1401
( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي
الفصل الثاني والسبعون
الحج والعمرة
الإفاضة
ومن "عرفة" تكون الإفاضة إلى "إلمزدلفة". و "المزَ دلفة"، موضع يكاد يكون على منتصف الطربق بين "عرفة" و "منى". وفيه يمضي الحجاج ليلتهم، ليلة العاشر من "ذي إلحجة". ومنه تكون الإفاضة عند الشروق إلى "منى". وقد نعت ب "المشعر الحرام" في القرآن الكريم. ويذكر أهل الأخبار ان "قصي بن كلاب"، كان قد أوقد ناراً على "المزدلفة" حتى يراها من دفع من عرفة، وان العرب سارت على سنته هذه. وبقيت توقدها حتى في الإسلام. ولا بد وان يكون من المواضع الجاهلية المقدسة كذلك، التي كَان لها صلة با الأصنام. وقد ذكر علماء اللغة اسم جبل بالمزدلفة دعوه "قزحاً"، قالوا انه "هو القرن الذي يقف عنده الإمام"، وذكروا ان "قزح" اسم شيطان. ونحن نعرف اسم صنم يقال له "قزاح"، قد تكون له صلة بهذا الموضع.
ويفيض الحجاج في الجاهلية عند طلوع شمس اليوم العاشر من ذي الحجة من "المزدلفة" إلى "منى"، لرمي الجمرات ولنحر الأضحية. و"منى" موضع لا يبعد كثيراً عن مكة. ولعلماء اللغة آراء في سبب التسمية، من جملتها انها عرفت بذلك لما يمنى بها من الدماءْ.وذكر بعض أهل الأخبار ان "عمرو بن لحي" نصب بمنى سبعة أصنام، نصب على "القرين" القرن الذي بين مسجد منى والجمرة الأولى صنماً، ونصب على الجمرة الأولى صنماً، وعلى الجمرة الوسطى صنمأً، وعلى شفير الوادي صنماً. ولا بد أن يكون لهذا الموضوع صلة بالأصنام، نظراً لما له من علاقة متينة بمناسك الحج. وقد يكون لرمي الجمرات ولنحر الذبائح صلة بتلك الأصنام.
وقد ذكر العلماء "أن المشركين كانوا لا يفيضون حتى تطلع الشمس،ويقولون: أشرق ثبير"، وأن النبي خالفهم، فأفاض حين أسفر قبل طلوع الشمس". وفي فعل المشركين ذلك، ووقوفهم انتظاراَ للافاضة عند طلوع الشمس، دلالة على عبادة الشمس عندهم، ولهذا غيرَّ الرسول هذا الوقت.
و "رمي الجمرات" بمنى من مناسك الحج وشعائره. وهو من شعائر الحج كذلك المعروفة في المحجات الأخرى من جزيرة العرب. كما كان معروفاً عند غير العرب أيضاً. وقد أشر اليه في التوراة. وهو معروف عند "بني إرم". وكلمة "رجم" من الكلمات السامية القديمة. وقد وردت في حديث "عبد الله ابن "مغفل": لا ترجموا قبري، أي لا تجعلوا عليه الرجم، وهي الحجارة، على طريقة أهل الجاهلية، ولا تجعلوه مسنمّاً مرتفعاًْ. وقد فعله أهل الجاهلية على سبيل، التقدير والتعظيم. فكان أحدهم إذا مرّ بقبر، وأراد تقدير صاحبه وتعظيمه وضع رجمة أو رجاماً عليه.
" والجمرات"، أي مواضع "رمي الجمرات" عديدة عند الجاهليين، يطاف حولها " ويحج اليها منها مواضع أصنام، وأماكن مقدسة، ومنها قبور أجداد. وقد ورد قسم بها في بيت ينسب إلى شاعر جاهلي. وترمى الجمرات على مكَان عرف ب "جمرة العقبة" وب "الجمار" وب "موضع الجمار" وهو ب" منى"، وتتجمع وتتكوم عنده الحصى. وهي جمرات ثلاث: الجمرة الأولى، والجمرة الوسطى، وجمرة العقبة.
ويرجع أهل الأخبار مبدأ رمي الجمرات إلى "عمرو بن لحي".يذكرون انه جاء بسبعة أصنام فنصبها ب "متى"، عند مواضع الحجرات، وعلى شفير الوادي، ومواضع أخرى، وقسم عليها حصى الجمار، احدى وعشرين حصاة، يرمي كل منها بثلاث جمرات، ويقال للوثن حين يرمى: أنت أكبر من فلان الصنم الذي يرمى قبله.
وكانت إفاضة الجاهليين على هذا النحو: كان أمر الإفاضة بيد رجل من أسرة تناوبت هذا العمل أباً عن جد. وقد اشتهر منهم رجل عرف ب "عميلة ابن خالد العدواني"، واشتهر بين الناس ب "أبي سيارة". كان يجيز الناس من المزدلفة إلى منى أربعين سنة. يركب حماراَ أسود، وينظر الى أعالي جبل "ثبير"، فإذا شاهد عليها أشعة الشمس الأولى نادى: أشرق ثبير،كيما نغير ! ثم يجيز لهم بالإفاضة وفيه يقول الشاعر: خلّوا الطريق عن أبي سياّره وعن مواليه بني فزاره
حتى يجيز سالماً حمـاره مستقبل القبلة يدعو جاره
فقد أجار اللّه من أجاره وضرب به المثل، فقيل: أصح من عير أبي سّيارة.
يتبع
( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق