809
( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي
الفصل الخامس والأربعون
ارض القبيلة
ولكل قبيلة ارض تعيش عليها وتنزل بها وتعتبرها ملكاً لها، تنتشر بها بطونها وعشائرها، ولا تسمح لغريب النزول بها والمرور بها إلا. بموافقتها وبرضاها. وقد اختص كل بطن منها بناحيته فانفرد بها واعتبرها أرضاً خاصة به.
وتكون الأرض التي تحل القبيلة بها "منزلاً" لها، و "منازل" لأبنائها الذين ينزلون بها. يضربون بها، خيامهم. فتكون الأرض مضارب لها. تستوطنها وتقيم بها وتصير وطناً لها، أي دار إقامة، ما دامت تقيم بها. وموضع بيوتها. لذلك يعبر عن الأرض التي تقيم بها القبيلة ب "بيوت القبيلة" و ب "بيوت العشيرة"، لأنها مضرب البيوت.
وتمتد ارض القبيلة إلى المواضع التي تصل بيوتها أليها. فما يقع إلى الداخل فهو من موطن القبيلة، وما وقع خارج حدود نفوذ القبيلة خرج عن مواطنها. وتعين الحدود بالظواهر الطبيعية البارزة، مثل تلال أو أودية أو رمال أو ما شاكل ذلك. ونظراً إلى عدم تثبيت القبائل لحدودها على الأرض برسم معالم بارزة لها، صارت الحدود سبباً من أسباب النزاع المستمر والقتال الدائم بين القبائل.
وتكون مواضع الماء في أرض القبيلة قبلة أبنائها، يستقون منها ما يحتاجون إليه من "اكسير الحياة". وتكون هذه المواضع آباراً أو عيون ماء أو حسّياً وما شاكل ذلك. وتتفق القبيلة فيما بينها على حقوق السقي. ويؤدي الإخلال بحقوق السقي إلى وقوع نزاع، قد يؤدي إلى قتال، ولا سيما في أيام القيظ وانحباس المطر، حيث تشتد الحاجة إلى الماء، ويصير افتقاده سبباً لهلاك الأنفس والمال. والقاعدة إن ماء القبيلة مشاع في القبيلة. أما المياه المحمية: المياه التي تحمى للسادة والرؤساء، والمياه الخاصة، كالآبار التي يحفرها أصحابها، فتكون خاصة بهم. لا يجوز الاستقاء منها إلا بآذن.
ولكل قبيلة حق حماية أرضها. شأنها في ذلك شان الدول. و إذا أراد غريب اجتياز أرضها فلا بد من إن يكون في حماية إنسان منها. و إذا كان المجتاز جماعة، كأن يكون قافلة أو قبيلة أو حيّاً يريد التنقل إلى ارض أخرى، ولا بد له من المرور بأرض هذه القبيلة للوصول إلى هدفه، فعليه اخذ أذن من القبيلة يخوله جواز المرور بها، و إلا تعرض للمنع والقتال. لذا كان لا بد للتجار من ترضية سادات القبائل للسماح لهم بالمرور، بدفع حق المرور، وهي إتاوات تعارفت القبائل آنذاك على آخذها من المارة.
يتبع
( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق