إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الخميس، 7 يناير 2016

869 ( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي الفصل السابع و الأربعون التفاخر


869

( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي
 
الفصل السابع و الأربعون

التفاخر


والتفاخر، وهو التعاظم، من أهم مظاهر الحياة الاجتماعية عند أهل الجاهلية وفي الكتب العربية أمثلة كثيرة من تفاخر الجاهليين بعضهم على بعض، وتباهيهم بالأشياء الخارجة عن الإنسان و التمدح بالخصال. وتكون المفاخر بالآباء والأجساد، وبالسيادة والشرت، وبالكثرة، و بالحسب والنسب، حتى انهم انطلقوا في بعض الأوقات إلى القبور فكانوا يشيرون إلى القبر بعد القبر، و يقولون: فيكم مثل فلان ومثل فلان? وفي ذلك نزلت الآية: )ألهاكم التكاثر حتى زُرْتم المقابر، كلاّ سوف تعلمون، ثم كلاّ سوف تعلمون(. فذكر إن حيين من قريش، بني عدنان و بني سهم، تكاثروا بالسيادة والأشراف، فقال كل، حيّ بهم: )ألهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر(. وقيل: إن قبيلتين من قبائل الأنصار، تفاخروا وتكاثروا، فقالت إحداهما: فيكم مثل فلان وفلان? وقال الآخرون مثل ذلك. تفاخروا بالأحياء، ثم قالوا: انطلقوا بنا إلى القبور، فجعلت إحدى الطائفتين تقول: فيكم مثل فلان يشيرون إلى القبر، وقال الآخرون مثل ذلك. فأنزلت: "ألهاكم التكاثر".

وتقع المفاخرات بحضور محكمين في الغالب، أو طرف ثالث محزم، وعلى الطرفين قبول الحكم و إطاعته، وسماع رأي الطرف الثالث في حجج وأقوال المتخاصمين المتفاخرين. وتكون المفاخرة بإظهار كل طرف ما عنده من خصال يفاخر بها، ومن مناقب يستأثر بها، ومن مجدٍ يرى انه انفرد به دون خصمه، ثم يذكر ما امتاز به على خصمه، بكلام منثور ومنظوم، منسق منمق، وما قام به من أعمال فريدة، وما حصل عليه في حروبه مع الناس. وبعد إن يفرغ المتفاخرون من إِلقاء ما عندهم من حجج وبيان، ينظر المحكمون في الحجج التي استمعوا إليها، ليبدوا حكمهم بموجبها ويكون حكمهم أصعب شيء يواجهونه، لما يتركه من أثر في نفوس المتخاصمين، ولما سيكون له من تأثير في مكانة من سيخسر المفاخرة.

ويقال للمفاخرة "المنافرة" و "المنافرة" المحاكمة في الحسب، وان يفتخر الرجلان كل واحد منهما على صاحبه، ثم يحكمّا بينهما رجلاً، كفعل "علقمة بن علاثة" مع "عامر بن طفيل" حين تنافرا إلى "هرم بن قطبة الفزاري"، و فيهما يقول الأعشى بمدح "عامر بن الطفيل" و يحمل على "علقمة ابن علاثة": قد قلت شعري فمضى فيكما  واعترف المنفور للنـافـر

وقد نافر "أنيس" أخو "أبي ذرّ الغفاري" شاعراً على شعره، إذ كان يرى انه أجود منه شعراً. وتكون المنافرة في كل شيء، يرى إنسان انه يفوق به غيره، كالمنعة والعزّ والجاه والكرم وما شاكل ذلك من خصال. قال "ابن سيده": "وكأنما جاءت المنافرة في أول ما استعملت انهم كانوا يسألون الحاكم: أبنا أعز نفراً?".

و "النفار" إن يتنافروا إلى حاكم يحكم بينهم. و "النفورة" الحكومة.

وورد "يوم نفورة": أي يوم حكومة، حكم فيه بالنفار.

ومن ا لمفاخرات، مفاخرةُ وفود ربيعة ومضر ابني نزار عند النعمان بن المنذر. فكان فيمن قدم عليه من وفود ربيعة "بسطام بن قيس" و "الحوفزان بن شريك". و فيمن قدم عليه من وفد مضر من قيس بن عيلان "عامر بن مالك" وعامر بن الطفيل. ومن تميم قيس بن عاصم، والأقرع بن حابس. ومفاخرة "آل حذيفة بن بدر" و "آل الأشعث بن قيس الكندي" عند كسرى. وهم من أعرق الأسر في أيامهم، وأشرفها. وقد عَجب "كسرى" بذكائهم وبحدة أذهانهم. ومفاخرات أخرى مدوّنة في الكتب.

ومن مفاخرات أهل الجاهلية، منافرة "عامر بن الطفيل" مع "علقمة بن، علاثة" المذكورة، ومنافرة "بني فَزَارة". و "بني هلال"، ومنافرة "الفقعسي" و "ضمرة"، و منافرة "جربر البجليّ" و "خالد بن أرطاة الكلبيّ" ، ومنافرة "القعقاع بن زُرارة بن عدس" و "خالد بن مالك ابن رُبعي بن سلم بن جندل بن نهشل" ومنافرة "هاشم بن عبد مناف" و "أمية بن عبد شمس".

"ومن المنافرات، منافرة "عامر بن أحيمر" عند "المنذر بن امرئ القيس ابن ماء السماء". فقد ذكر إن "المنذر" أخرج بُردَين يوماً يبلو الوفود، وقال: ليقم أعز العرب قبيلة، فليأخذهما. فقام "عامر بن أحيمر" فأخذهما وائتزر بأحدهما وارتدى بالآخر، فقال له المنذر: أ أنت أعز العرب قبيلة? فقال: العز والعدد في معدّ، ثم في نزار، ثم في مضر، ثم في خِنْذف، ثم في تميم، ثم في سعد، ثم في كعب، ثم في عوف، ثم في بهدلة، فمن أنكر هذا فلينافرني، قسكت الناس، فقال المنذر: هذه عشيرتك كما تزعم، فكيف أنت في أهل بيتك وفي نفسك? فقال: أنا أبو عشرة، وأخو عشرة و خال عشرة، وعم عشرة، و أما أنا في نفسي، فشاهد العز شاهدي، ثم وضع قدمه على الأرض، فقال: من أزالها عن مكانها، فله مئة من الإبل. فلم يقم إليه أحد من الحاضرين، ففاز بالبردين، وعرف ب "ذي البُرديَن".

وطالما كانت تؤدي هذه المفاخرات إلى وقوع حروب وسفك دماء، ولذلك أبطلها الإسلام، ونهى عنها? وعدّها من شعار الجاهلية.

والمساجلة في معنى المفاخرة، بأن يصنع مثل صنيعه في جري أو سقي. وتساجلوا بمعنى تفاخروا. ذكروا إن أصل المساجلة: إن يستقي ساقيان، فيخرج كل منهما في سَجْله ع مثل ما يخرج الآخر ج فأيهما نكل فقد غلب، فضربته العرب مثلا للمفاخرة، فإذا قيل فلان يساجل فلاناً فمعناه انه يخرج من الشرف مثل.ما يخرجه الآخر، فأيهما نكل فقد غلب.

وتعرف "المفاخرة" ب "المُباهاة" أيضاً. فيقال: تباهوا إذا تفاخروا. ، و أما إذا صايحه، فيقال هاباه. وذلك بأن يذكر كل متباه مناقبه ومناقب قومه، يتفاخر بها على خصمه. وطالما أدت المباهاة إلى وقوع خصومات ومعارك.

ومن مفاخر العرب التفاخر بمن برز عندهم في عمل فذّ وفي عمل خصال كريمة، أو قام بفعل استحق الإعجاب. فكانت القبائل تتفاخر بذكر أسماء هؤلآء، وتحفظ أسماءهم للتباهي بهم، كما تفعل الدول في التباهي برجالها. ومن مفاخرهم: الفروسية، فعدّ "الحوفزان" مثلاً وهو "الحوفزان بن شريك" فارس بكر بن وائل.

وافتخروا ب "الأصم عمرو بن قيس"، ولقب عند المتفاخرين به ب "صاحب رؤوس بني تميم"، وافتخروا ب "مفروق بن عمرو" "حاضن الأيتام" والظاهر انه كان يحن على الأيتام ويعطف عليهم، لذلك لقب بهذا اللقب، وافتخر ب "سنان بن مفروق"، الذي عرف ب "ضامن الدمن". كما افتخر ب "عمران بن مرة" لأنه أسر "يزيد بن الصعق" مرتين.

 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق