إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأحد، 10 يناير 2016

973 ( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي الفصل الحادي والخمسون فقر وغنى وأفراح ؤأَتراح ملابس الحزن


973

( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي
    
الفصل الحادي والخمسون

فقر وغنى وأفراح ؤأَتراح

ملابس الحزن

ويلبس أهل الميت وأقرباؤه ملابس الحزن مدة العزاء أو حولاً كاملاّ. واللونان الأبيض والأسود هما اللونان اللذان تتخذ منهما الملابس في الحزن، فقد لبسوا الملابس البيض، ولبسوا الملابس السود، وما زال اللونان شعاريْ الحزن حتى الان. فاللون الأبيض هو شعار الحزن في الحجاز والشام، أما الأسود، فهو شعار الحزن في العراق.

وحداد المرأة على زوجها حداد صعب عسير، عليها في هذه المدة الامتناع عن الزينة والطيب امتناعاً تاما، ويقال لها في هذه الأثناء "الحادة" لأنها حدت على زوجها: وفي خلال الحداد يمتنع الخطاب من خطبتها والطمع فيها حتى تنتهي منه.

ويفهم من بعض رايات الأخباريين أن من عادة الجاهليين حجز المرأة عند وفاة زوجها في بيت صغير، قد يكون خيمة أو بناء يسمونه "الحفش"، لتقضي فيه مدة العدّة. فإذا كانت في هذا البيت، لبست شرّ ثيابها، وامتنعت عن الطيب وعن تزيين نفسها مدة عام. فإذا انتهت المدة افتضت عدّنها "بمس الطيب أو بغيره كقلم الظفر أو نتف الشعر من الوجه أو دلكت جسدها بدابةّ أو طير، ليكون ذلك خروجاً عن العدّة. أو كان من عادتهم أن تمسح قُبلها بطائر، وتنبذه فلا يكاد يعيش.

وتصف رواية أخرى دخول المرأة الحفش وخروجها منه على هذه الصورة: " كانت إذا توفي زوجها دخلت حفشاً ولبست شرّ ثيابها حتى تمرّ بها سنة ثم تؤتى بدابة، شاة أو طير فتفتض بها، فقلمّا تفتض بشيء إِلاّ مات. ثم تخرج فتعطي بعرة ترمى بها...". وجاء: و "كانت لا تغتسل ولا تمس ماء ولا تقلم ظفراً ولا تنتف من وجهها شعراً، ثم تخرج بعد الحول بأقبح منظر. ثم تفتض بطائر تمسح به قبلها وتنبذه فلا يكاد يعيش ".

ومن عادات بعض الجاهليين ضرب القباب على قبور موتاهم أياماً أو أشهرا قد تبلغ عاماً، يقيم فيها نساء الميت أو ذوو قرابته، ليجاوروا الميت، وليستقبلوا فيه من يفد لزيارة القبر. واعتقادهم بإحساس روح الميت بوجودهم هناك وبمجيئهم إلى القبر لمؤانستهم له هو الذى حملهم، ولا شك، على ضرب هذه القباب وعلى مجاراتهم لتلك الأجداث. ومن هذه القباب المؤقتة ظهرت الأضرحة الثابتة ذات القباب السامقة الشامخة، كما أن من المعابد المتنقلة، أي الخيام المقدسة، نشأت المعابد الثابتة عند العبرانيين وعند الجاهليين وعند غيرهم من الشعوب.

ومن عادة الجاهليين إسالة دم الذبائح على القبر أو تضريحه بتلك الدماء. فيعقر على قبور الموتى وعند إهالة التراب على الميت، وقد يعقر على القبر كل عام وفي أثناء المناسبات إذا كان الميت من السادة المشهورين المعروفين يالخصال الحميدة كالشحاعة والكرم. وفي الشعر الجاهلي والأخبار أسماء أناس كانوا من المشاهير في ايامهم، جرت العادة بأن تذبح الذبائح عند قبورهم إكراماً لهم. وقد بقيت هذه العادة الجاهلية خالدة حتى اليوم مع إبطال الإسلام لها بحديث: "لا عقر في الإسلام ". وليس من الضروري أن يكَون أصحاب العقائر من ذوي قرابة صاحب القبر أو من قبيلته. ومن هذه القبور قبر "ربيعة بن مكدم" من "بني فراس بن غنم بن ماللك بن كنانة". وكان الناس يعقرون على قبره. ويظهر من شعر لحسان بن ثابت قاله لما مر بقبره، أن قبره كان قبراً مبنياً بني من حجارة حرة.

والعادة في العقر، عقر قوائم الدابة، وقاء تعقر الدابة ثم تذبح والغالب ان تكون الدابة جملاً أو ناقة، ولبهن بعضهم كان يعقر شاة كذلك، وذلك إذاكان اهل الميت من طبقة ضعيفة، يصعب عليها عقر جمل أو ناقة. وقد ورد النهي عن ذلك في حديث آخر هو: " لا تعقرن شاة أو بعيراً إلا لمأكله".

وقوم كان يحبسون ناقة الرجل وذلك بأن يشدّوا الناقة إلى قبر الرجل، ويعكسو رأسها إلى ذنبها، ويغطو رأسها بولية، وهي البردعة،وتربط برباط وثيق حتى لا تهرب، فإن أفلتت لم ترد عن ماء ولا مرعى، وإذا بقيت على القبر، فإنها تبقى في حفرة لا تعلف فى لا تسقى حتى تموت عطشاً وجوعاً،ويقال لهذه الناقة السيئة الحظ البليةّ. ويزعون انهم انما يفعلون ذلك، ليركبها صاحبها في المعاد، ليحشر عليها فلا يحتاج أن يمشي. قال أبو زبيد: كالبلايا رؤوسها في الولايا  مانحات السمومُ حرّ الخدودْ

ووجدت في قبور الجاهليين أشياء مما يستعمله الإنسان في حياته مما يدل على أنهم كانوا كغيرهم يدفنون مع الموتى ما يشعرون ان الميت قد يحتاج في حياته الأخرى اليه. أما الأعراب فلا نتصور أنهم كانوا يدفنون مع الموتى أشياء ثمينة لفقرهم وبساطة معيشتهم. وقد عثر في مقابر أهل العربية الجنوبية مثل اليمن وحضرموت على حليّ وأحجار نفيسة وأمثال ذلك مما دفنه أهل تلك البلاد مع موتاهم، ليتزبنوا بها في العالم الثاني.

وتؤيد روايات أهل الأخبار عن فتح القبور في الإسلام بحثاً عن الغنى والمال، ما ذكرته من احتمال وجود رأي عند عرب ما قبل الإسلام، بأن الميت سيحتاج إلى هذه الأشياء التي دفنت معه، وأنه سيستفيد منها في عالمه الثاني الذي رحل اليه. ولكني لا أستبعد احتمالاَ اخر، قد يكون أهل الجاهلية قصدوه من دفن الذهب والفضة من حلي أو سبائك أو صفائح مكتوبة مع الميت، هو رغبة أهل الميت في اظهار شعور الود والمحبة نحو ذلك الميت، بدفن تلك النفائس العزيزة معه، لاظهار أنهم لا يبالون بها بعد فقدهم عزيزهم الميت، وأنهم يريدون دفن كنوزه معه، تعففاً عنها وإزدراء بها، وقد ورد في بعض الأخبار أن امرأة ماتت، فدفنوها مع متاعها.

ولصيانة القبر وبقائه على حاله أهميه كبيرة عند الجاهليين، تتجلى في الجمل التي دونوها على شواخص قبورهم، هذه الشواخص التي عثر عليها السياح والباحثون في مواضع متعدة من جزيرة العرب، وهي تطلب إلى الآلهة بأن زنزل الالام والمدراض والعاهات بمن يتجاسر فينقل شاخص القبر من مكانه، أو يكسره ويأخذه ليستعمله، أو ما شاكل ذلك. وجملة "عور لذ عور سفر" أي "عور للذي يعور الشاخص"، أو جملة "وعور دشر وخبل"، أي عمى وجنون "خبل" من الإلهَ "ذو الشرى"، على من يحوّ ر هذا الشاخصم، ويغيره أو يأخذه ويغيره لغرض ما، وأمثالها، هي من العبارات المألوفة التي نقرأها يكثرة على شواخص القبور.

ومن الطبيعي أن تجد هذه العبارات وعبارات أخرى أشد منها مدونة على تلك الشواخص، راجية من الالهة أن تنزل عقابها على من يحاول التطاول على حرمة القبر بدفن غريب، فيه. ويظهر من هذه العبارات ان من الجاهليين من كان يتطاول على القبور، ولأ سيما القبور المنحوتة والقبور الجيدة المبنية على شكل غرف، وأضرحة، فيدفنون موتاهم فيها، وبذلك تدخل جثث غريبة في تلك القبور،أو يحولوا تلك المقبرة القديمة إلى مقبرة جديدة. وقد يزيلون معالمها تماماً، أو يدفنون أمواتاً فوق أموات على نحو ما نفعل اليوم في المقابر القديمة المشهورة المقامة حول الأولياء، حيث تتحول المقابر القريبة من الولي الى مقبرة قد ترتفع من كثرة ما يدفن عليها، حتى تكون مرتفعاً عن ظاهر الأرض.

وتزار قبور السادات والشثراف، وخاصة قبور كبار سادات القبائل، ويذبح عندها، ويحلف بها، ويلجأ اليها طلباً للأمان والسلامة، فلا يستطيع أحد التحرش بمن التجأ الى صاحب القر ولا ذويه. وقد هجا "بشر بن أبي خازم الأسدي" "أوس بن حارثة" من "آل لأم"، فكان في جملة ما قاله في هجائه: جعلنم قبر حارثة بن لأم  الها تحلفون به فجوراً

وحارثة بن لأم صاحب القبر، هو أبو أوس المهجو.

وقد أشار أهل الأخبار إلى قبور سادات جاهلين كان الناس يفدون اليها ويعظمونها، ويلوذون بها، ويطوفون حولها، منها قبر "تميم" بموضع "مر الظهران"، وقبر "عامر بن الطفيل"، وقد وضعوا الأنصاب حول القبر لتكون علامة له، فلا يدخل الساحة التي يكون فيها القبر إلى موضع الأنصاب حيوان أو راكب ولا يهتك حرمتها انسان. كذلك كان الناس يحلقون شعورهم عند مثل هذه القبور، كالذي كانوا يفعلونه عند الأصنام.

وقد حجت قبائل قضاعة إلى قبر كان على مرتفع من الشحر، زعم أنه قبر جدّ قبائل قضاعة. وكانت أمثال هذه القبور ملاذاً يلوذ بها أصحاب الحاجات، كما قصدها الشعراء لانشاد قصائدهم في مدح صاحب القبر والتغني بمجده وبمجد قبيلته. ولها جمى حكمه حكم الحمى الذي يحيط ببيوت الأصنام. ويقسم بهذه القبور وبحق أصحابها، كما يقسم بالأجداد، ويعد هذا النوع من القسم يميناً لا بحوز الكذب فيه، وهو كاليممان المغلظة التي حلف بها الناس ويذكرون فيها الآلهة اسماء الأصنام.

وفي كتب الحديث أن النبي نهى عن الحلف بالآباء والأجداد وبتربهم، لأن ذلك من عمل أهل الجاهلية. وقد كانت قريش تحلف بآبائها وبأجدادها فتقول: أبي أفعل هذا، أو وأبي لا أفعل وحق أبي أو تربة أبي أو وتربه جدك، نحو،ذلك. وهي ايِمان من ايمان الجاهلية نهى النبى عنها



 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق