1400
( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي
الفصل الثاني والسبعون
الحج والعمرة
التلبية
وكان أهلّ مكة يتبركون بلمس الحجر الأسود، ثم يسعون بين الصفا والمروة. ويطوفون بإساف أولاً ويلمسونه، كل شوط من الطواف ثم ينتهون بنائلة. ويلبّون لهما: وكانت تلبيتهم لهما: " لبيك اللهم لبيك، لا شريك لك، إلا شريك هو لك، تملكه و ما ملك". وذكر أن "الأنصار"، لما قدموا مع النبي في الحج، كرهوا الطواف بين الصفا والمروة لأنهما كانا من مشاعر قريش في الجاهلية، وأرادوا تركه في الإسلام. وذكر أن قوماً من المسلمين قالوا: يا رسول الله لا نطوف بين الصفا والمروة، فإنه شرك كنّا نصنعه في الجاهلية. فكان أهل الجاهلية إذا طافوا بين الصفا والمروة مسحوا الوثنيين، فلما جاء الإسلام وكسرت الاصنام، كره المسلمون الطواف بينهما لأجل الصنمين، فأنزل الله: )إن الصفا والمروة من شعائر الله (. ويتبين من غربلة الأخبار أن الذين كانوا يطوفون بالصنمين المذكورين ويسعون بينهما. هم من عبّاد الصنمين وهم قريش خاصة، وليس كل من كان يحج إلى مكة من العرب، ولذلك كرهوا الطواف في الإسلام بالصفا والمروة. وقد استبدل الإسلام بالطواف السعي، لهدم الصنمين اللذين كان الناس يطوفون حولهما واكتفى بالسعي بين الموضعين.
وذكر بعض العلماء أن العرب عامة كانوا لا يرون الصفا والمروة من الشعائر ولا يطوفون بينهما فأنزل الله: ) إن الصفا والمروة من شعائر الله(، أي لا تستحلون ترك ذلك. وذكر أن الأنصار كانوا يهلون لمناة في الجاهلية، فلما جاء الإسلام قالوا: يا نبي الله إنا كنا لا نطوف بين الصفا والمروة تعظيماً لمناة، فهل علينا من حرج أن نطوف بهما، فأنزل الله الآية المذكورة. وكان أهل "تهامة" ممن لا يطوفون أيضاً بين الصفا والمروة، فلما جاء الإسلام ونزل الأمر بالطواف بالبيت، ولم ينزل بالطواف بين الصفا والمروة، قيل للنبي.: انا كنا نطوف في الجاهلبة بين الصفا والمروة وان الله قد ذكر الطواف بالبيت ولم يذكر الطواف بين الصفا والمروة فهل علينا من جناح أن لا نطوف بهما. فنزل الوحي: ) ان الصفا والمروة من شعائر الله (، فصار الطواف بين الصفا والمروة لجميع الحجاج، لا كما كان في عهد الجاهلية. من اقتصاره على قريش وبعض العرب المتأثرين بهم. فكانوا يطوفون بهما ويمسحون بالوثنين إساف ونائلة، فما جاء الإسلام تحرج يعض الناس وفيهم قوم من قريش من الطواف بينهما لأنهما من شعائر الجاهلية، فنزل الأمر به.
وذكر أهل الأخبار ان السعي ببن الصفا والمروة،شعار قديم من عهد هاجر أم اسماعيل. وأما رمل الطواف، فهو الذي أمر به النبي، أصحابه في عمرة القضاء ليرُي المشركين قوتهم، حيث قالوا: وهنتهم حمى يثرب.
وورد في خبر عن "عائشة" انها قالت: " إن الأنصار كانوا يهلّون في الجاهلية لصنمين على شط البحر، يقال لهما: إساف ونائلة، ثم يجيئون،فيطوفون بين الصفا والمروة ثم يحلقون، فلما جاء الإسلام، كرهوا ان يطوفوا بينهما للذي كانوا يصنعون في الجاهلية، فأنزل الله عز وجل: إن الصفا والمروة من شعائر الله إلى آخرها. قالت: فطافوا ". وهو خبر يناقض أخباراً أخرى يتصل سندها ب "عانشة"، تجمع على انها قالت: إن الأنصار أو الأنصار وغسان كانوا قبل ان يسلموا يصلّون لمناة، فلا يحل لهم ان يطوّفوا بن الصفا والمروة، وكان ذلك سنة في آبائهم من أحرم لمناة لم يطف بين الصفا والمروة، ولم أجد في خبر آخر شيئاً يفيد أن إسافاً ونائلة كانا على ساحل البحر.
و "السعي" في الإسلام سبعة أشواط، تبدأ بالصفا، وتختتم بالمروة. وعندما يصل الحاج حد "السعي" يسعى ويهرول، فإذا جاز الحد مشى. وكان الجاهليون يبدأون ب "الصفا" وينتهون ب "المروة." كذلك.
ومن مناسك حج أهل الجاهلية الوقوف ب "عرفة"، ويكون ذلك في التاسع من ذي الحجة ويسمى "يوم عرفة". ومن "عرفة" تكون "الإجازة" للافاضة إلى "المزدلفة". ومن "المزدلفة" إلى "منى". وقد كان الجاهليون من غير قريش يفيضون في عرفة عند غروب الشمس، وأما في المزدلفة فعند شروقها. وكان الذي يتولى الإجازة رجلاً من تميم يقال له "صوفة "، ثم انتقلت إلى "صفوان" من تميم كذلك. ولم يكن "الحمس" يحضرون عرفة، وإنما يقفون بالمزدلفة، وكان سائر الناس يقف بعرفة. ولما رأى أحد الصحابة رسول الله واقفاً بعرفة عجب من شأنه وأنكر منه ما رأى لأنه من الحمس، وما كان يظن أنه يخالف قومه في ذلك، فيساوي نفسه بسائر الناس. فأنزل الله: ) ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس، واستغفروا الله إن اللّه غفور رحيم (، فشمل ذلك الحمس وغيرهم. فاًخذوا يقفون كلهم موقف عرفة، ووضع عن قريش ما فعلوه من تمييز أنفسهم عن الناس.
وورد في روايات أخرى، أن قريشاً وكل حليف لهم وبني أخت لهم، لا يفيضون من عرفات، إنما يفيضون من المغمس، وورد أن قريشاً وكل ابن أخت وحليف لهم، لا يفيضون مع الناس من عرفات، يقفون في الحرم ولا يخرجون منه. يقولون: إنما نحن أهل حرم الله، فلا نخرج من حرمه، وأنهم -قالوا "نحن بنو ابراهيم وأهل الحرمة وولاة البيت، وقاطنوا مكة وساكنوها، فليس، لأحد من العرب مثل حقنا، ولا مثل منزلنا، ولا تعرف له العرب مثل ما نعرف لنا، فلا تعظموا شيئاً من الحل، كما تعظمون الحرم. فإنكم إن فعلتم ذلك استخفت العرب بحرمكم، وقالوا: قد عظموا. من الحل مثل ما عظموا من الحرم فتركوا الوقوف على عرفة والافاضة منها ".
وذكر أن قريشاً ومن دان بدينها تفيض من "جمع" من المشعر الحرام. و "جمع" المزدلفة.
و "عرفة" أو "عرفات" موضع على مسافة غير بعيدة عن مكة. لابد وان يكون من المواضع التي كان يقدسها أهل الجاهلية، وان يكون له ارتباط بصنم من الأصنام، وإلا لما صار جزءاً من أجزاء مناسك الحج وشعائره عند الجاهليين. ويقف الحجاج موقف عرفة من الظهر إلى وقت الغروب. وقد يكون لموقف الجاهليين في عرفة وقت الغروب علاقة بعبادة الشمس. فإذا غربت الشمس اتجه الحجاج إلى "المزدلفة".
يتبع
( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق