إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الجمعة، 1 يناير 2016

794 ( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي الفصل الرابع والأربعون مجمل الحالة السياسة في جزيرة العرب عند ظهور الإسلام


794

( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي

الفصل الرابع والأربعون

مجمل الحالة السياسة في جزيرة العرب عند ظهور الإسلام

وتقع إلى الجنوب من ديار "بليّ" ديار "مزينة"، وهي في الشرق من منازل "جهُينة" والى الغرب من ديار "سعد" والى الشمال من بلاد "خزاعة". ويرجع نسب "مُزينة" إلى "مضر". وقد وفد قوم منهم إلى الرسول فيهم "خزاعي بن عبد نهم" فبايع الرسول على قومه مزينة، وقدم معه جماعة من أعيان مزينة منهم" "بلال بن الحارث" و "النعمان بن مقرن" و "عبيد الله ابن بردة"، و "عبد الله بن درة"، و "بشر بن المحتقر". و "خزاعي" هو الذي حمل لواء مزينة يوم الفتح، وكانوا يومئذ ألف رجل، وهو أخو المغفل أبي عبد الله بن المغفل وأخو عبد الله ذي البجادين.

وأما وادي القرى، فهو واد كثرت قراه، لذلك قيل له وادي القرى وأهله عرب ويهود. وهو من المواضع المعروفة بالخصب في جزيرة العرب، وبه عيون وآبار.. لذلك اشتهر بالعمار منذ أيام ما قبل الميلاد. فنزلت به قبائل عديدة، منه قوم ثمود. وقد جلب خصب هذا الوادي أنظار من نزح إليه من اليهود، فحفروا فيه الآبار وأساحوا العيون، وزرعوا فيه النخيل والحبوب، وعقدوا بينهم حلفاً وعقداً. ودفعوا عنه قبائل بليّ بن عمرو بن الحاف بن قضاعة، وغيرهم من القبائل. وعقدوا لهم أحلافاً مع القبائل القوية، لتحميهم ولتدافع عنهم، مقابل جعل سنوي.

وقد غزا الرسول بعد فراغه من خيبر هذا الوادي، فقاتله أهله، ففتحه عنوة، وترك الرسول النخل والأرض في أيدي اليهود، وعاملهم على نحو ما عامل عليه أهل خيبر.

وكانت "فدك" حكومة مستقلة كسائر الواحات والقرى في أعالي الحجاز، أهلها من اليهود، وعليهم في أيام الرسول "يوشع بن نون اليهودي"، واليه ُبعث "مُحيصة بن مسعود" لدعوته ولدعوة قومه إلى الإسلام، وبها قوم من "بنيُ مرّة". وقوم من "بني سعد بن بكر".

وكان أهل خيبر من يهود كذلك، يتحكم فيهم رؤساء منهم، ولهم حصون وآطام تحمي أموالهم ومساكنهم، فتحت في أيام الرسول بسبب معاداة أهلها للإسلام واتفاقهم مع المشركين. وكان يظاهرهم "غطفان". ومن حصونهم "حصن ناعم" و "حصن القموص"، حصن "أبي الحقيق"، و "الوطيح" و "السلالم"، وكان آخر حصون خيبر و "الشق" و "النطاة".

وكاتب الرسول "بني غاديا"، وهم قوم من يهود. وكتب كتاب رسول الله إليهم: "خالد بن سعيد". وكتب "خالد" كتاباً آخر إلى "بني عريض" وهم أيضاً قوم من يهود، حدد لهم الرسول ما افرضه عليهم، يؤدونه لحينه في كل عام.

وكان يهود "بنو قينقاع"، قد تحالفوا مع الأوس والخزرج، تحالفوا مع "عبد الله بن أبي سلول"، كما تحالفوا مع "عبادة بن الصامت"، وكانوا صاغة، ولهم سوق عرف ب "سوق بني قينقاع"، وكانوا أشجع يهود. فلما كانت وقعة "بدر"، اظهروا ميلاً إلى قريش، فحاصرهم الرسول، ثم غلبهم فأجلاهم عن ديارهم ولحقوا بأذرعات ومن منازل "بني لحيان" موضع "غُزّان"، وادٍ بين أمج وُ عسفان إلى بلدّ يقال له "ساية". وهو موضع مرتفع غزاه الرسول غزوته التي عرفت ب "غزوة بني لحيان" في سنة ست للهجرة. وكان بنو لحيان ومن لأفهم من غيرهم قد استجمعوا، فلما بلغهم إقبال الرسول إليهم هربوا، فلم يلق كيداً. واعتصموا في رؤوس الجبال، فلم يقدر منهم على أحد. ولم تستطع السرايا إن تقبض على أحد منهم، فرجع الرسول.

وأقام "القرُطاء"، وهم ". بنو قرط"، "قريط" من "بني. كلاب"، بناحية "ضرية"، فبعث رسول الله عليهم "محمد بن مسلمة"، فاستاقَ إبلاً وغنما منهم، وهرب القرطاء. وقد أرسل الرسول "أبا بكر" لغزو "بني كلاب" بنجد، وذلك سنة سبع للهجرة، وذكر انه غزا "بني فزارة". وأرسل عليهم سنة تسع "الضَحّاك بن سفيان الكلابي"، ومعه "الأصيد بن سلمة بن قرط"، فلقيهم "بالزجّ" موضع بنجد، وتغلب على "القرط".

ولما غزا الرسول غزوة "الأبواء"، وهي غزوة "ودّان"، وكانت أول غزوة غزاها الرسول، وادعه "مخشي بن عمرو الضميري"، وكان سيد "بني ضمير" "بني الضمير" في ذلك الوقت. والأبواء قرية من أعمال "الفرع" من المدينة، بينها وبين "الجحفا" مما يلي المدينة ثلاثة وعشرون ميلاً.

وتقع ديار "بني مدلج" بناحية "ينبع"، ومن أرضهم "ذو العشيرة"، وهو لبني مدلج. وقد غزاهم الرسول غزوته المعروفة ب "ذي العشيرة" على رأس ستة عشر شهراً من مُهاجَره، فوادعهم ووادع حلفاءهم من "بني سمرة". ويظهر إن هذا الموضع إنما سمي ب "ذي العشيرة"، نسبة إلى الصنم "ذو العشيرة"، كان له معبد في هذا المكان، فعرف به.

ومن القبائل التي أقامت على مقربة من مكة "خزاعة"، ومن رجالهم عند ظهورّ الإسلام، "عمرو بن الحمق" الكاهن، صحب النبي وشهد المشاهد مع "علي" وقتله "معاوية" بالجزيرة. وكان رأسه أول رأس نصب في الإسلام. و "عمرو بن سالم الخزاعي"، الذي جاء إلى الرسول يشكو تظاهر "بنو بكر ابن عبد مناة بن كنانة" وقريش على خزاعة، ونكث قريش عهدهم الذي قطعوه للرسول ألا يظاهروا أحداً على خزاعة، فكان ذلك من عوامل فتح مكة.

ومن رجال خزاعة "بديل بن ورقاء بن عبد العُزّى"، شريف كتب إليه النبي يدعوه إلى الإسلام، وكان له قدر في الجاهلية بمكة. ومن بطون خزاعة "بنو المصطلق"، وعرفوا ب "بلمصطلق" أيضاً، وقد كانوا ينزلون ب "المريسيع"، وهو ماء لهم، من ناحية "قديد" إلى الساحل. وقد كان . قائدهم وسيّدهم "الحارث بن أبي ضرار"، أبو "جويرية"، التي تزوجها النبيّ بعد إن خرج إليهم في غزوة "بني المصطلق" من سنة ست. وهم من "خزاعة". وكان "الحارث" قد سار في قومه ومن قدر عليه من العرب، ودعاهم إلى حرب الرسول. فلما وصل الرسول إلى "المريسيع"، تفرق من كان مع الحارث من العرب. وتغلب الرسول على "بني المصطلق" وأخذ منهم أسرى وغنائم، وكانت "جويرية" في جملة من وقع في الأسر فتزوّجها الرسول. ومن بطون خزاعة "بنو الملوّح"، وكانوا ب "الكديد".

وكان في جمله من يقيم بتهامة "بنو جذيمة بن عامر بن عبد مناة"، ومن مياههم "الغميصاء". ولما توفي الرسول تجمعت بتهامة جموع من مدلج، تأشب إليهم شذاذ من خزاعة وأفناء من كنانة، عليهم جندب بن. سلمي، أحد "بني شنوق"، من بني مدلج، فحاربهم "خالد بن أسيد" وشتَت شملهم، وأفلت جندب، ثم ندم على ما صنع.

وكتب الرسول لقوم من "أهل تهامة"" بديل وبسر وسَرَوات بني عمرو، ذكر فيه انه لم يأثم مالهم، ولم يضع في جنبهم، ثم قال لهم: "وان أكرم أهل تهامة عليّ وأقربهم رحماً مني أنتم ومن تبعكم من المطيبين". ثم أخبرهم إن "علقمة بن ثلاثة" قد أسَلم. وأسلم "ابنا هوذة وهاجرا وبايعا على من تبعهم من عكرمة".

وينقل "ابن سعد" صورة كتاب كتبه "أبيّ بن كعب" وجهه "لجماع كانوا في جبل تهامة قد غصبوا المارة من كنانة ومزينة والحكم والقارة ومن اتبعهم من العبيد"، فلما ظهر رسول الله، وقوي أمره، وفد منهم وفد على النبي، فكتب لهم كتاباً جاء فيه: "هذا كتاب من محمد النبي رسول الله لعباد الله العتقاء. انهم إن آمنوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة، فعبدهم حرّ ومولاهم محمد. ومن كان منهم من قبيلة لم يرد إليها. وما كان فيهم من دم أصابوه أو مال أخذوه، فهو لهم. وما كان لهم من دين في الناس رد إليهم، ولا ظلم عليهم ولا عدوان".

ويظهر من مضمون هذا الكتاب، ومن بيان أهل الأخبار عن الذين كانوا قد اعتصموا في جبل تهامة، انهم كانوا من الخارجين على الأعراف، ومن الرقيق الآبق، تجمعوا في هذا المكان المرتفع وتحصنوا وأخذوا يغتصبون منه المارة. وبقوا على ذلك حتى ظهر الرسول على أعدائه، فوجدوا إذ ذاك انهم لن يتمكنوا بعد ظهور الرسول من الاستمرار في التحرش بالمارة والتحرز بهذا الجبل، وان ظروفاً جديدة قد ظهرت، ستؤمن لهم سبل العيش، وان الرسول سيعفو عنهم ويغفر لهم ما وقع منهم قبل الإسلام، فجاؤوا إليه وأسلموا عند. وكتب لهم كتاب أمان بذلك.

ومنازل "كنانة" بتهامة، وهم فيها قبل الإسلام بأمدٍ طويل.

و "علقمة بن علاثة"" هو "علقمة بن علاثة بن عوف بن الأحوص بن جعفر بن كلاب". وهو الذي نافر "عامر بن الطفيل" عند "هرم بن قطبة بن سنان".

وأما "ابنا هوذة" فهما: العدّاء وعمرو ابنا خالد بن هوذة من بني عمرو ابن ربيعة بن عامر بن صعصعة.

وأما "عكرمة"، فعكرمة بن خصفة بن قيس عيلان. وذكر إن مراد الرسول ب "ومن تبعكم من المطيبين"، "بنو هاشم" وبنو زهيرة، وبنو الحارث بن فهر، وتيم بن مرة، وأسد بن عبد العزّى.

وكتب الرسول إلى "العدّاء بن خالد بن هوذة"، ومن تبعه من "عامر ابن عكرمة"، انه "أعطاهم ما بين المصباعة إلى الزّح ولوابة". يعنى لوابة الخرّار. وكتب لهم الكتاب: خالد بن سعيد.

ومن منازل "هذيل" "الرجيع"، وهو ماء لهم. ويقع إلى الشرق من "هذيل" ديار "ضَبّة" وديار "عبد مناة"، وأما في جنوبها فتقع ديار "خثعم" وثقيف، وتمتد ديارها في الشمال حتى تتصل بديار "بني سليم"، ومن "هذيل" "سفيان بن خالد بن نبيح الهذلي"، وكان قد جمع جمعاً ليغزو به الرسول، وكان قد نزل "نخلة" أو "عرنة"، موضع بقرب عرفة، أو قرية بوادي عرفة، فأرسل رسول الله إليه "عبد الله بن أنيس" فقتله. ومن القبائل المجاورة لهذيل: "فهم" و "عدوان" وكانت ديارهم بالسراة.

وممن كتب إليهم الرسول، ودَوّن "ابن سعد" صور كتبه إليهم: "سعيد ابن سفيان الرعلي"، وقد أعطاه الرسول "نخل السوارقية وقصرها، لا يحاقه فيها أحد". وكتب الكتاب وشهد عليه "خالد بن سعيد". و "عتبة بن فرقد"، وقد أعطاه الرسول موضع دار بمكة، يبنيها مما يلي المروة.

على هذا النحوا كان الوضع السياسي في جزيرة العرب عند ظهور الإسلام وفي أوائل أيامه" قوى مستقلة تخشى القبائل المحيطة بها. وأذواء وأقيال في اليمن وحضرموت ورؤساء قبائل يتحكمون في مناطق نفوذ قبائلهم، ويعيشون على ما يأخذونه من أتباعهم من حق الرئيس على المرؤوس في السلم وفي الحرب، وهم فيما بينهم في خصام وتنافس، لم تتركهم الخصومة من الانصراف إلى شؤون رعيتهم، وهم أنفسهم لم يفكروا في الانصراف إلى ذلك. فتدهورت الأحوال، وظهر أفراد ينادون بإصلاح الحال، وبالتفكير في تحسين الأوضاع وبالتعقل. وكان الصراع بين الفرس والروم، قد جسر الأعراب على الدولتين. وأخذت النصرانية ترسل المبشرين إلى العرب، لنشر النصرانية بينهم. وتغلب القلم المتصل الحروف، الذي صار قلم العرب والإسلام على القلم المنفصل الحروف، قلم العرب القدم، القلم المسند. وانتشر في مكة ويثرب. ونادى الأحناف بنبذ الوثنية والأوثان. ونزل الوحي على الرسول في أول العشر الثاني من القرن السابع للميلاد. وظهر الإسلام داعياً العرب وغيرهم إلى الإيمان بإله واحد خالق لهذا الكون. وبرسالة رسوله وبما جاء به من أوامر وأحكام. فكان ظهوره نهاية للجاهلية، وبداية لعهد جديد، عهد الإسلام.

وبظهور الإسلام على أعداثه في جزيرة العرب، وبقضائه على أهل الردة، أوجد لجزيرة العرب وجهاً جديداً. من وجوه الحياة، لم تشهده في حياتها ولم تعرفه. فقد أوجد الإسلام لأهلها موارد غنية من موارد الرزق، وبسط لهم الأرض من الصين إلى المحيط "الاطلانطي" وأخرج سكانها من ديارهم الفقيرة وأنزلهم في ديار غنية كثيرة السكان. وعرفوا بذلك نظماً لم تكن مألوفة عندهم، وأمماً لم يسمع أكثرهم بها، وخرج المؤمنون الأولون والمؤلفة قلوبهم ومن دخل الإسلام وقلبه غير مطمئن به، إلى خارج جزيرة العرب يحكمون باسم الإسلام. حدث كل ذلك في مدة لا تعدّ طويلة بالنسبة إلى ما وقع فيها من أحداث.

فالإسلام، إذن نهاية حياة قديمة، وبداية حياة جديدة، تختلف عن الحياة الأولى كل الاختلاف.


 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق