799
( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي
الفصل الخامس والأربعون
حياة الأعراب
وحياة الأعراب حياة تكاد تكون حياة واحدة لا تغير فيها ولا تبدل، فهي على وتيرة واحدة. على تعدد القبائل، وابتعاد مواضع بعضها عن بعض. ذلك لأن الظروف المخيمة عليهم، ظروف واحدة لا اختلاف فيها ولا تبدل. إلا ما كان منها بالنسبة إلى أعراب الضواحي والحواضر، فان ظروفهم تختلف عن هؤلاء، ومجال تفكيرهم أوسع من مجال تفكير الأعراب. بسبب نوع المعيشة المتغير، المتصل بالأرض، وقربهم من الحضر. ولو درسنا حياة القبائل في الجاهلية وج معنا دراستنا من المرويّ عنها في الكتب، وجدنا إن بين الماضي البعيد وبين الحاضر شبهاً في نمط الحياة، وان ما ذكرته عن قبائل الجاهلية يكاد ينطبق على حياة قبائل البادية في وقتنا هذا، ذلك لأن الظروف والمؤثرات بالنسبة إلى حياة الأعراب الممعنين في البادية لا تزال كما كانت عليه. ولكنها سوف لن تبقى على ما هي عليه و إلى أبد الآبدين بالطبع، لأن التقدم الحضاري والاكتشافات المادية، قد آخذت تغزو الأعراب وتضيق الخناق عليهم، لتغير من حالهم. فبعد إن كان البدو قوم غزو، أكرهتهم الحكومات القوية على الابتعاد عن الغزو ونبذه، حتى اضطروا إلى توديعه إن الأبد أو كادوا وصاروا مغزوَّين، تغزوهم الحضارة الحديثة والآليّات بما لا قبل لهم بمقاومته، لتفوق الغزو الجديد عليهم. وهم سيكونون ولا شك بمرور الوقت على شاكلة النصف الآخر من العرب. أي إخوانهم الحضر. يوائمون أنفسهم مع التطور الجديد. وسوف يبدل هذا من حياتهم ولا شك، ومن أهم ما سيفعله فيهم، تحويل حياتهم من حياة غير مرتبطة بالأرض، إلى حياة ترتبط بها ارتباطا. وثيقاً، فتتحول البداوة عندئذ إلى حضارة، وسيشعر الأعرابي عندئذ انه مواطن له ارض ووطن وقوم هم إخوة له يشعرون بشعوره. وأن من يعزل نفسه عن العالم، فلن يعزل بذلك إلا نفسه، ولن يضر إلا بصالحه. وان الإنسان بغير عمل ولا إنتاج، إنسان تافه لا قيمة له. وأن العنتريات و العُبَيّة الجاهلية من جملة مؤخرات الحياة في كل الأزمنة والأوقات.
يتبع
( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق