830
( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي
الفصل الخامس والأربعون
الحمية
ومن مظاهر العصبية "الحميّة" وهي الأنفة والغيرة والغضب، وذلك، أن الشخص كان يأنف من عمل قبيح، وتأخذه حميته من إن يفعل شيئاً يعاب ويعار عليه. وهو يغضب وتأخذه حميته من أن يترك سنة آبائه وأجداده. وقد نهى الإسلام عن الحمية، واعتبرها من أخلاق أهل الجاهلية والكفر. ونزل الوحي يندد بها: )إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حَميّة الجاهلية. فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين والزمهم كلمة التقوى(. وذلك حين جعل "سهيل بن عمرو" في قلبه الحمية فامتنع أن يكتب في كتاب المقاضاة الذي كتب بين الرسول والمشركين بسم الله الرحمن الرحيم، وأن يكتب فيه محمد رسول الله، وامتنع هو وقومه من دخول رسول الله مكة عامه ذلك. فوضع الإسلام "السَّكينة" في موضع حمية الجاهلية.
و "النعرة"، وهي الصياح ومناداة القوم بشعارهم طلباً للغوث والاستعانة، أو لإهاجتهم ولتجمعهم في الحرب. ومن هنا ورد في الحديث "ما كانت فتنة إلا نعر فيها فلان". أي نهض فيها. وفي حديث الحسن: كلما نعر بهم ناعر اتبعوه، أي ناهض يدعوهم إلى الفتنة ويصيح بهم إليها. ولما كان العرب أصحاب حس مرهف، وعاطفة ذات حساسية شديدة، لذلك لعبت النعرات فيهم دوراً خطيراً في إثارة الفتن بينهم. وكانت سبباً لحدوث حوادث مؤسفة عند الحضر وعند الأعراب.
و إذا أصيب شخص بضيم، أو نزلت به إهانة أو نازلة، نادى قومه بشعائر العصبية، وعلى قومه تلبيته ونصرته. و قد ينادي الإنسان شخصاً طالباً منه العون والنصرة، فتلزمه مساعدته كأن ينادي "يا لَفلان"، وهو شعار يستعمل عند التحزب والتعصب، ينادي به بصوت عال مسموع، عند بيت المنادى أو في موضع عام أو في مكان مرتفع ليصل الصوت إلى ابعد مكان.
وللقبائل شعار ينادون به عند العصبية، فإذا وقع على أحد من أهل يثرب اعتداء وأراد المؤازرة والنصرة، نادى: يا لآل قَيلْة، و إذا كان من تميم نادى: يا لَتَميم، وهكذا، فيهرع من يكون حاضراً ساعة النداء لينصر صاحبه الذي هو من قومه و ليؤازره. وتعد التلبية من أهم مفاخر الرجال والقبائل وواجباً من الواجبات ويتداعى الناس إلى العصبية في القتال. و إذا أرادوا إهاجة قومهم نادوا بالعصبية.
وقد وقع خلاف بين المهاجرين والأنصار في المدينة والرسول فيها. فقال قوم: يا لَلأنصار. وقال قوم ياَ للمهاجرين. فسمع النبي تداعيهم وصراخهم، فقال لهم: دعوها فإنها منتنة. ودعاها ب "دعوى الجاهلية". "وفي الحديث: ما بال دعوى الجاهلية? هو قولهم: يا لفلان كانوا يدعون بعضهم بعضاً عند الأمر الشديد".
يتبع
( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق