820
( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي
الفصل الخامس والأربعون
الموالي
والمولى: الولي والعصبة والحليف وابن العم وللعم والأخ و الابن و ابن الأخت و العصبات كلهم والجار والشريك. فللفظة إذن معان عديدة، أهمها. بالنسبة لنا، إن المولى: العبد، أي المملوك الذي يمنّ عليه صاحبه، بان يفك رقبته، فيعتقه، ويصير المملوك بذلك مولى لعاتقه. وسوف نرى إن الموالي أنواع. وهم الذين نبحث عنهم في هذا المكان.
و "الموالي: العصبة. هم كانوا في الجاهلية الموالي، فلما دخلت العجم على العرب لم يجدوا لهم اسماً، فقال الله تبارك وتعالى: )فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم(. فسموّا الموالي.. والمولى اليوم موليان: مولى يرث ويورث، فهؤلاء ذوو الأرحام، ومولى يورث ولا يرث. فهؤلاء العتاقة".
والعرب تسمي ابن العم المولى، ومنه قول الشاعر: ومولى رمينا حوله وهو مدغل بأعراضنا والمنسبات سـروع
يعني بذلك و ابن عمّ رمينا حوله. ومنه قول الفضل بن العباس: مهلا بني عَمّنا، مهلا موالينا لا تظهرنّ لنا ما كان مدفونا
والموالي أنواع، موالي عتق وموالي عتاقة، وهو الرقيق أو الأسر الذي تفك. رقبته بعتقه. كأن يشتري، رجل مملوكاً فيشتريه فيعتقه. وفي جملة ما كان يفعله الجاهليون في مقابل فك رقبة المملوك اشتراطهم على المملوك عملَ عملٍ يعيَّن له، فإن قام به وأتمه، أعتقت رقبته. ويصير مولى لمعتقه إن شاء، وله الخيار في إن يختار غير. سيده مولى له، إن اشترط ذلك على سيده، أو اشترط سيده عليه ذلك الشرط. وقد يقع الاختبار على ذلك بعد وقوع العتق.
ومن الموالي: موالي مكاتبة "موالي المكاتبة" وذلك، بأن يشترط في عقد البيع، إن العبد يكاتب على نفسه بثمنه، فإذا سعى وأداه عتق. وذكر أيضاً إن المكاتبة، إن يكاتب الرجل عبده على مال يؤديه إليه منجَّماً، فإذا أداه صار حرّاً. والعبد مكاتب. وقيل: المكاتبة: إن يكاتب الرجل عبده أو أمته على مال ينجّمه عليه، ويكتب عليه انه إذا أدى نجومه في كل نجم كذا وكذا، فهو حرّ، فإذا أدى جميع. ما كاتبه عليه، فقد عتق، وولاؤه لمولاه الذي كاتبه. وذلك إن مولاه سوغه كسبه الذي هو في الأصل لمولاه، فالسيد مكاتب، . والعبد مكاتب إذا عقد عليه ما فارقه عليه من أداة المال. سميت مكاتبة لما يكتب للعبد عليه على السيد من العتق إذا أدى ما فورق عليه، ولما يكتب للسيد على العبد من النجوم التي يؤديها في محلها، وان له تعجيزه إذا عجز عن أداء نجم يحلّ عليه.
والأصل في ولاء المكاتبة، إن من أعتق عبداً كان ولاؤه له، فينسب إليه. و إذا مات كان هو وارثه. وقد لا يتحول الولاء للولي، إذا اشترطوا أولاً إلا يكون ولائه لمعتقه، بل لمن يؤدي ثمن المكاتبة مثلا. وقد يعتق المملوك ولا يكون لأحد ولاء عليه. وتكون العتاقة عندئذ "سائبة". و "السائبة": العبد يعتق على إن لا ولاء له، أي عليه. ويحق عندئذ إن يضع ماله حيث يشاء.
ومن أسباب العتاقة: التدبير. وهو إن يعلق المالك عتق مملوكه على شرط، هو بعد وفاته. كأن يقول له: أنت حرّ بعد موتي. فلا يرثه أهله.
و أما مولى العقد، ويقال له مولى حلف ومولى اصطناع، فيكون بانتماء رجل إلى رجل آخر بعقد، أو قبيلة إلى قبيلة أخرى بحلف. و ذلك بأن يتعاقد ضعيف مع قوي على إن يساعده و يعاضده، ويقوم في مقابل ذلك بأداء ما اتفق عليه من شروط. وينسب المولى عندئذ إلى سيده، أي مولاه الذي قبِل ولاءه. ومن هذا القبيل يهود يثرب، فقد كانوا في ولاية الأوس والخزرج، لجأ كل بطن منهم إلى بطن من الأوس أو الخزرج يتعززون بهم، وصاروا موالي لهم. إذا وقع جمليهم ضيم لجأوا إلى من انتموا إليه بالولاء للدفاع عنه. ولما ظهر الإسلام كان من دخل في ولاء "عبد الله بن أبي"، ومنهم من دخل في ولاء "سعد بن معاذ" ومنهم من كان في ولاء "عبادة بن الصامت". وكان عليهم في مقابل ذلك، العون والنصرة لمن دخلوا في ولائه أو ولائهم، والدفاع عنهم، وان يكونوا بمثابة العون لهم.
وكان من موالي الحلف، قوم من اليهود والنصارى والمجوس. ولما ظهر الإسلام، أبطل عن تولي أهل الكتاب. إذ جعلهم في ذمة المسلمين. ويدخل في هذا الولاء ولاء قبائل وعشائر صغيرة لقبائل أكبر منها. وذلك في سبيل الحصول على حمايتها لها ودفاعها عنا. فيتوجب عليها أداء ما شرط عليها من شروط عند طلبها الولاء، من العصبية والعقل وما شاكل ذلك من حقوق.
أما مولى الرحم، فيكتسب الولاء بالزواج من موالي بعض القبائل، فينسب إلى القبيلة التي تزوج من مواليها.
وذكر بعض أهل الأخبار إن الموالي ثلاثة: مولى اليمين المحالف، ومولى الدار المجاور، ومولى النسب ابن العم والقرابة. وقد ذكرت هذه الأنواع في هذا البيت: نبئت حياً على نعمان أفـرادهـم مولى اليمين ومولى الدار والنسب
وقد ذكر "الجاحظ" "إن الموالي أقرب إلى العرب في كثير من المعاني? لأنهم عرب في المدّعى، وفي العاقلة، وفي الوراثة. وهذا تأويل لقوله: مولى القوم منهم، ومولى القوم من أنفسهم. والولاء لحمة كلحمة النسب". وهذا عد الموالي في نسب من دخلوا في ولائه. وتعصبوا وتحزبوا لولاء المولى. والموالي مهما كانوا: عرباً أم عجماً، كانوا أقل شأناً في مجتمعهم من الأحرار. إذ نظر إليهم على انهم دون العرب الأحرار في المكانة. ولهذا فقلما زوج الأحرار بناتهم للموالي. حتى ضرب بهم المثل في القلة و الذلة ولا سيما إذا كان الإنسان مولى موالي. فقيل: "مولى الموالي"، قيل ذلك في الإسلام أيضاً. ورد في الشعر: فلو كان عبد الله مولى هجوته ولكن عبد الله مولى موالـيا
وقد بقيت نطرة الازدراء المذكورة حتى في الإسلام. فمع مساواة الإسلام للعرب بغيرهم و إتيانه بمقياس جديد في تفضيل الخلق بعضهم على بعض هو مقياس العمل الصالح، المتجسم في قوله: "أيها الناس إن الله أذهب عنكم نخوة الجاهلية، وفخرها بالآباء، كلكم لآدم، وآدم من تراب، ليس لعربيّ على عجميّ فضل إلا بالتقوى". أو قوله: "الناس في الإسلام سواء، الناس طف الصاع لآدم وحواء. لا فضل لعربيّ على عجميّ، ولا عجميّ على عربيّ إلا بتقوى الله"، "لا تأتوني بأنسابكم وأتوني بأعمالكم، فأقول للناس هكذا ولكم هكذا"، نجد إن العرب بقيت في الإسلام أيضاً تأنف من تزويج بناتها إلى الموالي بسبب شرط "الكفاءة" الذي كان سنة من سنن أهل الجاهلية في الزواج: كفاءة النسب والمنزلة والحرفة. و إذا تزوج مولى بنتاً عربية، عُيرت القبيلة به. وقد هجا الشاعر "أبو بجير" "عبد القيس"، لتزويجهم بناتهم للموالي. و ذهب البعض إلى قاعدة: "الكفاءة في النسب والدين و الصنعة والحرية، ولا تزوج عربية بأعجمي و لا قرشية بغير قرشي، ولا هاشمية بغير هاشمي، ولا عفيفة بفاجر". وان "قريشاً بعضهم أكفاء لبعض بطن ببطن، والعرب بعضهم أكفاء لبعض، قبيلة بقبيلة، والموالي بعضهم أكفاء لبعض رجل برجل".
أما كفاءة النسب، فيراد بها النسب العربي، أي إن الرجل لا يزوج بنتاً عربية إلا إذا كان عربيّاً. و أما المنزلة، فيراعى فيها الكفاءة في المكانة، كأن يراعى في اختيار الزوجة أن تكون من عائلة ليست منزلتها دون منزلة الزوج، وإلا عيرّ بزواجه، وأما الحرفة، فان يتزوج الرجل بنتاً من بنات حرفته، فلا يتزوج الرجل ابنة صائغ مثلاً وإلا عّير ابنها به، كالذي كان من أمر "النعمان بن المنذر" ملك الحيرة، فقد عَيّره الناس بأمه لأنها ابنة صائغ، ثم لأنها يهودية. وكان هذا العرف صارماً في اليمن، فحصروا الزواج بأصحاب الحرف على نحو ما سأتحدث عنه في باب الزواج.
ونظراً إلى ازدراء العرب لشأن الموالي، وما كان يجلبه الولاء من ازدراء العرب بعضهم بعضاً لهذا السبب، بسبب ولاء العتق أو ولاء الموالاة، فقد أمر الخليفة "عمر" بإبطال الولاء بين العرب، وجوز بقاءه فيما بين العرب وغير العرب، فاقتصر الولاء على هذا النوع وحده في الإسلام.
يتبع
( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق