953
( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي
الفصل الخمسون
مياه الشرب
ولما كان الجفاف هو الغالب على طبع جزيرة العرب. لذلك قل " الماء فيها، واضطر الناس إلى قطع المئات من الأميال للوصول إلى موضع ماء للتزود به. ولهذا صار عزيزاً عندهم ثميناً، فقد تنقذ كمية قليلة منه حياة شخص. وتكثر الحاجة اليه بصورة خاصة في الصيف: حيث تكثر الحرارة، فيشتد العطش، ويظطر الإنسان إلى الاكثار من شرب الماء لكسر حدة ذلك العطش. ولذلك يقترب الناس في مواسم الصيف من مواضع الماء، حتى إذا نفد ما عندهم منه، ذهبوا إلى أقرب ماء اليهم، للتزود به.
وألذّ المياه عند العرب ماء الغيث. أي ماء المطر، فإذا جادت السماء به، سال إلى المواضع المنخفضة وتجمع بها، فيأتي الأعراب اليها للاستقاء منها. ولهم أسماء ومصطلحات عديدة لأنواع المطر ولمواضع تساقطه، نظراً لما لذلك من علاقة بحياتهم، ولما لهم من حاجة شديدة الى الغيث.
والعيون والآبار والحسي، هي من المنابع الأخرى إلتي أمدت العرب بالماء والعين، هي ينبوع الماء الذي ينبع من الأرض. وقد تطلق على موضع تجمع مطر خمسة أو ستة ايام أو أكثر. والبئر، هي القليب. قد تكون بئراً عادية، وهي البئر القديمة التي لا يعلم لها حافر بلا مالك، وقد تكون بئراً يعرف صاحبها وحافرها ومالكها. وقد كان الجاهلون يحفرون الآبار لأنفسهم للاستسقاء منها وللزرع بمائها، كما كانوا يبيعون ماءها لغيرهم. وقد كانت لليهود آبار بالحجاز حصلوا منها على أموال بسبب بيع مائها للمحتاج اليه. وإما "الحسي" " فهي المواضع التي يظهر فيها الماء من جوف الأرض على وجه التربة. ومنها حسي الاحساء وأحساء خرشاف، واحساء "بني وهب" على خمسة اميال من المرتمى، فيه بركة وتسع آبار كبار وصغار بين القرعاء وواقصة على طريق الحاج، واحساء "غنى" وأحساء اليمامة، أحساء جديلة.
ويشرب الأعراب الماء بأيديهم،بأن يمدّوا أيديهم في عين الماء أو في مستجمعه ثم يغرفوا منه، فيشربوه وهكذا حتى يرتووا. وقد ينبطح أحدهم على الأرض، ثم يمدّ فمه إلى الماء فيشرب منه. أما بالنسبة إلى الآبار والقرب ومخازن الماء، فإنهم قد يشربون من أفواه الدلاء أو القرب، وقد يستعملون أواني يشربون بها منها: الغمر، وهو قدح صغير " والقدح والتبن، والصحن والقعب، وغير ذلك من أسماء ذكرها علماء اللغة.
وقد يتجمع الماء في حفر، فيكون بركاً. وذكر ان البركة مثل الحوض يحفر في الأرض لا يجعل له أعضاد فوق صعيد الأرض. وذكر ان العرب يسموّن الصهارِيج التي سويت بالآجر وصرجت بالنورة في طريق مكة ومناهلها بركاً. وربّ بركة تكون ألف ذراع وأقل وأكثر. وأما الحياض التي تسوى لماء السماء ولا تطوى بالآجر، فهي الأصناع.
وذكر علماء اللغة ان "الصنع"، مصنعة الماء، وهي خشبة يحبس بها الماءوتمسكه حيناً، والجمع "أصناع"، وذكر ان "المصنعة" -كالحوض أو شبه الصهريج يجمع فيها ماء المطر، يحتفرها الناس فيملاونها ماء السماء يشربونها. وورد ان "الحبس" مثل المصنعة.
ولهم في سقي إبلهم عادات. وكانوا يسمون كل سقية حسب يومها. فإذا سقوا الإبل كل يوم، قالوا سقيناها رفهاً، وإذا اوردوها يوما وتركوها في المرعى يوماً، قالوا: سقيناها غباً. وإذا اقاموها في المرعى بعد يوم الشرب يومين ثم أوردوها في اليوم الثالث يقولون: سقيناها ربعاً، وهكذا. وتمام ظمأ الإبل قي الغالب ثمانية إيام فإذا أوردوها في اليوم التاسع منه،وهو العاشر من الشرب الأول، قالوا: سقيناها فِي ربعاً بالكسر، إلى غير ذلك مما تجده في كتب اللغة عن هذا الموضوعْ.
ومن أوعية الماء "المهراس". حجر منقور ضخم لا يقله الرجال ولا يحركونه لثقله، يسع ماءً كثيراً. يؤخذ منه الماء للشرب، وللاستعمال، وقد استعمل في الإسلام للوضوء منه.
والحب، معروف عند الجاهلين، يختزن فيه الماء للشرب، يعمله الكواز والفخار. والكوز إناء يشرب به، ذكر أنه يكون بعروة، أما إذا لم تكن به عروة فهو "كوب". وهناك الأباريق واوان أخرى استعملت في الشرب. طرق معالجة الماء
وللعرب طرق في معالجة المياه المالحة، مثل ماء البحر، وفي معالجة المياه الكدرة. من ذلك أنهم كانوا إذا اضطروا إلى شرب ماء البحر، وضعوه في قدر، وجعلوا فوق القدر قصبات وعليها صوف جديد منفوش، ويوقد تحت القدر حتى يرتفع بخارها إلى الصوف، فإذ كثر عصروه، ولا يزالون على هذا الفعل حتى يجتمع لهم ما يريدون.فيكون ما استخرج من الماء من عصر الصوف ماء عذب، ويبقى في القدر الزعاق.
وربما حفروا على ساحل البحر أو شاطىء مجتمع الماء المالح حفرة، يرشح الماء من الماء المالح اليها، ويحفرون حفرة أخرى على مسافة منها، يرشح اليها الماء من الحفرة الأولى، ثم يحفرون ثالثة، وبذلك يتحايلون على ملوحة الماء، حتى. يعذب، فيكون صالحاً للشرب.
ولهم في دفع كدرة الماء حيل. من ذلك أنهم كانوا إذا اضطروا إلى شرب الماء الكدر، ألقوا فيه قطعة من خشب الساج أو جمراً ملهباً يطفأ فيه، أو طيناً أو سويق حنطة، فإن كدورته ترسب إلى أسفلْ. وقد يضعون إناءً تحت حب. الماء، لتتجمع قطرات الماء الصافية فيه، يشربون منه ماءً صافياً لا كدرة فيه. وربما عرفوا استعمال "الشب" في إزالة كدرة الماء. وهو أنواع، منه شب يماني.
يتبع
( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق