852
( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي
الفصل السابع و الأربعون
الادم
وترد في كتابات المسند كلمة هي "ادم" و "ادومت". وتقابل لفظتي "ادم" و "ادومت" و "آدمي" و "أوادم" في العراق، بمعنى خادم وخدم. ووردت في صورة: " اديمت" "ا دي م ت" و "ادوم" في الكتابات القتبانية المتأخرة. وتؤدي معنى التبعية. وأعني بالتبعية الاعتراف بسيادة رئيس على مرؤوس. فقد كان أصحاب الأرض يؤجرون الأرض لمن لا ارض لهم، ومن لا مال لهم، فيقيمون فيها يشتغلون لأصحابها، ويكونون تبعاً لهم. ويعبرون عن هذه التبعية بتلك اللفظة المعبرة عنها. فهم في هذه الحالة إذن مزارعون يعيشون من كراء الأرض.
وقد وردت هذه اللفظة بهذا المعنى، خاصة في النصوص المتعلقة بقبيلة "سخيم". وهي ذات أملاك واسعة وأرضين خصبة، وأجرتها لمن لا ارض له من المتوافدين عليها من الأماكن الأخرى، لتستغل هذه الأرضين وتعيش عليها، معترفة بذلك إنها في حماية هذه القبيلة وفي خدمتها.
وهي فضلا عن ذلك تعبر عن التبعية بكل أشكالها، فتعبر عن الانتماء إلى شخص أو قبيلة كذلك، بمعنى إن "الادم" تابع لذلك الشخص أو القبيلة، منتمٍ إليه. ولذلك يذكر ال "ادم" اسم سيده الذي ينتمي إليه ومحتمي به، كأن يذكر اسمه أو اسم القبيلة التي ينتمي إليها. وقد يعبر باللفظة عن معنى "تابع" و "خادم" بالمعنى المجازي أيضاً، في مثل مصطلح "ادم ملكن" أي "خادم الملك" و "عبد الملك" و " آدم الملك". وذلك تعبيراً عن الاحترام للملك وعن الإقرار بتبعية الشخص المذكور له، وبإخلاصه له إخلاص العبد لسيده، وان كنا نجد إن للملك حاشية كبيرة هي حاشية "ادم" حقيقية، أي طبقة لا تملك أرضاً ولا ملكاً، ومعاشها من خدمة الملك، حيث يتولى القصر الإنفاق عليها، كما كانت للأسرة الكبيرة جماعات من ال "ادم" تخدمها وتؤدي لها مختلف الأعمال.
فال "ادم" إذن وفي الغالب، تعبير عن جماعة من الناس كانوا أحراراً، إلا انهم لم يكونوا من المتمكنين في حياتهم من حيازة أرض أو ملك، لذلك جعلوا أنفسهم في خدمة غيرهم، بأن كروا الأرضين من أصحابها، لاستغلالها في مقابل حق معلوم، أو اتفقوا مع ثري على أداء عمل له في مقابل أجر يقدمونه إليه. وهم طبقة واسعة العدد. وهي لذلك أرقى منزلة وأحسن حالاً من حال العبيد المملوكين، والرقيق المشترى من الأسواق.
وقد فسرّ بعض الباحثين كلمة "ادوم" "ادوام" و "اديمت"، و " ادومت"، بمعنى عمال الأرض، أو طبقة واطئة من المزارعين الذين لا يملكون أرضاً، أحوالهم ضعيفة، لأن ما ينتجونه لا يكفي لإعاشتهم. وذكروا إن كلمة "ضعيف" المستعملة في العربية الجنوبية تعبر عن ذلك المعنى المراد من تلك الكلمات.
وقد ورد في بعض النصوص لفظ "ا ج ر م" بمعنى "أجير" و "أجراء"، وهم الأشخاص الذين يشتغلون بأجور يدفعها لهم أصحاب الأرضين أو أصحاب المال أو أصحاب العمل. وقد كانوا طبقة من الطبقات الدنيا، بدليل ذكرهم في هذه الجملة: "كل معنم حرم واجرم"، "كلّ معينىّ حرّ وأجير"، أي كل فرد من أبناء معين حر وأجير، بتعبير أوضح. والأجراء هم أكثر حرية من العبيد، لأنهم يشتغلون بأجر وبعقود يتفقون عليها. فإذا انتهى العقد، أو حصل خلاف، جاز للأجير الانتقال إلى موضع آخر، أو إلى صاحب محل آخر للعمل لديه، على حين لا يجوز للعبد فعل ذلك، لأنه ملك يمين. والأجراء أناس أحرار، يستطيعون التنقل والتصرف بحرية، ولكنهم فقراء معدمون لا بملكون شيئاً، وعيشتهم من العمل الذي يقومون به لغيرهم مقابل الأجر الذي يقدمه رب العمل لهم.
وقد يكون الأجر الذي يدفع عن عمل مقطوع، وقد يكون عن أمد يحدد كأن يكون أجر يوم واحد أو أيام، فإذا تم النهار دفع الآجر للأجير. وقد يكون الأجر لموسم كامل، كموسم زرع. وقد كان الأجراء يشتغلون في الزراعة خاصة كحرث الأرض وزرعها أو حصاد الزرع أو قطف الثمر. ولضعف هذه الطبقة، وعدم تمكنها من أخذ حقها بالقوة، كان بعض من يؤجرهم يأكل حقوقهم، ولا يدفع أجورهم، أو يأكل قسماً منها. و نجد هذه الطبقة في العراق حيث أشير إليها في شريعة "حمورابي"، كما نجدها في أماكن أخرى من العالم، وما زال العامل يستخدم في مقابل أجور يومية للقيام بمختلف الأعمال.
وقد ورد في الكتابات القتبانية ذكر جماعتين: جماعة عرفت ب "غبر"، وجماعة عبر عنها ب "ومي"، أو "امي". و "الغبر" في عربية القرآن الكريم هم الفقراء والصعاليك، وفي العربية كلمة أخرى تؤدي هذا المعنى هي لفظة "غَبْراء الناس"، أي فقرائهم، ومنه قيل للمحاويج بنو غَبْراء، كأنهم نسبوا إلى الأرض والتراب. وبنو غبراء الفقراء. و أما "الغرباء"، فهم الصعاليك. فالغبر، إذن هم "طبقة من الطبقات البائسة الدنيا التي كانت في قتبان وفي غير قتبان، طبقة من الفقراء والصعاليك، لا تملك شيئاً، ليس لها في حياتها غير البؤس والتعاسة لأنها ولدت بائسة تاعسة فعاشت في تعاستها هذه في هذا العالم على صدقات الناس وعلى ما يحصلون عليه بالسرقة أو بالاستجداء و بالقيام بالخدمات والأعمال المتعبة في سبيل الحصول على ما يقوتهم إلى يوم خلاصهم من هذا العالم بالوفاة.
وبمعنى المحاويج والصعاليك فُسّر بيت "طرفة بن العبد"، بقوله: رأيت بني غبراء لا ينكروننـي ولا أهل هذاك الطراف الممدّد
وعرفت "بنو غبراء" ب "المدقعين" للصوقهم بالدقعاء، وهي الأرض. كأنهم لا حائل بينهم وبينها، و "الدوقعة الفقر والذلّ" و "جوع أدقع وديقوع شديد".
و أما "الومي" "امي?" فطبقة من الطبقات الدنيا كذلك، من هذه الطبقات العاملة البائسة التاعسة التي لا تحصل على عيشها إلا بشق الأنفس. ولعلهّا الطبقة التي يقال لها "شفلوت" في العربية الجنوبية في هذه الأيام. ويجوز إن تكون للكلمة صلة بلفظة "امي" في عربيتنا التي تعني الجاهل والشخص الذي لا يقرأ ولا يكتب.
وفي العربية لفظة "الحشم"، قبل إنها تعني المماليك والأتباع، مماليك كانوا أو أحراراً. وورد إن الحشم الأحرار، والقطين: المماليك.
يتبع
( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق