إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأحد، 10 يناير 2016

956 ( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي الفصل الحادي والخمسون فقر وغنى وأفراح ؤأَتراح


956

( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي
    
الفصل الحادي والخمسون

فقر وغنى وأفراح ؤأَتراح


الأفراح

الأفراح، عامة أو خاصة. فمن الأفراح العامة، الأعياد والمناسبات المماثلة، مثل انتصار في حرب وغزو أو تولي ملك عرشاً أو سيد رئاسةَ قبيلة. ومن الخاصة، الزواج والبرء من مرض، والعود من سفر، وأمثال ذلك.

ولما كان العرب في جاهليتهم قبائل وشيعاً وكان الاتصال بينهم صعباً، صارت أعيادهم كثيرة غير متفقة فيَ زمان أو مكان، ذات صفة محلية، لا يشترك فيها كل عرب جزيرة العرب. وهي مرتبطة بالأصنام في الغالب وبالمواسم التجارية التي تتجلى في انعقاد الأسواق.

ولذلك، فأنا حين أتحدث عن اعياد اهل الجاهلية فلن أستطيع أن آتي باسم عيد واحد، أقول إن جميع العرب كانوا يعيدّون ويفرحون جميعهم به، لما ذكرته من انقسام الجاهليين الى قبائل وشيع وعدم وجود دين واحد لهم، يجمع شملهم. والدين من اهم العوامل المساعدة لظهور الأعياد وجكمع شمل المؤمنين به للاحتفال بها. ولذلك فأعياد الجاهليين هي اعياد موضعية تعيّد قبيلة أو مدينة أو مملكة بعيد، ولا يعرف عنه بقية العرب اي شيء. أما اعياد اليهود والنصارى والعرب فأمرها أمر آخر، لأن اليهودية والنصرانية قد حددتا تأريخّاً ثابتاً للاعياد فيهِا، فصارت معروفة عند أتباع الديانتين يحتفلون بها في الأجل الموقوت.

وكان الحج إلى مكة من أهم مواسم العرب في الحجاز، وهو عيد، يجتمع فيه الناس من مختلف القبائل ومختلف الأماكن للتقرب إلى الأصنام وللتلاقي في ظروف أمن وسلام لا يحلّ فيها قتال ولا اعتداء ولا لغو ولا فحش. ويقوم اهل مكة بخدمة الوافدين الضيوف، ضيوف "البيت"، وتمر ايام خالية من غدر واعتدأء وقتل وأخذ بثأر يلبس فيها الناس خير ما عندهم من لباس ويتجلون بأحسن صورة. فإذا انتهت إلأيام عادوا إلى ديارهم.

وذكر انه كَان لأهل "يثرب" يومان يعيّدون فيهما، يلعبون فيهما ويستأنسون، هما: النيروز، والمهرجان. فلما قدم الرسول المدينة أبدلهما بيوم الفطر والأضحى. والظاهر ان اليثربيين أخذوا عيديهما المذكورين من الفرس، "النيروز" عيد شهير من اعياد الفرس من اصل "نو" بعنى جديد و "روز" بمعنى يوم، أي أول يوم من السنة الإيرانية الشمسية. وأما "المهرجان"، فإنه عيد من أعياد الفرس كَذلك، يعيدّ به في الشهر السابع من شهورهم الشمسية. وهو شهر "مهر" "مهرمأه"، ويدعى العيد "مهركان". وقد بقي الفرس يحتفلون به في الإسلام، حتى زماننا هذا، وورد ذكره في الأشعأر.

ولم يذكر أهل الأخبار كيف عيَد أهل "يثرب" بهذين العيدين اللذين هما من أعياد الفرس. ولا ما هي صلتهم بهما.

وذكر أهل الأخبار عيداً سموه "يوم السبع"، قالوا إنه عيد كًان لهم في الجاهلية، يشتغلون فيه بلهوهم وعيدهم من حكل شيء ولم يتحدثوا بشيء مفصل عنه، ولم يذكروا أنه عيد من.

وورد في بيت شعر للنابغة اسم عيد دعاه "السباسب"، وقد ذكر أهل الأخبار أنه كان عيداً لقوم من العرب في الجاهلية وكانوا يحيّون فيه بالريحان.

رقاق النعال، طيبٌّ حُجُزاتهم  يحيوّن بالريحان يوم السباسِبِ

وهو في الواقع عيد من أعياد النصارى، كما أشار إلى ذلك أهل، الأخبار. إذ ذكروا أنه "عيد للنصارى ويسمونه يوم " الشعانين" وقد كان هذا ألعيد معروفاً فيَ الحجار أيضاً، ورد في الحديث " إنّ الله تعالى أبدلكم بيوم السباسب يوم العيد ". وإذا صح ورود هذا الحديث عن الرسول، كان ذاك دليلاً على أن أهل مكة كانوا قد عرفوا هذا العيد وعيدوه وربما كانوا أخذوه عن النصرانية.

ولم ترد في نصوص المسند إشارات الى أعياد العرب الجنوبيين ولم ترد اشارات إلى الأعياد في النصوص الثمودية أو اللحيانية أو الصفوية. لذلك لا أستطيع أن أتحدث عن العيد عند العرب الجنوبيين أو اللحيانيين أو الصفويين أو قوم ثمود. وقد اشار بعض الكتبة "الكلاسيكيين" إلى تعييد النبط وعرب اعالي الحجاز واحتفائهم فيها بأصنامهم وحجّهم إلى معابدهم، إلا انهم لم يسموّا تلك الأعياد بأسمائها.

وقد عيّد يهود جزيرة العرب بأعيادهم ايضاً. وكانوا يحافظون عليها، لأنها في عقيدتهم عمل من الأعمال الدينية. ولم يكونوا يشتغلون فيهاْ، إذ يرون في الخروج عليها خروجاً على الدين الذي منعهم من الاشتغال في ايام السبت والأعياد وحتم عليهم وجوب مراعاة حرمة تلك الأيام مراعاة تامة.

ومن اعياد اليهود الني عرفها الجاهليون عيد رأس السنة، وعيد الصوم الكبير"الكبور"، و "عيد المظال" واعياد اخرى.

أما العرب النصارى، فقد عيدوا بأعيادهم الدينية، واحتفلوا بها، وفي المواضع التي كَانت فيها جماعة كبيرة منهم كانت احتفالاتهم بها اوضح وأفرح. وفي الحيرة، جيث تفشت النصرانية وانتشرت، كان الناس يتزينون ويتجملون ويلبسون أحسن ما عندهم من حلل في ايام أعيادهم، مثل "عيد السعانين" "عيد الشعانين"، ويحتفلون في البيع والكنائس، والأديرة فرحأ بذكرى العيد، ويخرجون بصلبانهم.

وذكر ان "يوم السعانين" "يوم الشعانين"، هو "يوم السباسب"، العيد الذي مرّ ذكره، وقد كان من أعياد النصارى. وقد اشتقت كلمة "السعانن" "الشعانين" من العبرانية، أخذت من لفظة "هوشعنا"، التي كان يتهلل بها اليهود أمام المسيح. و "السباسب": الأغصان، يريدون منها سعف النخيل الذي قطعه اليهود يوم استقبلوا المسيح في دخوله أورشليم.

وذكر أن "الهنزمر"، و "الهنزمن" " و "الهيزمن"، -كلها: عيد من أعياد النصارى أو سائر العجم، وهي أعجمية. قال الأعشى: إذا كان هنزمن وروحْتُ مخشما

واشتهر "عيد الفصح"، وهو عيد فطر النصارى، إذا أفطروا وأكلوا اللحم. وقد أشار اليه الأعشى بقوله: بهم تقرب يوم الفصح ضاحـية  يرجو الإله بما سدّى وما صنعا

وذكر العلماء اسم عيد آخر من أعياد النصارى دعوه "السلاّق"، ذكروا أنه مشتق من تسلق المسيح الى السماء. والكلمة من أصل إرمي، هو Souloqoبمعنى صعود. وقصد به عيد صعود المسيح اك ألى السماء.

وللنصارى عيد آخر اسمه "خميس الفصح"، وعرف أيضاً ب "خميس العهد".

وقد احتفل به نصارى الحيرة. وذكر علماء اللغة أن للنصارى عيداً من أعيادهم اسمه "دنح"، وتكلمت به العربْ. وهو من أصل إرمي هو "دنحو"، بمعنى اشراق وظهور. ويراد به "عيد الغطاس".

وتضاف اليها الأعياد المحلية، التيَ كَان يحتفل فيها بأيام القديسن. فقد كان الغساسنة يحتفلون مثلاً في الرصافة بعيد "القديس سرجيوس". وكان لنصارى العراق أعيادهم الخاصة بهم جسب مذاهبهم. يكرسونها تخليداً لذكرى قديسيهم.

وقد اشتهر النصارى بين الجإهليين وفي الإسلام بمحافظتهم على أعيادهم حتى ضربوا المثل بأعياد النصارى. فقال العجاج: واعتاد أرباضاً لها آري  كَما يعود العيد نصراني

والعادة - كما هو شأن كل الأمم - أن يتزين في أيام الأعياد بأحسن اثياب والملابس المفتخرة والحلل المثمنة والبرود المعجبة، وأن يظهر الشبان مقدراتهم وبراعتهم في التسابق على الخيل وفي الألعاب وفي الظهور أمام النساء، ويلعب الصبيان أنواعاً من الملاعب، وان يتغنى ويزمر بالدفوف والمزاهر وأمثال ذلك، لتكسب الأيام بهجتها وروعتها. وكان من عادة أشراف الحيرة اللعب على الخيل بالصوالجة، وذللك على طريقة العجم.

وقد يخضب الرجال والنساء أيديههم بالخضاب، ولا سيما "الحناء". ولكن هذا النوع من إظهار القرح والسرور، غالب في الأعراس وفي الختان، حيث تولم الولائم وتقام الأفراح، ويخضب بالحناء.


 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق