إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

السبت، 23 يناير 2016

1402 ( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي الفصل الثاني والسبعون الحج والعمرة الإفاضة


1402

( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي
       
الفصل الثاني والسبعون

الحج والعمرة

الإفاضة

وذكر "الجاحظ" أن اسم "أبي سيّارة" "عميلة بن أعزل"، دفع بأهل الموسم أربعين عاماً، ولم يكن عيرع عيراً وإنما كان أتاناً، ولا يعرفون حماراً وحشياً عاش وعمّر أطول من عير "أبي سيارة" وورد أن الذين كان لهم أمر الإجازة بالحجاج،وهي الإفاضة، هم "صوفة". وهم حيً من مضر من نسل "الغوث بن مر بن اد بن طابخة بن الياس بن مضر"، وقد سمّوا "صوفة" و "آ ل صوفة"، لأن "الغوث" أبوهم جعلت أمه في رأسه صوفة وجعلته ربيطاً للكعبة يخدمها. وكانوا يخدمون الكعبة ويجيزون الحاج، أي يفيضون بهم، فيكونون أول من يدفع. وكان أحدهم يقوم فيقول: أجيزي صوفة، فإذا أجازت، قال: أجيزي خندف، فإذا أجازت أذن للناس كلهم في الإجازة. وكانت الاجازة بالحج اليهم في الجاهلية. وكانت العرب إذا حجت وحضرت عرفة لا تدفع منها حى تدفع بها صوفة، وكذلك لا ينفرون من "منى" حتى تنفر "صوفة"، فإذا أبطأت بهم، قالوا: أجيزي صوفة. وورد أن "صوفة" قوم من "بني سعد بن زيد مناة" من تميم.

ويفهم من رواية أن كلمة "صوفة" لم تكن اسم علم، وإنما هي لفظة أطلقت على من كان يتولى البيت أو قام بشي، من خدمته، أو بشئ من أمر المناسك. فهم من رجال الدين، تخصصوا بالإجازة بالناس في مواسم الحج. ولعلهم كانوا يضعون على رأسهم صوفة على هيأة عمامة أو عصابة، أو عطر، لتكون علامة على أنهم من أهل بيت دين وشرف. فعرفوا ب "صوفة" وب "آل صوفة" وب "صوفان". وفي ذلك قال "مرة بن خليف الفهمي"، وهو شاعر جاهلي قديم: إذا ما أجازت صوفة النقب من منى  ولاح قتار فوقـه سـفـع الـدم

و "يظهر" من الروايات الواردة عن "ثبير"، أنه كان من المواضع المقدسة عند الجاهليين،أو أن على قمته صنماً أو ببتاً كانوا يصعدون اليه لزيارته وللتبرك به. ومن الشعائر المتعلقة بمنى نحر الذبائح، وهي الأضحية في الإسلام و "العتائر"في الجاهلية. ولذلك عرف هذا العيد: عيد الحج ب "عيد الأضحى". وعرف اليوم الذي تضحى به الأضحية ب "يوم النحر" وب "الأضحى" وب "يوم الأضحى". وكانوا ينحرونها على الأنصاب وعلى مقربة من الأصنام، فتوزع على الحاضرين ليأكلوها جماعة أو تعطى للافراد. وقد تترك لكواسر الجو وضواري البر فلا "يصد عنها انسان ولا سبع". وتبلغ ذروة الحج عند تقديم العتائر، لأنها أسمى مظاهر العبادة في الأديان القديمة.

وكان إلجاهليون يقلدون هديهم بقلادة، أو بنعلين، يعلقان على رقبتي الهدي، اشعاراً للناس باْن الحيوان هو هدي، فلا يجوز الاعتداء عليه،كما كانوا يشعرونه. والإشعار الإعلام. وهو ان يشق جلد البدنة أو يطعن في اسنمها في أحد الجانبين بمبضع أو نحوه، وقيل في سنامها الأيمن حتى يظهر الدم ويعرف انها هدي. والشعيرة البدنة المهداة.

وكان بعض أهل الجاهلية، يسلخون جلود الهدي، ليأخذوها معهم. ويتفق هذا مع لفظة "تشريق" التي تعني تقديد اللحم. ومنه سميت ايام التشريق، وهي ثلاثة أيام بعد يوم النحر، لأن لحوم الأضاحي تشرق فيها، أي تشرّر في الشمس. وقيل سمي التشريق تشريقاً، لأن الهدي لا ينحر حتى تشرق الشمس. ويظهر ان الجاهليين كانوا ينحرون قبيل شروق الشمس وعند شروقها، بدليل ما ورد في الحديث من النهي عن ذلك. ومن حديث: من ذبح قبل التشريق فليعد. أي قبل أن يصلي صلاة العيد، وهو من شروق الشمس واشراقها، لأن ذلك من وقتهاْ.

ولا يحل للحجاج في الجاهلية حلق شعورهم أو تقصيرها طيلة حجهم، وإلاّ بطل حجتهم. ويلاحظ أن غير العرب من الساميين كانوا لا يسمحون بقص الشعر في مثل هذه المناسبات الدينية أيضاً، لما للشعر من أهمية خاصة في الطقوس الدينية عندهم، ولا سيما اللحية لما لها من علاقة بالدين. ولهذا نجد رجال الدين والزهاد والأتقياء. الورعين يحافظون عليها ويعتيرونها مظهراً من مظاهر التدين.

وقد كانت القبائل لا تحلق شعورها في مواسم حجها إلا عند أصنامها، فكان الأوس إذا حجوا وقفوا مع الناس المواقف كلها ولا يحلقون رؤوسهم، فإذا نفروا أتوا صنمهم مناة فحلقوا رؤوسهم عنده، وأقاموا لا يرون لحجّهم تماماً إلا بذلك. وكانت قضاعة ولخم وجذام تحج للاقيصر وتحلق عنده.

وكان من عادة بعض القبائل، مثل بعض قبائل اليمن، القاء قرة من دقيق مع الشعر. وذلك أن أهل اليمن كانوا إذا حلقوا رؤوسهم بمنى وضع كل رجل على رأسه قبضة دقيق، فإذا حلقوا رؤوسهم سقط الشعر مع ذلك الدقيق،ويجعلون ذلك الدقيق صدقة، فكان ناس من أسد وقيس يأخذون ذلك الشعر بدقيقه، فيرمون بالشعر وينتفعون بالدقيق. وفي ذلك يقول معاوبة بن أبي معاوية الجرمي: ألم ترَ جرماً أنـجـدت وأبـوكـم  مع الشعر في قص الملبد شـارع

إذا قرة جاءت تقول أصـب بـهـا  سوى القمل إني من هوازن ضارع

 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق