إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الخميس، 7 يناير 2016

867 ( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي الفصل السابع و الأربعون فك الأسر


867

( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي
 
الفصل السابع و الأربعون

فك الأسر


ومن شيم الرجال المنّ على الأسرى بفكّ رقابهم و إعطائهم حريتهم. وقد أبت مروؤة بعض السادات إلا إن يقوموا بفك أسر الأسرى وإعتاق رقبتهم، ولو بشراء أسرهم بثمن. وقد ذكر العلماء أسماء رجال منهم عاشوا في الجاهلية عرفوا بعدم رضاهم عن الأسر، فكانوا يدفعون مالاً في مقابل فكّ رقبتهم. من هؤلاء "سعد بن مُشمت بن المُخَيّل"، وهو من رجال "بني المخيل" في الجاهلية. وكمان إلى إن لا يرى أسيراً إلا أفتكه.

ومن شيم الرجال العفو عند المقدرة والحلم والصفح عن المسيء، وكان من عاداتهم في غفران الذنب، حفر بئر، ثم ينادي من يريد غفران الذنب والعفو عن المذنب: اشهدوا أني جعلت ذنبه في هذه البئر ثم يرد فيها ترابها، وبذلك يغفر الذنب. وقد ضرب العرب المثل بحلم "قيس بن عاصم"، و ب "الأحنف ابن قيس" و "قيس بن عاصم"، هو من بني منقر من تميم. وكان ممن حرم الخمر في الجاهلية، وذكر انه كان أول من واد، لأنه خشني إن يخلف على بناته من هو غير كف لهن. وكان قد وأد ثماني بنات، ووفد في وفد "بني تميم" على الرسول فأسلم. وقد قال له للرسول لما دنا منه: "هذا سيد أهل الوبر".

و أما "الأحنف بن قيس"، فهو تميمي كذلك. أدرك النبي ولم يجتمع به. وكان يضرب بحلمه المثل وله قصص مع الخلفاء. وسكن البصرة، وبها مات سنة سبع وستين.

وقد رجحّ الجاحظ "الاحنف" على كل من عرف عند العرب واشتهر بينهم بالحلم، حتى رجحه على لقمان ولقيم وقيس بن عاصم ومعاوية بن أبي سفيان. وله قصص مع معاوية. ونسبوا له حكماً وشعرا. وذكر انه هو القائل: "لا تزال العرب بخير ما لبست. العمائم، و تقلدت السيوف، وركبت الخيل، ولم تأخذها حمية الأوغاد. قيل: وما حمية الأوغاد? قال: إن يروا الحلم ذلاً، والتواهب ضيما"". وقيل للأحنف بن قيس: بماذا سدت? فقال: بثلاث، بذل الندى، وكفّ الأذى، ونصر المولى. وقال: إنما تعلمت. الحلم من قيس بن عاصم: أتي بقاتل.ابنه فقال: رعبتم الفتى. وأقبل جمليه فقال: يا بني لقد نقصت عددك، و أوهنت ركنك، وفتت، في عضدك، وأشمتَّ عدوّك، وأسأت بقوملك، خلوا سبيله، وما حل حبوته، ولا تغير وجهه.

وللعرب كلمة تقولها عند طلب العفو والحلم وفي مواطن الغضب والتشاجر هي: "إذا ملكت فاسجح"، يقصد بها طلب العفو و الحلم عند ثوران الغضب. ولهم كلمات أخرى كثيرة في الحث على التحلي بالحلم و الصبر.

ومن خصال السادة: النخوة. وقد عرف بها العرب حتى ضرب بها المثل، فقيل: نخوة العرب، وورد: "لؤم النبيط و نخوة العرب". وهم ينتخون لمن ينتخيهم مع ترفع وتعزز، فإذا نخى شخص، فعلى من انتخى إجابة داعي النخوة و إلا عدّ جباناً وصار سبة للناس.

ولا يعني إن ما ذكرته كان بحب إن يتوفر حتماً في رجل ليستحق إن يكون سيداً. فقد رمي بعض الرؤساء بالبخل وبشدة الحرص و بإمساك يدهم، و وصف بعض السادات بالظلم وبالقسوة، ومع ذلك، فقد حكموا قبيلتهم وساد بعضهم وهم شُبّان، والعادة عند العرب إن الرئاسة للمسنّ، و إنما الذي ذكرته يمثل رأي ذوي الرأي في الرئيس المثالي الذي يعرف كيف يحكم قومه وكيف يوجه قبيلته. وهي ليست بالضرورة مؤهلات وصفات يجب إن تكون لازمة في الرجل الذي سيسود قومه، لقد ذكرت إن السيادة بالوراثة، وأن هذه الخلال إذا تحلى بها إنسان آخر من رجال القبيلة عدّ أيضاً سيداً من ساداتها، بمعنى انه صار شريفاً مقدماً فيها ووجهاً من وجوهها. تماماً كما يكون لمدينة ما رئيس مدينة، يحكها بصفة رسمية، ويكون لها في الوقت نفسه وجهاء وأشراف قد يكون من بينهم من هو اكثر ذكراً وأعلى مكانة وأشرف منزلة من رئيس المدينة، ولكنه مع ذلك لا يمثل المدينة في الحفلات والمجتمعات، لأنه ليس برئيسها العامل المعين. وهكذا هو شأن تلك الخصال، خصال مثالية قد تتوفر في رئيس القبيلة، وقد لا تتوفر فيه، بل تتوفر في غيره من أبناء القبيلة ومن رؤساء فروعها، ليكون لهم السيادة و الشرف فيها ويشار إليهم على انهم سادة القبيلة، ولكنهم لا يعنون بذلك رئاسة فعلية، و إنما رئاسة شرف ومكانة وتقدير في مجتمع. ومن هنا نجد أهل الأخبار يذكرون أسماء جملة سادات، على انهم سادات قبيلة واحدة وفي وقت واحد، فهم في الواقع سادات مجتمع وفروع قبيلة.

 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق