ووقفوا عليها، ولكن ما تلك الكتب التي قرأوها، وما أسماؤها. وهل هي التوراة والانجيل ? ولكن أي توراة وإنجيل ? التوراة والانجيل التي كانت بين أيدي الناس أو غيرها ? فالذي يفهم من كلام الرواة أن الحنفاء كانوا يرون تحريفاً في الكتابين، وأن هناك تبايناً قليلاً أو كثيراً بين الأصل الذي أوحاه الله وبين الذي كان بأيدي الناس، وأنهم لذلك مالوا عن اليهودية والنصرانية إلى دين ابراهيم الحنيف، فقرأوا كتبه وتعبدوا بعبادة ابراهيم. ولكن ما هي كتب ابراهيم وما هي عبادته وليس في امكاننا في الوقت الحاضر وضع حد صريح واضح لمفهوم الأحناف و "الدين الحنيف" عند الجاهليين، لما ذكرته من عدم وجود موارد واضحة صريحة عن الأحناف، ولعدم ورود أي شيء عنهم في نصوص جاهلية، ولأن في آلكثير من الذي يذكروه المفسرون وأهل الأخبار عنهم غموض وإبهام أو صنعة وتكلف، لذلك فليس أمامنا سوى الانصراف إلى البحث عن جمع كل ما ورد عن الحنيفية في الشعر وفي النثر وتنقيته وغربلته لاستخراج الماسة الصافية منه التي تفيدنا في الوقوف على تلك الحركة الدينية التي.كانت بارزة عند ألمذكورين قبيل ظهور الإسلام. والوقوف عليها يفيدنا كثيراً ولا شك في فهم الإسلام الذي أثنى على الحنيفية وأرجعها إلى ديانة ابراهيم، وفي فهم اتجاهات الأحناف ودعوتهم التي وجهوها إلى قومهم في نبذ عبادة الأصنام والأحجار والمعبودات المادية الأخرى، والالتجاء إلى عبادة إلهَ أعلى لا يشبه المادة، هو إله واحد لطيف خبير. والحنفاء، كما يفهم من روايات أهل الأخبار، كانوا طرازاً من النسّاك، نسكوا في الحياة الدنيا، وانصرفوا إلى التعبد للالهَ الواحد الأحد إلَه ابراهيم واسماعيل،ساحوا في البلاد على نحو ما يفعله الحجاج الزهاد بحثاً عن الدين الصحيح دين ابراهيم، فوصل زيد بن عمرو بن نفيل إلى الشام والبلقاء ووقف على اليهودية والنصرانية، فلم يرَ في الديانتين ما يريد. و منهم من أخذ على قومه هدايتهم بحثّهم على ترك عبادة الأصنام، لذلك لاقوا منهم غشاً ونصباً شديداً. ومنهم من كان يتأمل في هذا الكون،لذلك تجنب الناس واعتزلهم، والتجأ إلى الكهوف والمغاور البعيدة ابتعاداً عن الناس للتأمل والتفكر، وقد تجنبوا الخمرة والأعمال المنكرة، وقول للفحش، وساروا على مثل الإسلام، وان عاشوا قبل الإسلام، لأن الإسلام دين ابراهيم.

والذي يفهم من القرآن الكريم، هو ان الحنفاء هم أولئك الذين رفضوا عبادة الأصنام، فلم يكونوا من المشركين، بل كانوا يدينون بالتوحيد الخالص، وهو فوق توحيد اليهود والنصارى، فلم يكونوا يهوداً ولا نصارى، و )وما كان ابراهيم يهودياً ولا نصرانياً، ولكن كان حنيفاً مسلماً، وما كان من المشركين(، وان قدوتهم في ذلك ابراهيم. ويلاحظ ان لفظة "مسلم" استعملت في مرادف ومعنى لفظة "الحنيف"، وان ابراهيم هو أبو وأول المسلمين. وقد وصف الإسلام بأنه دين الله الحنيف، والدين الحنيف، وان الشريعة الإسلامية،هي الحنيفية السمحة السهلة، وذلك تميزاً لها عن الرهبانية المتعصبة.

وقد عدّ بعض المستشرقّين الحنفاء شيعة من شيع النصرانية، وعدّوهم نصارى عرباً زهاداً كيفّوا النصرانية بعض التكييف بهم وخلطوا فيها بعض تعاليم من غيرها.

وقد استدلوا على ذلك بما ورد من تنصر بعضهم وبورد في بعض الأشعار الجاهلية من مواضع يفهم منها على تفسيرهم ان المراد بهم شيعة من شيع النصرانية.


 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق