992
( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي
الفصل الثاني والخمسون
الدولة
حكم سادات القبائل
وحكم سيد القبيلة حكماً يتوقف على شخصيته ومكانته، فإذا كان السيد قويا حازماً مهيباً رفع مكانة القبيلة، وصيرّ لها منزلة بين القبائل، وقد يفرض ارادتها على القبائل الأخرى. أما إذا كان ضعيفاً فاتر الهمة بارداً بليداً، طمع فيه الطامعون، وقد يكون سبباً في تشتت كلمة القبيلة وفي تجزئتها وهبوط مكانتها بين القبائل. فالرئيس هو الذي يخلق القبيلة ويعز مكانتها، وهذا هو سر ظهور قبائل كبيرة بصورة مفاجئة، ثم اختفاء أمرها وهبوط منزلتها بعد أمد. وسر ذلك ان الذي يرفع من شأن القبائل أو يخفض من منزلتها هو "سيد القبيلة"،فهو روحها، وهو الذي يمنحها إكسير الحياة.
وليس حكم سيد القبيلة، حكماً مطلقاً، لا مشورة فيه ولا أخذ رأي، بل الحكم في القبائل حكماً مستمداً من رأي وجهاء القبائل وعقلائها وفرسانها وألسنتها المتبينة، فهو حكم "ملأ القبيلة". وقد يكون بيت رئيس القبيلة، هو مجلسها وموضع حكمها. وإذا حدث حادث اجتمع عقلاء القوم في مجلس الرئيس وتباحثوا في الأمر. ويقال لمجلس القبيلة "عهرو" "ع ه ر و" في اللهجة القتبانية، يعقد للنظر فيما يقع للقبيلة من أمر جليل، مثل فرض ضرائب أو زيادتها، أو إعلان حرب، أو ما شاكل ذلك من أمور.
ونجد مثل هذه المجالس عند جميع القبائل. فإذا حدث للقبيلة حادث، تجمع سادتها للتباحث في الأمر، ولاتخاذ ما يرون اتخاذه من رأي. ولما كانت القبيلة منتشرة لا تستقر في واحد، صارت مضارب سادات الأحياء اندية تلك الأحياء، يجتمع فيها وجوه المضرب للسمر وللبت فيما قد يقع بين الحيّ من خلاف. وبهذه الطريقة يفصل في الخصومات وفي كل ما يحدث للحي من أمر.
ويروي أهل الأخبار شعراً زعموا أن "لقيطاً الإيادي"، قاله في كيفية الحكم وسياسة الرعية، فيه هذه الأبيات: فقـــلّـــدوا أمـــركـــم لـــلّـــه دركــــــم رحـب الـذراع بـأمـر الـحـرب مـضـطـــلـــعـــا
لا مـتـرفـــاً إن رخـــاء الـــعـــيش ســـاعـــده ولا إذا عــض مـــكـــروه بـــه خـــشـــعـــا
ما زال يحـــلـــب درّ الـــدهـــر أشـــطـــــره يكـون مـتـبــعـــا ًطـــوراً ومُـــتـــبَّـــعـــا
حتى استمرت على شزر مريرته مستحصد الرأي لاقحما ًو لا ضرعا
يتبع
( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق