808
( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي
الفصل الخامس والأربعون
أسماء أجداد القبائل
ولكلّ قبيلة - كما ذكرت - جد تنتمي إليه وتفاخر وتباهي به. وقد يكون هذا الجدّ جداً حقيقياً، أي إنساناً عاش ومات، وساد القبيلة. وترك أثراً كبيراً في قبيلته، حتى نسبت القبيلة إليه. وقد يكون الجد اسم حلف تكوّن، وتالف من قبائل عديدة، حتى عرفت به، ودعيت بذلك الحلف، وصار وكأنه اسم جد وإنسان عاش. ومن هذا القبيل اسم "تنوخ" على حد زعم أهل الأخبار، فقد زووا إن تنوخ قبائل عديدة، اجتمعت وتحالفت، وأقامت في مواضعها.
وقد يكون اسم بوضع، أقامت قبيلة به، فنسبت إليه. كما يذكر أهل الأخبار من اسم "غسان". وقد يكون اسم إله عبد، فنسب عباده إليه مثل "بنو سعد العشرة"، و "تالب ريام" جد قبيلة "همدان"، و قد يكون اسم حيوان أو نبات أو ما شابه ذلك، مما يدخل في دراسة أصول الأسماء ومصادرها واشتقاقها، وهو شيء مألوف نراه عند غير العرب أيضاً، فليس العرب بدعاً وحسهم في هذه الأمور.
وما يذكره ويرويه أهل الأخبار عن أزمنة أجداد القبائل، فيه أغلاط وأوهام. فقد يرفعون زمان رجل فيبعدونه كثيراً عن الإسلام، بينما هو من الرجال الذين عاشوا قبيل الإسلام. وقد يجعلون الرجل من الجاهلية القريبة من الإسلام، بينما يجب وضعه قبل الإسلام بقرون. ثم هناك أخطاء فاضحة في سرد سلاسل النسب، وفي أسماء الاشخاص، ولا سيما في الأنساب القديمة، بحيث يصعب على الباحث. الأخذ بها والتأكد منها. أما بالنسبة إلى الأنساب القريبة من الإسلام، فان وضعها يختلف عن وضع الأنساب المذكورة، إذ يغلب عليها طابع الصحة والضبط.
وقد ذهب المستشرق "بلاشير" إلى إن طريقة النسابين بالنسبة إلى الأرهاط، هي طريقة إيجابية مقبولة، ولكنها لا تستند إلى أسس صحيحة بالنسبة للقبائل و الأحلاف. بسبب إن تحالف القبائل وتكتلها، راجع إلى عوامل المصلحة الخاصة والمنافع السياسية، وهي تتغير دوماً بتغير المصالح، تتولد تبعاً لذلك أحلاف لم تكن موجودة وتموت أحلاف قديمة. وتظهر قبائل كبيروة وتموت غيرها. ولهذا التغير. فعل قويّ في تكوين الأنساب وفي نشوئها إذ تتبدل وتتغير الأنساب تبعاً لذلك التغير، ومن ثم فلا يمكن الاعتماد على الأنساب الكبرى، التي دوّنها علماء النسب وجمعوها في مجموعات، وشجروها حفدة وآباء و أجداداً.
والمصالح السياسية للقبائل لا تقيم وزناً. للاخوة وللنسب. فإذا اختلفت المصلحة، فلا تجد القبائل عندئذ أي غضاضة في الانفصال عن قبيلة مؤاخية لها لتتحالف مع قبيلة غريبة عنها في النسب، ومحاربة أختها التي انفصمت عنها. فعبس مثلاً تحالفت مع "بني عامر" في حرب البسوس على "ذبيان"، وهي اختها، وتحالفت ذبيان مع "تميم" على "عبس"، مع ما بين "تميم" و "عبس" و "ذبيان" من عداء قديم. وقد وقعت أيام بين "تغلب" و "بكر" مع صلة الرحم والقرابة القوية التي ربطت بين القبيلتين الأختين. وقع كل ذلك وحدث بسبب تغير المصالح التي كانت تربط فيما بين هذه القبائل.
يتبع
( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق