إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأحد، 10 يناير 2016

981 ( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي الفصل الثاني والخمسون الدولة مظاهر التتويج


981

( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي
 
الفصل الثاني والخمسون

الدولة

مظاهر التتويج

وكان من عادة الملوك الاعلان عن تتويجهم للناس، والاحتفال بيوم التتويج والإفصاح عنه، وعندئذ يتلقب الملك بلقب يختاره لنفسه، يعرف به "هملقب".

وكان من عادة ملوك حضرموت مثلاً الاحتفال بحمل اللقب في "محفد أنود" "محفد انودم". وقد انتهت الينا جملة كتابات تشير إلى هذا المحفد. وقد اختتمت بكلمة "هملقب" أي "ليتلقب"، واستعملت فيها بعض التعابير والكلمات التي لها صلة بهذه المناسبة، مثل "متلل"، ومعناها "بين" و "شهر" وأظهر، و "علن"، ومعناها أعلن، ليكون ذلك معروفاً بين الناس.

وقد يدعى إلى هذه الاحتفالات رجال من حكومات أخرى، لمشاركة الملك وحكومته في الأفراح والمسرّات، فيأتي رجال من قتبان أو من حضرموت أو من حكومات أخرى أى سبأ مثلاً، لتهنئة ملكها وحكومتها، يحملون اليه الهدايا والألطاف التي تقدم في أمثال هذه المناسبات. ولا يستبعد استدعاء مندوبين من خارج العربية الجنوبية لحضور هذه المناسبات، غير أننا لم نظفر، ويا للأسف، بنص يفيد ورود رسل أجانب أو زيارات ملوك إلى اليمن وبقية العربية الجنوبية لهذه المناسبات، ان لمناسبات أخرى مثل الدعوة إلى زيارة العربية الجنوبية ومشاهدتها في الأعياد أو في سائر الأيام، إلا ما رأيناه في عهد "أبرهة" الحبشي.

وقد حافظ ملوك العربية الجنوبية، على اختلاف حكوماتهم، على عادة اتخاذ الألقاب الملكية حين تولي العرش. فالرجل الذيُ يملك لا بد له من اتخاذ لقب له، يعرف به. وقد بقوا يحافظون على هذه العادة إلى ما بعد الميلاد. ثم أخذوا يتساهلون في حمل هذه الألقاب ولا سيما بعد تدخل الحبش في شؤون العربية الجنوبية ودخول اليهودية والنصرانية اليها. وقد كان فراعنة مصر يتخذون لهم لقباً ملكياَ عند توليهم العرش. وتجد هذه العادة، عادة اتخاذ ألقاب ملكية خاصة، عند ملوك آشور وعند غيرهم من الملوك، ليتميزوا بذلك عن أسماء الناس. ولهذه الألقاب صلة بالألهة التي كانوا يعبدون.

ومعارفنا في "مراسيم التتوييج" مع ذلك ضئيلة جداً، ولا سيما ما يخص العرب الشماليين، فلا نعرف اليوم شيئاً يستحق الذكر عن كيفية التتويج وعن المراسيم والحفلات التي كانت. تقام عندهم في هذه المناسبات. ولم نعثر حتى اليوم على نص جاهلي يصف أسلوب التتويج وكيفية اجراء المراسيم الخاصة بالتتويج عند الجاهليين عامة. فلا ندري أكانت تلك المراسيم تتم في المعابد وبرئاسة رجال الدين كما كانت الحال عند الاشورين وعند غيرهم مثلاً، حيث يقوم رجل الدين الأكبر بإجراء الطقوس الدينية وبتلاوة الصلوات والأدعية، ثم يقوم بعد ذلك بوضع التاج على راْس الملك، وأمام تمثال الإلهَ: "آشور". أم كانت تلك المراسيم تتم في القصور الملكية، ام كانت تجري بسذاجة وبغير تكلف، بأن يأتي، سادات القوم لتهنئة الملك، ثم تقام المآدب.

ويظهر من أخبار أهل الأخبار ان عادة اتخاذ الألقاب الملكية لم تكن معروفة عند ملوك الحيرة والغساسنة وملوك كندة وأمثالهم ممن وعت أسماءهم ذاكرتهم، بدليل ورود أسمائهم ساذجة لا تختلف عن تسميات الناس بشيء ليمس فيها نعوت ولا صلة بالآلهة على نحو ما نجده في العربية الجنوبية عند المعينيين والسبئين والقتبانيين، وغيرهم من حكومات ظهرت هناك.

ولم تصل الينا أخبار في وصف كيفية احتفال ملوك الحيرة أو الغساسنة عند تتويجهم، أو عند وفاة ملوكلهم وكيفية دفنهم، ثم كيفية تنصيب خلفائهم من بعدهم. ولا بد بالطيع من أن تكون تلك الحكومات قد احتفلت في هذه المناسبات،وأن يكون ملوكها قد جلسوا لتقبل التهاني من الهنئين، وأن يكونوا قد أولموا الولائم لكبار الوافدين عليهم. وتجد في أخبار "مكة" أن سادتها مثل "عبد المطلب"، كانوا يقصدون ملوك اليمن عند انتقال العرش اليهم لتهنئتهم ولتقديم التبريكات لهم. ثم يمضون أياماً هناك حتى تنتهي ايام التهنئة، فيغدق الملك عليهم بالألطاف والطرف، لمناسبة عودتهم إلى ديارهم. وتكون هذه الألطاف من دواعي الفخر عندهم.

ولا نعرف شيئاً عن رسوم "البيعة" عند الجاهليين. وأعني بالبيعة كيفية مبايعة الملوك عند انتقال الملك اليهم. ولكن المألوف بين العرب ان كبار الناس يبايعون الملوك، بوضع أيديهم اليمنى على يد الملك اليمنى، ثم يبايعونه على الاخلاص له والسمع والطاعة وما شاكل ذلك من جمل وعبارات. وقد يقسمون له بمين الطاعة والولاء. وقد ورد في بيعة الناس لرسول اللّه يوم فتح مكة،ما قد يشرح لنا اصول بيعة في الحجاز. فقد ذكر ان الناس اجتمعوا، فجلس لهم رسول اللّه على الصفا وعمر بن الخطاب تحت رسول الله، أسفل من مجلسه يأخذ على الناس. فبايعوا رسول اللّه على السمع والطاعة لله ولرسوله فيما استطاعوا، وكذلك كانت بيعتهم لمن بايع رسول الله من الناس على الإسلام. فلما فرغ رسول الله من بيعة الرجال بايع النساء، واجتمع اليه نساء من نساء قريش، وكانوا قد وضعوا إناءً فيه ماء بين يدي رسول اللّه، فإذا أخذ عليهن العهد وأعطينه غمس يده في الإناء، ثم أخرجها، فغمس النساء أيديهن فيه.وكان بعد ذلك يأخذ عليهن، فإذا أعطينه ما شرط عليهن، قال: اذهبن فقد بايعتكن، لا يزيد على ذلك. وتكون هذه البيعة بغيرماء.

وتكون المبايعة مبايعة السادات والأشراف للملك أو لسيد القبيلة. والمبايعة هي المعاقدة والمعاهدة على الطاعة. وبايعه عليه مبايعة عاهده. كأن كل واحد منهما باع ما عنده لصاحبه وأعطاه خالصة نفسه وطاعته ودخيلة أمره. ويبدأ أقرب الناس من الملك بمبايعته ثم الأبعد فالأبعد حسب الوجاهة والمكانة. ولا بد وأن يكون للشعراء والخطباء المكان الأول في "البيعة"، فالبيعة هي من المناسبات ألتي يبحث عنها لسن الناس، لإظهار انفسهم وللحصول على نوال وعطايا المبايعَن، ولا تحدث هذه المناسبات إلا في الفترات، لهذا كانوا يتلهفون لسماع أخبارها، لعرض ما عندهم من فنون القول، ولنيل ما عند الملوك من الكرم والبذل.

وكان ملوك الجاهلية يأخذون الوضائع والودائع من السادات والوجوه، لتكون رهائن عندهم بالوفاء بعهود البيعة، لخشيهمم من خيسهم بعهدهم وتنصلهم منه. وقد فعل "الأكاسرة" مثل ذلك بسادات القبائل، فأخذوا "الوضائع" منهم، وجعلوها رهناً عندهم. وقد عرفت ب "وضائع كسرى". ووضائع كسرى: هم الرهائن كان يرتهنهم وينزلهم بعض بلاده، حتى يصيروا بها وضيعة. وهم الشحن والمسالح. وقد بعث رسول اللّه، إلى وضائع كسرى بهجر، فلم يسلموا، فوضع عليهم الجزية ديناراً على كل رجل منهم. وكانت "وضائع كسرى" من أبناء أشراف العجم، ومن خضع لحكمه من عجم وعرب.


 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق