788
( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي
الفصل الرابع والأربعون
مجمل الحالة السياسة في جزيرة العرب عند ظهور الإسلام
وعرفت ب "كاظمة البحور". وقد أكثر الشعراء من ذكرها. وهي موضع مجهول في الوقت الحاضر، يظن إن مكانه على ساحل الجون المقابل لموضع "الجهرة". ويعرف ذلك الموضع ب "دوحة كاظمة".
وكان على الأبلة وما والاها "قيس بن مسعود بن خالد"، فلما علم بما فعله كسرى بملك الحيرة، تفاوض سراً مع بكر، واتفق معها على مساعدتها. فلما انتهت معركة "ذي قار" لم يجرا كسرى إن يلحق به أذى ما هو في أرضه، فعمد إلى الحيلة للانتقام منه، بأن كتب إليه يطلب منه المجيء لرؤيته. فلما ذهب إليه، قبض عليه وحبسه في قصره بالأنبار أو بساباط. وقد عَدّه أهل الأخبار في المعدودين من "أجواد الجاهلية". ذكروا انه كانت له مائة ناقةُ مُعّدة للأضياف إذا نقصت أتمها. وقد مدحه لذلك الشعراء. وعدّ من "ذوي الآكال". وذكر إن كسرى كان قد أطعمه "الأبلة" وثمانين قرية من قراها.
وكان على اليمامة "هوذة بن علي الحنفي"، وكان ملكاً على دين النصرانية، واليه أرسل رسول الله "سليط بن عمرو" "سليط بن قيس بن عمرو الأنصاري" يدعوه إلى الإسلام. فأرسل "هوذة" وفداً إلى الرسول ليقول له: "إن جعل الأمر له من بعده أسلم، وسار إليه ونصره، وإلا قصد حربه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا، ولا كرامة". ثم مات بعد قليل. وذكر انه كان شاعر قومه وخطيبهم، وكانت له مكانة عند العرب.
وذكر انه كان من "قُرّان" من مواضع اليمامة، وأهلها أفصح بنو حنيفة. وانه كان من وجهاء قومه. وقد نسب على هذه الصورة: "هوذة بن عليّ بن ثمامة بن عمرو الحنفي" من بكر بن وائل. وورد إن تميماً كانت قد قتلت والد "هوذة"، وان هوذة كان يكره بني تميم كرهاً شديداً حتى إن كسرى حين سأله عنهم أجابه: "بيني وبينهم حساء الموت، فهم الذين قتلوا أبي". وورد إن كسرى سأل هوذة عن عيشه وعن ماله، فقال: "أعيش عيشة رغيدة، وأغزو المغازي، واحصل على الغنائم". ولكن الظاهر انه لم يكن كفؤاً لبني تميم. وان ملكه لم يتجاوز حدود اليمامة.
وزعم أهل الأخبار إن "كسرى" تَوَجَّهَ إلى اليمامة، أو انه سمع بجوده وكرمه، فاستدعاه إليه، ولما وجد فيه عقلاً وسياسة" ورجاحة رأي توّجه بتاج من تيجانه، ولذا لقب هوذة ب "صاحب التاج"، وأقطعه أموالاً ب "هجر"، وكان نصرانياً. وقيل إن كسرى دعا بعقد من الدُرّ فعقد على رأسه وكساه قباء ديباج مع كسوة كثيرة، فمن ثم سُميّ هوذة ذا التاج. وذكر إن سبب استدعاء كسرى له، انه أكرم رجال العير التي حملت الطاف وهدايا وأموال "وهرز" التي أرسلها من اليمن إلى "كسرى"، وكانوا قد انتهُبوا حتى لم يبق عندهم شيء، فصاروا إلى "هوذة"، فأكرم مثواهم وآواهم وكساهم: وزَوّدهم وحماهم، وسار معهم إليه، فأكرمه كسرى على النحو المذكور. وقيل إنه لم يكن صاحب تاج، وإنما كان يضع على رأسه إِكليلا رصعه بأحجار ثمينة كأنه التاج تشبها بالملوك.
ويروي أحل الأخبار إن الشاعر الأعشى قال في حق هوذة: له أكاليل بالياقوت فصّـلـهـا صوّاغها لا ترى عيبا ولا طبعا
وذكر انه كان أول معدّيّ لبس التاج، ولم يلبس التاج معديّ غيره.
ويظهر من روايات أهل الأخبار عن يوم الصفقة وعن يوم المشقر، إن نفوذ "هوذة" لم يكن واسعاً بعيداً، بل كان محدوداً بحدود قبيلته، وانه لم يكن في مستوى ملوك الحيرة أو آل غسان، بل كان سيد قومه إِذْ ذاك، حتى انه لما طمع في الجعالة التي كان الفرس يعطونها لمن يتولى خفارة قوافلهم الآتية من اليمن إلى العراق أو الذاهبة من العراق إلى اليمن، ووافق الفرس على إن يعطوه ما أراد، وسار مع القافلة خفيراً لها من "هجر" حتى "نطاع"، وبلغ "بنو سد" ما صنعه "هوذة"، خرجوا عليه وأخذوا ما كان مع الأساورة والقافلة وما معه، وأسروه، حتى اشترى منهم نفسه بثلاثمائة بعير، وقدُ عيرّ في ذلك، وتغنى شاعر "بني سد" بذلك اليوم، الذي سيق فيه هوذة، وهو مقرون اليدين إلى النحر، فلما استلم بنو سعد الإبل المذكورة جاؤوا به إلى اليمامة فأطلقوه.
ويذكر أهل الأخبار إن هوذة سار مع من تبقى من الأساورة وبقية فلول القافلة إلى "كسرى"، ليخبره بما حدث له، وبما فعلت به بنو تميم، ودخل على ملك الفرس فأكرمه، وأمر باسقائه بكأس من ذهب، ثم أعطاه إياه وكساه قباءاً له ديباج منسوج بالذهب واللؤلؤ وقلنسوة قيمتها ثلاثون ألف درهم وحباه ثم عاد إلى بلاده. ولو كان هوذة قد جاء كسرى بخبر انتصار وانقاذ للقافلة جاز لنا أخذ هذا الوصف على محمل الصدق، أما وأن الرواية هي في موضوع هزيمة واندحار، فإن من الصعب،علينا التصديق بها، ولا سيما وان ملوك الفرس كانوا أصحاب غطرسة وكانوا إذا جاءهم أحد بخبر هزيمة قابلوه بالازدراء والتبكيت وبإنزال اللعنات عليه في الغالب. وليس في هذا الموقف ما يدعو إلى اسقاء هوذة بكأس من ذهب.
ويذكر أهل الأخبار إن اليمامة من نجد، وقاعدتها "حجر"، وكانت تسمى "جدا" في الأصل، كما عرفت ب "جو". وذكروا إنها سميت "يمامة" نسبة إلى "اليمامة بنت سهم بن طسم"، وكانت منازل طسم وجديس في هذا المكان. وقد تناولتها الأيدي حتى صارت في أيدي "بني حنيفة" عند ظهور الإسلام في قصص من قصص أهل الأخبار.
واليمامة من الأماكن الخصبة في جزيرة العرب. وبها "وادي حنيفة". وبه مياه ومواضع كانت عامرة ثم خربت، وهي اليوم خراب أو آثار. وقد اشتهرت قراها ومزارعها، وكانت من أهم الأرضين الخاضعة لمملكة كندة. ويظهر إن سيلاً جارفاً أو سيولاً عارمة اكتسحت في الإسلام بعض قراها، فهجرت إذ ترى في هذا اليوم آثار أسس بيوت مبنية من اللبن ومن الطين، يظهر إنها اكتسحت بالسيول وجاءت الرمال فغطتها بغطاء لتستر بقاياها عن رؤية النور. وقد ذكر أهل الأخبار إن اليمامة كانت من "أحسن بلاد الله أرضاً وأكثرها خيراً وشجراً ونخيلاً". وبها مياه كثيرة. وقد عرف أهلها بالنشاط وبالتحضر، وذلك بسبب وجود الماء بها، إذْ أغرى سحر الماء الناس على الإقامة عند مواضع المياه، فنشأت مستوطنات كثيرة. ولا زال أهل اليمامة يعدّون من أنشط سكان المملكة العربية السعودية.
وحدود اليمامة من الشرق البحرين ومن الغرب تنتهي إلى الحجاز، وأما من الشمال فتتصل بواد متصل بالعذيب والضرية والنباج وسائر حدود البصرة وجنوبها بلاد اليمن. هذا على تعريف "ابن رسته". وتبعد "جو" وهي الخضارم من حجر يوماً وليلة. ومن مواضع اليمامة "منفوحة"، وهي قرية مشهورة، كان يسكنها الأعشى، وبها قبره. وهي لبني قيس بن ثعلبة بن عكابة. ومن مواضع اليمامة الأخرى "المعلاة" من قرى "الخرج".
ومن أبرز قبائل اليمامة في أيام الرسول، "بنو حنيفة". و "حنيفة" لقب "أثال بن لجيم بن صعب بن علي بن بكر بن وائل". ويذكر أهل، الأخبار، إن "الأحوى بن عوف" المعروف بجذيمة، لقى أثالاً فضربه فحنفه، فلقب حنيفة. وضربه أثال فحذمه جذيمة. فقال جذيمة: فإن تك خنصري بانت فإني بها حنفَّت حاملتـي أثـال
وقد وفد وفد منهم، فيه "مسيلمة بن حبيب" الذي عرف ب "الكذّاب" لادعائه النبوة، وكان قد طلب من الرسول إن يشركه معه في الأمر. وادعى النبوة، ثم قتل. وكان يسجع السجعات مضاهاة للقرآن. وممن كان في هذا الوفد: "رحال بن عنفوة"، وقد شهد لمسيلمة إن رسول الله أشركه في الأمر فافتن الناس به، و "سلمي بن حنظلة السحيمي" و "طلق بن علي بن قيس" و "حمران بن جابر بن شمر" و "علي بن سنان" و "الأقعس بن مسلمة" و "زيد بن عبد عمرو"، وعلى الوفد "سلمي بن حنظلة".
ويذكر إن "سجاحاً"، وهي "سجاح بنت أوس بن العنبر بن يربوع" التميمية التي تكهنت وادعت النبوة، أتت "مسيلمة الكذّاب"، وهو ب "حجر"، فتزوجته، وجعلت دينها ودينه واحداً. وكان قد اتبعها قوم من "بني تميم" وقوم من أخوالها من "بني تغلب".
ومن "بني حنيفة"، "عُمير" و "قُرين" ابنا "سلمي". وكان "عمير" أوفى العرب، قبل أخاه "قرينا" بقتيل قتله من جيرانه. ومنهم "مجاعة بن مرارة بن سلمي"، وكان رسول الله قد أقطعه "الغورة" و "غرابة" و "الحبل"، ثم أقطعه "أبو بكر" "الخضرمة" ثم أقطعه "عمر" "الرياء"، ثم أقطعه "عثمان" قطيعة أخرى.
ومن رجال اليمامة "محكم بن الطفيل بن سبيع" الذي يقال له "محكم اليمامة"، وقد ارتد وقتل مع من قتل من المرتدين.
ومن قبائل اليمامة: بنو باهلة بن أعصر، وبنو نمير وأحياء من تميم. واستقرت بطون من بكر وعنزة وضبيعة في القسم الشرقي من اليمامة حتى البحرين، واتصلت منازل بطون منها بالعراق. كما كان بها "بنو هزان"، وهم من قطنة اليمامة القدامى: إذْ في أهل الأخبار يرجعون تأريخهم بها إلى أيام طسم، أي إلى أيام العرب العاربة أو العرب البائدة الأولى. والظاهر إن أهل الأخبار قد حاروا في أمر "هزان". فجعلوهم من العرب البائدة ودعاهم الهمداني ب "هزان الأولى"، وجعلوهم من اليمن ونسبوهم إلى "قحطان" وجعلوهم من "معدّ". وهم الذين بقوا في ديارهم اليمامة إلى الإسلام وفي الإسلام. ويظهر من روايات أهل الأخبار، انهم قصدوا قبائل مختلفة لا قبيلة واحدة هي "هزان" التي طلت باقية ولها بقية في اليمامة حتى اليوم. ولكننا نستبعد كون القبائل الثلاث قبيلة واحدة في الأصل. بدليل إن أهل الأخبار يذكرون إن هزان اليمانية الأصل كانت تقيم في اليمامة، وان هزان "معدّ" هم من أهل اليمامة أيضاً، أي إن مواطن القبيلتين واحدة، بل إن منهم من يرجع مواطن هزان الأولى إلى اليمامة كذلك. وهذا ما يحملنا علي القول إن الهزانيين كلهم من قبيلة واحدة، بقيت فروعها في مواطنها القديمة اليمامة حتى اليوم. ولا قيمة لما يرويه أهل الأنساب من سرد نسب كل قبيلة من القبائل الثلاث إلى العرب البائدة أو إلى العرب العاربة أو إلى العرب المستعربة.
والظاهر إن "بني حنيفة" ضغطوا على الهزانيين، فاغتصبوا معظم أرضهم باليمامة، فقل بذلك شأنهم، وصاروا دون "بني حنيفه" في القوة. ومن "بني هزان" تزوج الأعشى، ثم أكرهوه على تطليقها، فطلقها حين ضربوه، وأصروا عليه بلزوم تخليه عنها ففعل، فقال في ذلك شعراً، رواه الرواة. ومنهم نفر أسروا "الحارث بن ظالم المرّيّ"، ولم يكرنوا يعرفونه، وظنوه صعلوكاً، ثم باعوه إلى نفر من القيسيين بزق خمر وشاة، وقيل من بني سعد. ومنهم كان قاتل حيان برت عتبة بن جعفر بن كلاب. وهو المعروف بصاحب الرداع.
ومن مواطن "هزان" العلاة، وهو جبل من جبال اليمامة، وبرك، ونعام، وشهوان، وماوان، والمجازة. ويلاحظ إن أخلاطاً من قبائل أخرى جاورت "بني هزان"، وسكنت معهم. منهم "بنو جرم" و "بنو جشم"، و "الحارث بن لؤي بن غالب بن فهر" من قريش، و "ربيعة" وهم من اليمن.
وأما منازل طيء عند ظهور الإسلام فجبلا طيء: أجأ وسلمى. غير إن هناك بطوناً من طيء كانت قد انتشرت في أماكن أخرى، فنزلت في العراق وفي بلاد الشام وفي أماكن أخرى في جزيرة العرب.
وطيء من القبائل التي كان لها شأن كبير قبل الإسلام. ولعلّها كانت من أشهرها وأعرفها قبيل الميلاد وفي القرون الأولى للميلاد. بدليل إطلاق السريان كلمة "طيايا" على كل العرب، من أي قبيلة كانوا. أي إنها استعملت عندهم بمعنى "عرب"، وأصلها من اسم القبيلة التي نتحدث عنها وهي قبيلة "طيء".
ولم تكن طيء متصافية فيما بينها متحابة، فوقعت بين عشائرها حروب، حتى تداخل "الحارث بن جبلة" الغساني فيما بينها، فأصلح حالها، فلما ترك عادت إلى حربها، فالتقت جديلة وغوث بموضع تحاربت فيه، قتل فيه قائد بني جديلة، وهو أسبع بن عمرو بن لأم، وأخذ رجل من سنبس أذنيه فخصف بهما نعليه، فعظم ما صنعت الغوث على أوس بن خالد بن لأم، وعزم على لقاء الغوث بنفسه، وحلف ألا يرجع عن طيء حتى ينزل معها جبليها أجأ وسلمى، وتجبى له أهلها، وكان لم يشهد الحروب المتقدمة، لا هو ولا أحد من رؤساء طيء، كحاتم، وزيد الخيل، وغيرهم من الرؤساء. فلما اقبلت جديلة وعلى رأسها أوس بن حارثة بن لأم، وبلغ الغوث جمع أوسٍ لها، أوقدت ناراً على ذروة أجأ، وذلك في أول يوم توقد فيه النار، فأقبلت قبائل الغوث، كل قبيلة وعليها رئيسها، ومنهم زيد الخنيل، وحاتم، وتلاحمت بجديلة في يوم اليحاميم ويعرف أيضاً بقارات حوق، الذي انتهى بهزيمة منكرة حلت بجدية، فلم تبق لها بقية للحرب، فدخلت بلاد كلب، وحالفتهم وأقامت معهم.
وكان سيد طيء في أيام الرسول، "زيد الخيل بن مهلهل الطائي". وهو ممن قدم على الرسول في وفد طيء. وقد قطع له الرسول فيداً وأرضين معه، وكتب له بذلك، ولكنه توفي في موضع يقال له "فردة". من بلاد نجد من حمى علقت به أثناء أقامته بيثرب، فلم يبلغ مكانه. وقد مدحه الرسول وأثنى عليه. و "زيد الخيل" الذي سمّاه الرسول "زيد الخير"، هو من "بني نبهان" من "طيء". وكأن في الوفد رجال آخرون منهم: "وزر بن جابر ابن سدوس" من "بني نبهان"، و "قبيصة بن الأسود بن عامر" من "جرم طيء"، و "مالك بن عبد الله بن خيبري" من "بني معن"، و "قعُين ابن خليف بن جديلة".
ومن "طيء" الرجل الذي ضرب بجدوه المثل، والذي لا زال الناس يذكرون اسمه على انه المثل الأعلى في الكرم، وهو "حاتم الطائي". مقري الضيوف ومغيث الفقراء. فمدحه لجوده الشعراء" عبيد بن الابرص والنابغة الذبياني وبشر ابن أبي حازم وغيرهم. وكان مضربه ملجأ للمحتاجين ولمن يسلك الطريق يريد "الحيرة". ونظراً لجوده وكرمه هابته العرب وصارت له دالة ومكانة عند ملوك الحيرة وعند آل غسان. وذكر انه "إذا أسر اطلق. ومرّ في سفره على عنزة وفيهم أسير، فاستغاث به الأسير، ولم يحضره فكاكه فاشتراه من العنزيين، وأقام مكانه في القدّ حتى أدي فداؤه.
وقد توفي "حاتم الطائي" قبل الإسلام، وانتقلت رئاسة طيء منه إلى ابنه "عدي بن حاتم طيء"، وكان نصرانياً يسير في قومه بالمرباع، وكان بمثابة الملك فهم، فلما جاءت خيل الرسول سنة تسعٍ بلاد طيء، قرر اللحوق بأهل دينه من النصارى بالشام، ثم ترك الشام ولحق بالمدينة فأسلم وأكرمه الرسول. وعينه الرسول على صدقة طيء وأسد.
وذكر إن "عمرو بن المسبح بن كعب بن عمرو بن عصر بن غنم"، الذي كان أرمى العرب، وهو الذي ذكره "امرؤ القيس" في شعاره وأشار إليه، هو من "طيء"، كان قد أدرك الرسول، ووفد عليه.
وقد وقع بين طيء نزاع أدى إلى وقوع حروب وأيام بينها، ومن بينها يوم عرف ب "يوم اليحاميم". وقد كان "الحارث بن جبلة الغساني" قد اصلح بين قبائلها، فلما هلك عادت إلى حروبها. فالتقت جديلة والغوث، فقيل "أسبع ابن عمرو بن لأم"، وهو من جديلة وقائدها، قتل في موضع يقال له "غرثان"، وأخذ رجل من "سنبس" أذنيه فخصف بهما نعليه، فغضبت "بنو جديلة"، واقسم "أوس بن خالد بن لأم" على الانتقام من "الغوث" ومنهم "بنو سنبس"، وأخذ في حشد قومه "جديلة"، وبلغ الغوث ذلك، فأوقدت النار على "اجأ"، فأقبلت قبائل الغوث، وعلى رأسها ساداتها ومنهم "زيد الخيل" و "حاتم الطائي"، ووقع القتال بين جديلة والغوث في موضع يقال له "قارات حوق"، فانهزمت جديلة، وقتل فيها ابرح القتل، حتى لم تبق لها بقية للحرب، فدخلت بلاد كلب وحالفوا كلباً وأقاموا معهم. وعرف هذا اليوم ب "يوم اليحاميم".
وكتب الرسول كتباً إلى جماعة من "طيء". منهم "بنو معاوية بن جرول و "عامر بن الأسود بن عامر بن جوين الطائي"، وجماعة من "بتي جوين"، و "لبني معن" الطائيين.
وتقع إلى الشرق من ديار "طيء" منازل "أسد". والى الشمال من ديار أسد منازل "بكر"، وإما إلى الجنوب من منازل "أسد" فديار "هوازن" و "غطفان". وتتاخم ديار أسد من الشرق قبائل "عبد القيس" و "تميم".
ولما أخذت الوفود تترى على المدينة لمبايعة الرسول والدخول في الإسلام، كان وفد "أسد" في جملة الوفود التي بايعت الرسول ودخلت في الإسلام، وذلك سنة تسع للهجرة. وكان فيه "حضرمي بن عامر" و "ضرار بن الأزور" و "وابصة ابن معبد" و"قتادة بن القايف" و "سلمة بن حبيش" و "طلحة بن خويلد" و "نقادة بن عبد الله بن خلف"، ومعهم قوم من "بني الزنية" وهم من "مالك بن مالك بن ثعلبة بن دودان بن اسد".
وكتب رسول الله كتاباً إلى "بني أسد" كتبه له "خالد بن سعيد"، ورد فيه: "الا يقربن مياه طيء وأرضهم فانه لا تحل لهم مياههم ولا يلجن أرضهم من اولجوا. وأمر عليهم "قضاعي بن عمرو" وهو من "بني عذر"، بأن جعله عاملا عليهم. وكتب الرسول إلى "حصين بن نضلة الأسدي" "إن له اراما وكسة، لا يحاقه فيها احد".
ومن ديار "بني أسد بن خزيمة"، "قطن"، وهو جبل بناحية "فيد" به ماء. وأمر الرسول "ابا سلمة بن عبد الأسد المخزومي" بغزوه، لما بلغه إن "طليحة" و "سلمة" ابني "خويلد" قد سارا في قومهما ومن أطاعهما يدعوانهم إلى حرب الرسول، فذهب إلى "قطن"، ثم عاد، ومعه إبلٌ وشاء.
وتقع إلى الشمال الغربي من ديار "طيء"، ديار "بكر"، وهى "بكر ابن وائل". وهي قبائل ضخمة ذات فروع عديدة، سكنت في مواضع عديدة أخرى غير هذه المواضع.
وذكر في خبر فتوح السواد، إن "المثنى بن حارثة الشيباني" كان يغير على السواد، فبلغ "أبا بكر" خبره، فسأل عنه، فقال له قيس بن عاصم بن سنان المنقري: هذا رجل غير خامل الذكر، ولا مجهول النسب، وأثنى عليه. ثم إن المثنى قدم على "أبي بكر"، فقال له: يا خليفة رسول الله، استعملني على من اسلم من قومي اقاتل هذه الأعاجم من أهل فارس، فكتب له أبو بكر في ذلك عهداً، فسار حتى نزل "خفان" ودعا فيه إلى الإسلام فأسلموا. ثم إن ابا بكر أمر "خالد بن الوليد" بالمسير إلى العراق، وكتب إلى "المثنى بن حارثة" يأمره بالسمع والطاعة له وتلقيه. وكان "مذعور بن عدي العجلي"، قد كتب إلى أبي بكر يعلمه حاله وحال قومه ويسأله توليته قتال الفرس، فكتب إليه يأمره إن ينضم إلى خالد ويسمع له بالطاعة.
و "خفان" مأسدة وموضع أشبّ الغياض كثير الأسد، أو اجمة قرب "الكوفة".
يتبع
( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق