785
( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي
الفصل الرابع والأربعون
مجمل الحالة السياسة في جزيرة العرب عند ظهور الإسلام
وقد منيت الانبراطورية البيزنطية بانتكاسات عديدة بعد وفاة "يوسطنبان"، فاشتدّ الاضطهاد للمذاهب المخالفة للمذهب الارثودكسي، وعادت الفوضى إلى الحكومة بعد أن سعى القيصر الراحل في القضاء عليها، وتجددت الحروب بين البيزنطيين والساسانيين، وعاد الناس يقاسون الشدائد بعد فترة من الراحة لم تدم طويلا. وبعد حروب ممتتالية دخل الساسانيون بلاد الشام. وفي سنة "614 م"، احتل اتباع ديانة زرادشت عاصمة النصرانية القدس، فأصيبت المدينة بخسائر كبيرة في أبنيتها التأريخية وفي ثروتها الفينة التي لا تقدر بثمن. ثم أصيبت. الانبراطورية بنكبة عظيمة جداً هي استيلاء الفرس على مصر، وبلوغ جيوش الساسانيين في هذه الأثناء للساحل المقابل للقسطنطينية عاصمة الانبراطورية.
لقد وقعت هذه الأحداث ونزلت هذه الهزائم بالروم في وقت كان أمر الله قد نزل فيه على الرسول بلزوم إبلاغ رسالته للناس. والرسول إذ ذاك بمكة، يدعو أهلها إلى دين الله. فلما جاء الخبر بظهور فارس على الروم، فرح المشركون، وكانوا يحبون إن يظهر أهل فارس على الروم لأنهم وإياهم أهل أوثان. وكان المسلمون محبون إن تظهر الروم على فارس لأنهم أهل كتاب. قلقي المشركون أصحاب النبي، فقالوا: إنكم أهل كتاب والنصارى أهل كتاب، ونحن اميون. وقد ظهر إخواننا من أهل فارس على إخوانكم من أهل الكتاب، وأنكم إن قاتلتمونا لنظهرن عليكم، فأنزل الله" )الم غُلبت الروم. في أدنى الأرض، وهم من بعد غَلبهم سيغلبون. في بضع سنين لله الأمر من قبل ومن بعد. ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله؛ ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم(. وفرح المسلمون بنزول هذه الآيات المقوية للعزيمة وأيقنوا إن النصر لا بد آت، وانهم سينتصرون على أهل مكة أيضاً ويغلبونهم بأذن الله. وخرج أبو بكرً إلى الكفّار فقال: أفرحتم بظهور إخوانكم على إخواننا. فلا تفرحوا ولا يقرّنّ الله أعيكنم، فوالله ليَظهرن الروم على فارس أخبرنا بذلك نبينا، صلى الله عليه وسلم، فقام إليه أبيّ بن خلف. فقال: كذبت يا أبا فضل. فقال له أبو بكر، رضي الله عنه: أنت أكذب يا عدوّ الله. فقال أناحبك على عشر قلائص مني وعشر قلائص منك، فإن ظهرت الروم على فارس غرمت، وإن ظهرت فارس على الروم غرمت إلى ثلاث سنين. ثم جاء أبو بكر إلى النبي، صلى الله عليه وسلم، فأخبره، فقال: ما هكذا ذكرت إنما البِضع ما بين الثلاث إلى التسع، فزايد.ه في الخطر ومادَّه في الأجل. فخرج أبو بكر فلقي أبياً، فقال: لعلك ندمت? فقال لا. نقال: أزايدك في الخطر وأمادك الأجل، فاجعلها مائة قلوص لمائة قلوص إلى تسع سنين. قال قد فعلت".
لقد وقعت هذه الهزائم الحربية الكبيرة في عهد القيصر "هرقل" "Heraclius" "610-641 م". ففي عهده، اقتطعت بلاد الشام ومصر من جسم الانبراطورية، وهي أعضاء رئيسية في ذلك الجسم. غير إن طالع هذا القيصر لم يلبث إن تحسن بعد سنين من النحسى، فاستعاد تلك الأملاك في المعارك التي نشبت بين سنة 622 وسنة 628 م. في هذه الفترة نال هرقل أعظم نصر له في ثلاث معارك كبيرة. ولكن نصره الأكبر جاءه يوم قتل "كسرى أبرويز" صاحب هذه الفتوحات بيد ابنه "شيرويه"، فورد طائر السعد على القيصر بهذا الخبر المفرح، ثم تحققت البشرى بالصلح الذي عقد بين القيصر وبين "شيرويه". وفيه نزل الفرس عن كل ما غنموه، ورضوا بالرجوع إلى حدودهم القديمة قبل الفتح. فعادت الشام وفلسطين ومصر إلى، البيزنطيين، وأعيد الصليب المقدس إلى موضعه في القدس في موكب حافل عظيم.
وسُر المسلمون وهم بالمدينة بانتصار الروم على الفرس، وزاد أملهم في قرب مجيء اليوم الذي ينتصر فيه المسلمون على المشركين، وقويت عزيمتهم في التغلب على قريش. "وأسلم عند ذاك ناس كثير". وتضعضت معنويات قريش، وغلب "أبو بكر" أبيّاً" على الرهان، وكسبه، أخذه من ورئته، لأنه كان قد توفي من جرح أصيب به، فلم يدرك زمن طرد من تعصب له من بلاد. الشام وخسارته الإبل التي تراهن عليها.
وشاء ربك ألا يكون النصر في هذه المرة لا للروم ولا للفرس، بل للمسلمين. وشاء ألا يبقى الروم في بلاد الشام إلا قليلاً، إلا سين، إذْ تهاوت مدن بلاد الشام ثم مصر فشمال إفريقية، الواحدة بعد الأخرى، في أيدي أناس لم يخطر ببال الروم أبداً انهم سيكونون شيئاً ذا خطر في هذا العالم، أعني بهم أبناء مكة ويثرب ومن تبعهم من، أهل جزيرة العرب. تهاوت بسرعّة عجيبة لا تكاد تصدق، وبطريقة تشبه المعجزات. وقد بدأ هذا الانهيار بكتاب يذكر أهل السَير والأخبار إن الرسول أرسله إلى "هرقل عظيم الروم"، يدعوه فيه إلى الإسلام، فإن أبى وبقي على دينه فعليه تبعته، فلما لم يسلم، جاءه الإنذار، قوات صغيرة لا تكاد تكون شيئاً بالنسبة إلى جيوش الروم الضخمة، أخذت تُمَهد الطريق لنشر الأيمان في بلاد رفض حكامها الدخول فيه. طهرت الأرض الموصلة إلى الحدود من المخالفين، ثم أخذت تتحرش ببلاد الشام، ولم يأخذ الروم ذلك التحرش مأخذاً جدّياً، اذ تصوّروه غزواً من غزو العرب المألوف يمكن القضاء عليه بتحريك عرب بلاد الشام من الغساسنة ومن لّفّ لفهم عليهم، أو بإرشاء رؤسائهم بالهدايا والمال وتنصبهم ملوكاً على عرب بلاد الشام في موضع الغساسنة كما كانوا يفعلون مع القبائل القوية الكبيرة التي كانت تتحرش بالحدود، وينتهي بذلك الغزو وتصفو الأمور.
ولم يعلم البيزنطيون أن المسلمين يختلفون عن الجاهليين، يختلفون عنهم في أن لهم عقيدة ورسالة، وأن من يسقط منهم يسقط شهيداً في سبيل إعلاء كلمة ربّه، وله الجنة، وأن من يعيش منهم وينجو فلن يركن إلى الدعة والحياة الهادئة والرجوع إلى البادية بل لا بد له من أحد أمرين: إما نصر حاسم، وإما موت شريف في سبيل الله ورسوله. وبقوا في جهلهم هذا إلى أن نبهتهم الضربات العنيفة التي وقعت بينهم وبين العرب في "أجنادين" "Gabatha" وفي "اليرموك" "Hieromax" بان المعارك التي وقعت ليست غزواً من الغزو المألوف، بل خطة مهيأة لطرد الروم الذين لا يؤمنون برسالة الرسول من كل بلاد الشام وما ورائها من أرضين، وعندئذ جمعوا جموعهم، وألفوا قلوب "العرب المستعربة، أي العرب النصارى القاطنين في بلاد الشام، بالمال وباسم الدين، وجعلوهم معهم وتحت قيادتهم في جيوشهم الضخمة لمقابلة المسلمين الذين لم يعرفوا الحروب الكبيرة، ذات المعدد الضخم من المحاربين، والأسلحة المتنوعة الحديثة، بالنسبة إلى أسلحتهم المكوّنة من سيوف وسهام ورماح وحجارة وخناجر. وهنا وقعت غلطة فنية حربية أخرى من الروم، اذ قابلوا المسلمين بجيوش ضخمه، يسيرها قوّاد كبار تعودوا الحرب بأساليبها النظامية وبالطرق المدرسية الموروثة عن الرومان،وتزوّدوا بالخبرة الفنية العالية التي كسبوها من حروبهم مع الفرس ومع الأوربيين، فظنوا إن الحرب مع المسلمين شيئاً بسيطاً، بل ابسط من البسيط، حتى أن كبار القادة وجدوا أن من المهانة الاهتمام بأمر أولئك البدو الغزاة، فتركوا الأمر لمن دونهم في الدرجات يديرونها مع العرب، الذين أظهروا ذكاءاً فطريّا عظيماً في هذه الحروب، بتجنبهم الالتحام بالجيوش، اذ لا قبل لهم بمقاتلتها، وباتخاذهم خطة المناوشات والكرّ والفرّ بقوات غير كبيرة العدد، وبذلك تتوفر لهم السرعة في العمل ومباغتة الجيوش الضخمة من ورائها ومن مجنباتها، وبغزو خاطف كالبرق يلقي الفزع في القلوب. وبذلك أفسدوا على الروم خطتهم بالهجوم على العربْ، بجيوش نظامية كبيرةُ مدرّبة على القتال يكون في حكم المحال بالنسبة للعرب الوقوف أمامها لو أنهم حاربوهم حربهم، ووقفوا أمامهم وجهاً لوجه. وبركون العرب إلى هذه الخطة المبتكرة، وبمعاملتهم من خضع لهم واستسلم لأمرهم معاملة حسنة، وبتحريض "العرب المستعربة"، "العرب المتنصّرة"، وسكان، بلاد الشام من غير الروم، بل ومن الروم على الانضمام إليهم، غلبوا البيزنطيين، وحصلوا ما حصلوا عليه من أرضين.
وعند ظهور الإسلام كانت اليمن في حكم الساسانيين كما رأينا، غير أن حكمهم لم يكن في الواقع حكماً تاماً فعلياً.، بل كان حكماء شكلياً اسمياً، محصوراً في صنعاء وما والاها. أما الأطراف والمدن الأخرى. فكان الحكم فيها لسادات اليمن من حضر ومن أهل وبر. وهو حكم نسمّيه حكم "أصحاب الجاه والنفوذ". وقد شاء بعض منهم أن يظهر نفسه بمظهر الملوك المنفردين بالحكم والسلطان والجاه، فلقبوا أنفسهم بلقب "ملك" وحملوه افتخاراً واعتزازاً، ولم يكن أولئك الملوك ملوكاً بالمعنى المفهوم، إنما كانوا سادات ارض وقبائل، جَمَّلوا أنفسهم بالقاب الملك.
فقد نعتت كتب التواريخ والسير سادات حمير في أيام الرسول: الحارث بن عبد كلال، وشريح بن عبد كلال، ونعيم بن عبد كلال، و "النعمان قيل ذي رعين وهمدان ومعافر"، و "زرعة ذو يزن" "زرعة بن ذي يزن" ب "ملوك حمير"، وذكرت أنهم أرسلوا إلى الرسول رسولاً يحل إليه كتاباً منهم يخبرونه فيه بإسلامهم، وقد وصل إليه مَقفله من تبوك، ولقيه بالمدينة، فكتبّ الرسول إليهم جوابه، شرح لهم فيه ما لهم وما عليهم، وما يجب عليه مراعاة من إحكام. ويذكر "ابن سعد" أن هذا الرسول هو "مالك بئ مُرارة الرهاوي" "مالك بن مرة الرهاوي"، وقد وصل المدينة في شهر رمضان سنة تسع، وذلك بعد رجوعه من أرض الروم.
ودَوّن "ابن سعد" صورة كتاب ذكر أن الرسول أرسله إلى "الحارث" و "مسروح" و "نعيم" أبناء "عبد كلال" من حمير. حمله إليهم "عياش ابن أبي ربيعة المخزومي". وأوصاه بوصايا ليوصي بها أبناء "عبد كلال" إن أسلموا. منها أنهم إذا رطنوا "فقل ترجموا"، حتى يفقه كلامهم. وإذا أسلموا، فليأخذ "قضبهم الثلاثة التي إذا حضروا بها سجدوا. وهي من الأئل قضيب ملمع ببياض وصفرة، وقضيب ذو عجر كأنه خبزران، والأسود البهيم كأنه من ساسم. ثم أخرجها فحرّقها بسوقهم. فذهب إليهم ووجدهم في دار. ذات ستور عظام على أبواب دور ثلاثة. فكشف الستر ودخل الباب الأوسط، وانتهى إلى قوم في قاعة الدار. ففعل بمثل ما أمره به الرسول.
ويظهر من قوله: "فاذا رطنوا فقل ترجموا"، أنهم لم يكونوا يحسنون عربية أهل مكة. وأنهم كانوا يتكلمون فيما بينهم بلهجاتهم الخاصة بهم. وأن معنى تحريق القضب الثلاثة، هدم ما كان لهم من عزة وسلطان وتكبر على الرعية، لأن الإسلام قد أمر باجتثات ذلك. وبان يكون الحكم للرسول وحده. ولما كانت تلك القضب رمزاً للحكم والسلطان، وقد جعل الإسلام الحكم للرسول وحده، هذا أمر الرسول بكسر تلك القضب، وفي كسرها أشعار لهم بأن حكمهم القديم قد زال عنهم، وأن الحكم الآن للرسول.
ويظهر من نص الكتاب الذي وجهه الرسول إلى "زرعة بن ذي يزن"، وفيه: "إما بعد، فإن محمداً يشهد أن لا إله إلا الله وأنه عبده ورسوله، ثم إن مالك بن مرة الرهاوي قد حدثني أنك أسلمت من أول حمير، وقتلت المشركين... الخ"، أن "زرعة" هذا كان رأس حمير، والمطاع فيها، وهذا أرسل إليه رسولاً خاصاً به هو "مالك بن مرة الرهاوي"، واستلم جواباً خاصاً من الرسول كتب باسمه، ولم يذكر اسمه في الجواب الذي أرسله إلى الباقين بصورة مشتركة.
وذكر "ابن سعد" أن رسول الله كتب كتاباً إلى "بني عمرو" من حمير، ولم يذكر من هم "بنو عمرو"، وأشار إلى أن في الكتاب: "وكتب خالد ابن سعيد بن العاصي"، ما يدل على أنه كان كاتب ذلك الكتاب. ويشير "ابن سعد" أيضاً إلى إن الرسول أرسل "جرير بن عبد الله البجلي" إلى "ذي الكلاع بن ناكور بن حبيب بن مالك بن حسان بن تبع" والى "ذي عمرو"، يدعوهما إلى الإسلام، فأسلما وأسلفت "ضريبة بنت ابرهة بن الصباح" امرأة "ذي الكلاع". وتوفي رسول الله، وجرير عندهم، فأخبره "ذو عمر" بوفاته.
ويشير نسب "ذو الكلاع" المذكور. إلى انه من الأسرة التي كانت تحكم اليمن قبيل غزو الحبش لها. فهو من الأسر الشريفة الحميرية في اليمن. وقد عرف ب "ذي الكلاع الأصغر" عند أهل الأخبار تمييزاً له عن "ذي الكلاع الأكبر" الذي هو في عرفهم "يزيد بن النعمان الحميري" من ولد "شهال بن وحاظة بن سعد بن عوف بن عدي بن ماللت بن زيد بن شدد بن زرعة بن سبأ الأصغر".
وأما صاحبنا "ذو الكلاع" الأصغر التي راسله الرسول، وأسلم فهو أبو"شراحيل سميفع بن ناكور بن عمرو بن يعفر بن ذي الكلاع الأكبر". قال أهل الأخبار" والتكلع الخلف "وبه سُمىِّ فو الكلاع الأصغر، لأن حمير تكلَّعوا على يد. أي تجمعوا، إلا قبيلتين" هوازن وحراز، فانهما تكلعتا على ذي الكلاع الأكبر" يزيد بن النعمان".
وذكر نسب "ذو الكلاع الأصغر" على هذا الشكل: "سميع بن ناكور ابن عمرو بن يعفر بن يزيد بن النعمان الحميري". و "يزيد" هذا هو "ذو الكلاع الأكبر". وذكر إن "أبا شراحيل" هو الرئيس في قومه المطاع المتبوع، أسلم في حياة النبي، فكتب إليه النبي على يد جرير بن عبد الله البجلي كتاباً في التعاون عل الأسود ومسيلمة وطليحة. وكان القائم بأمر معاوية في حرب صفير. وقتل قبل انقضاء الحرب، فقرح معاوية بموته، وذلك انه بلغه إن "ذا الكلاع" ثبت عنده إن عليّاً بريء من دم عثمان، وان معاوية لبسَّ عليهم ذلك، فأراد التشتيت عليه فعاجلته منيته بصفين وذلك سنة سبع وثلاثين.
ويكون "ذو الكلاع" الأصغر، قد تزوج بنتاً من بنات أبرهة هي "ضريبة".
ونسب إلى النابغة قوله: أتانا بالنجاشة مجلـبـوهـا وكندة تحت راية ذي الكلاع
يريد تميماً وأسداً وطيّاً اجلبوا الجيش على بني عامر مع أبي يكسوم وذو الكلاع كان معه أيضاً.
وذكر إن رسول الله كتب إلى "معد يكرب بن أبرهة" إن له ما أسلم عليه من أرض خولان. ولم يشر "ابن سعد" إلى بقية اسم أبرهة أو إلى شهرته، ذلك لا ندري إذا كان قصد "أبرهة" المعروف، أم شخصاً آخر اسمه "أبرهة". ولكننا نعرف اسم قبل عرف ب "معد يكرب" اسم والده "أبو مرة الفياض" ذو يزن، كان متزوجاً من "ريحانة" ابنة "ذي جدن"، فولدت له "سعد يكرب" المذكور. ثم انتزعها منه "الأشرم"، ونشأ. "معد يكرب" مع أمه "ريحانة" في حجر "أبرهة"، فلعلّه نسب إليه، لذلك قال له "ابن سعد" "معد يكرب بن أبرهة".
وكان للفرس وللجيل الجديد الذي ظهر في اليمن من تزاوجهم باليمانيين، وهو الجيل الذي عرف ب "الأبناء" نفوذ كبير في اليمن، وقد تحدثت عنه في الجزء السابق من هذا الكتاب. والى هذا الجيل أرسل الرسول "وبر بنُ يُحنس"، يدعوه إلى الإسلام، فنزل على بنات "النعمان بن بزرج" فأسلمن، وبعث إلى فيروز الديلمي فأسلم، والى مركبود وعطاء ابنه، ووهب بن منبه. وكان أول من جمع القرآن بصنعاء ابنه عطاء بن مركبود ووهب بن منبه.
وقد كان الفرس الذين أقاموا باليمن مثل سائر الفرس على المجوسية، ولما دخل أهل اليمن في الإسلام دخل بعض هؤلاء فيه. وأقام بعض آخر على دينه، وفرض الرسول على من بقي على دينه جزية. وقد نفر منهم بعض سادات اليمن من الأسر القديمة، بسبب انهم غرباء عن اليمن، جاؤوا إلى اليمن فحكموها، ولهذا انضم بعض منهم إلى "الأسود" في ردّته. لأن "الأسود العنسي"، كان كارهاً الأبناء، حاقداً عليهم. يرى انهم عصابة دخيلة، استأثرت بحكم اليمن. وقد شاءت الأقدار إن تكون نهايته بأيديهم. إذْ كان قاتله منهم فكأن قلبه كان يعلم بما سيفعلونه به، ولهذا كرههم.
وكانت الأزد من القبائل المعروفة في اليمن، وقد جاء وفد منهم إلى الرسول على رأسه "صرد بن عبد الله" في بضعة عشر، فأسلم، وأمره إن يجاهد بمن أسلم من أهل بيته المشركين من قبائل اليمن، وكان أول ما فعله انه حاصر "جرش"، وكانت قد تحصنت وضوت إليها خثعم، فلما وجد إن من العسر عليه فتحها إ القوة آوى إلى جبل "كشر"، فظن أهل جرش، انه إنما ولى عنهم منهزماً، فخرجوا في طلبه، حتى إذا أدركوه عطف عليهم فقتلهم قتلاً. ثم أسلم من نجا منهم. وحمى الرسول لهم حمى حول قريتهم على أعلام معلومة للفرس، وللراحلة، وللمثيرة تثير الحرث، فمن رعاها من الناس سوى ذلك فماله سحت.
وكتب الرسول كتاباً إلى "خالد بن ضباد الأردي" إن له ما أسلم عليه من أرضه، وكان كاتب كتابه "أبيَّ". وكتب مثل ذلك لجنادة الأزدي وقومه، وكان كاتب هذا الكتاب "أبيَّ" كذلك. وكتب الرسول إلى "أبي ظبيان الأزدي" من "غامد" يدعوه ويدعو قومه إلى الإسلام. فأجابه في نفر من قومه بمكة. وكانت لأبي ظبيان صحبة، وأدرك عمر بن الخطاب.
وذكر إن "ضماد بن ثعلبة" الأزدي، كان صديقاً للرسول في الجاهلية، وكان يتطبب ويرقي من هذه الرياح، ويطلب العلم، فقدم مكة قبل الهجرة، واجتمع بالرسول وكلّمه، ثم أسلم. وهو من "أزد شنوءة".
ونجد "ابن سعد" يدوّن صورة كتاب ذكر إن الرسول كتبه لبارق من الأزد. نظم فيه حقوقهم مثل إن لاُ تجذّ ثمارهم وان لا ترعى بلادهم في مربع ولا مصيف إلا بمسألة من بارق. وغير ذلك. وكتب الكتاب "أبيَّ بن كعب"، وشهد عليه أبو عبيدة بن الجراح وحذيفة بن اليمان.
ويجاور الأزد من الشرق "خثعم" و "مذحج" و "مراد" و "همدان" و "بلحارث"، ويجاورهم في غربهم "بنو كنانة" و "بنو عك". وأما من الجنوب، فتتصل ديارهم بديار "همدان" و "حمير".
وتجمع بعد وفاة النبي قوم من الأزد وبجيلة وخثعم، عليهم حميضة بن النعمان وذلك ب "شنوءة"، وعلى أهل الطائف "عثمان بن ربيعة"، فبعث عليهم "عثمان بن أبي العاص"، عامل النبي على الطائف بعثاً التقى بهم بشنوءة، فهزموا تلك الجُمّاع، وتفرقوا عن ""حميضة"، وهرب وفسدت ثورة هؤلاء المرتدين.
وتمرد قوم د من "خثعم" على "أبي يكر" حينما بلغهم نبأ وفاة الرسول وخرجوا غضباً إلى "ذي الخلصة" يريدون إعادته، فأمر "أبو بكر" "جرير ابن عبد الله" إن يدعو من قومه من ثبت على أمر الله، وان يستنفر "مقويهم"، فيقاتل بهم خثعم، فنفذ أمره فتتبعهم وقتلهم وعاد إلى الإسلام من تاب. وكان الرسول قد بعث سنة تسع للهجرة "قطبة بن عامر بن حدية" إلى خثعم بناحية "تبالة"، فتغلب عليهم.
وبقيت "همدان" قبيلة قوية من قبائل اليمن، وقد أسلمت كلها في يوم واحد، أسلمت يوم مقدم "علي بن أبي طالب" إلى اليمن على رأس سرية أمر الرسول بإرسالها إلى هناك. وقد فرح الرسول بإسلامها، وتتابع أهل اليمن على الإسلام.
وقد كانت همدان بطون عديدة، من بطونها "بنو ناعط"، ومن رجالهم "حمرة ذو المشعار بن أيفع"، وكان شريفاً في الجاهلية، والظاهر انه كان صاحب موضع "المشعار". وهو "أبو ثور". وقد وفد على الرسول، ووفد معه "مالك بن نمط" و "مالك بن أيفع"، و "ظمام بن مالك السلماني"، و "عميرة بن مالك الخارفي"، فلقوا رسول الله بعد مرجعه من تبوك، وعليهم مقطعات الحبرات والعمائم المعدنية، برحال المَبسْ على المهرية والأرحبية. ويذكر أهل الأخبار، إن الوفد لما وصل المدينة، ارتجز "مالك بن نمط" رحزاً، ثم خطب بين يدي الرسول، ذاكراً له إن نصيه، أي أخياراً أشرافاً من همدان، يريد رجال الوفد، قدمت إلى الرسول، وهي "من كل حاضر وباد" أي من أهل الحضر ومن أهل البادية، ومن أهل مخلاف خارف ويام وشاكًر، ومن أهل الإبل والخيل، قدموا إليه، بعد إن عافوا الأصنام واعتنقوا الإسلام. فأثنى الرسول عليهم، وشكره سم وكتب لهم كتاباً، وجهه "لمخلاف خارف وأهل جناب الهضب، وحقاف الرمل مع وافدها، ذي المشعار: مالك بن نمط، ومن أسلم من قومه"، ثم بين لهم ما عليهم وما لهم.
وورد إن "قيس بن مالك بن سد بن لأي الأرحبي" قدم على رسول الله وهو بمكة، فعرض رسول الله عليه الإسلام فأسلم، ثم خرج إلى قومه فأسلموا بإسلامه، ثم عاد إلى الرسول فأخبره بإسلامهم، فكتب له عهداً على قومه "همدان". وذكر إن رجلاً مرّ بالرسول، وهو من "أرحب" من "همدان"، اسمه "عبد الله بن قيس بن أم غزال"، فعرض عليه الرسول الإسلام، فأسلم، فلما عاد إلى قومه قتله رجل من "بني زُبَيْد". وجاء وفد آخر من "همدان" إلى الرسول فأسلم على يديه، وكان فيه "حمزة بن مالك" من "ذي مشعار"، وكان على الوفد مقطعات الحبرة مكففة بالديباج، فكتب الرسول لهم كتاباً، وأوصاهم بقومهم من بقيه بطؤن همدان.
وورد إن الرسول كتب ل "قيس بن مالك بن سعد الأرحبي"، عهداً ثبته فيه على قومه "همدان: أحمورها وعربها وخلائطها ومواليها إن يسمعوا له ويطيعوا". وذكر إن الأحمور: قدم، وآل ذي مران، وآل ذي لعوة، وأذواء همدان. وقيل: حمورها: أهل القرى. وأرى إن المراد بالأحمور هم بقايا حمير الناطقون بالحميرية وهم سكان القرى والمدن. ذكروا وخصوا بالذكر، لأنهم اختلفوا عن غيرهم ممن كان يتكلم بلهجات أخرى، ولهذا ميزوا عن "عربها"، أي عرب همدان، وهم الأعراب، وعن الخلائط وهمم الذين يكونون أخلاط الناس وعن الموالي. وذهب بعض الباحثين، إلى إن "عربها" بالغين، أي "غربها" ويراد بهم: أرحب، ونهم، وشاكر ووداعة، و يام، و موهبة، و دالان، و خارف، وعذر، وحجور".
وأما "بنو زُبَيْد"، فكان على رأسهم "عمرو بن معد يكرب الزبيدي"، وكان قد قدم على الرسول في أناس من قومه، ليعرض عليه الإسلام. فأسلم وأسلم من كان معه. وقد نعت بالشجاعة فدعي ب "فارس العرب"، وهو لقب يلقب به الشجعان الفرسان. وأقام في قومه من بني زُبَيْد. وعليهم "فروة بن مسيك المُرادي"، الذي كان قد استعمله الرسول على مراد وزبيد ومذحج كلها: فلما توفي رسول الله ارتد عمرو بن معديكرب. ووثب "قيس بن عبد يغوث" على "فروة بن مسيك"، وهو على مواد ة فأجلاه ونزل منزله.
وكان "عمرو بن معد يكرب" قد لقيَ "قيس برْ مكشوح المرادي" حين انتهى إليه أمر رسول الله، فعرض عليه إن يذهب معه إلى رسول الله حتى يعلم علمه، فإن كان نبيّاً، فإنه لا يخفى أمره عليهم، وإن كان غير ذلك علم علمه أيضاً وتركه، فلم يأخذ "قيس" برأيه وسفهّ فكرته. ثم أوعد "قّيس" "عمرو بن معد يكرب" يوم سمع بذهابه إلى الرسول وباعتناقه الإسلام. وقال: "خالفني وترك رأيي".
وكان "فروة بن مسيك المرادي" من "بني مُراد" وقد عدّه "ابن حبيب" في جملة الجرارين، أي الذين قادوا ألفاً. وقد كان مفارقاً لملوك كندة، ومعانداً لهم. وقد شهد يوم الرزم، وهو يوم كان بين مراد قوم فروة وبن همدان، انتصرت فيه همدان على مراد. وقد نسبوا شعراً لفروة ذكروا انه قاله يعتذر فيه عن الهزيمة التي أصابت مراداً في ذلك اليوم، وكان الذي قّاد همدان فيه "مراد الأجدع بن مالك".
ولما وصل "فروة" المدينة، نزل على "سعد بن عبادة"، وقد أكرمه الرسول، واستعمله على مراد وزبيد ومذحج، وبعث معه "خالد بن سعيد بن العاص" على الصدقات 6.
والى بني الحارث بن كعب أرسل الرسول خالد بن الوليد يدعنهم إلى الإسلام أو البقاء على دينهم وهو النصرانية مع دفع الجزية. فأسلم أكثرهم، وذهب وفد منهم فيه "قيس بن الحصين بن يزيد بن قنان ذي الغصة"، و "يزيد بن عبد المدان"، و يزيد بن المحجل"، و "عبد الله بن قريظ الزيادي"، و "شدّاد بن عبد الله القناني"، و "عمرو بن عبد الله الضبابيّ"، فقابل الرسول، وكان السواد غالباً على لونهم، فقال الرسول، لما رآهم: من هؤلاء القوم الذين كأنهم رجال من الهند?. قيل: يا رسول الله، هؤلاء بنو الحارث ابن كعب. وأمر رسول الله "قيس بن الحصن" على "بني الحارث بن كعب". كما زار الرسول "عبدة بن مسهر الحارثي" في المدينة، وأسلم على يديه.
وكتب الرسول لبني الضباب من "بني الحارث بن كعب" إن لهم ساربة ورافعها، لا يُحاقّهم فبها أحد ما داموا مسلمين، وكتب كتابهم هذا المغيرة. وكتب لبني قنان بن وعلة من بني الحارث كتاباً إن لهم محبساً وانهم آمنون على أموالهم وأنفسهم، كتبه له المغيرة أيضاً. وأمر الرسول كاتبه: الأرقم بن أبي الأرقم المخزومي، إن يكتب لعبد يغوث بن وعلة الحارثي، إن له ما أسلم عليه من أرضها وأشيائها، أي نخلها ما دام يقوم بما يفرضه الإسلام عليه من واجبات. وكتب له "علي بن أبي طالب" إن لبني زياد بن الحارث جمّاء وأذنبة. وأمر رسول الله المغيرة بن شعبة إن يكتب ليزيد بن المحجل الحارثي، إن له ولقومه نمرهّ ومساقيها ووادي الرحمان من بين غابتها. وانه على قومه من "بني مالك" و "عقبة" لا يغزون ولا يحشرون.
وأصر الرسول إن يكتب كتاباً ل "قيس بن الحصين ذي الغصة" أمانة لبني أبيه بني الحارث ولبني نهد حلفاء بني الحارث، يؤمنهم على أموالهم ما داموا مسلمين. وكتب كتاباً يشهد بإسلام "بني قنان بن يزيد" الحارثيين، ويؤمنهم فيه أيضاً إن لهمِ مذْوداً وسواقيه. وكتب مثل ذلك لعاصم، بن الحارث الحارثي، إن له نجمة من راكس لا يُحاقه فيها أحدا.
وكان "عوز بن سُرير الغافقي" في جملة من وفد من "غافق" على الرسول، كما كان فيهم "جليحة بن شجار بن صُحار الغافقي".
وقد آلم ولا شك خروج الحبش من اليمن البيزنطيين كثيراً، وأصيبوا بخروجهم منها بخسارة من الوجهة العسكرية والاقتصادية، غير إن مما خفف من هذه المصيبة إن الفرس لم يكن لديهم آنذاك أسطول قوي يستطيع الهيمنة على مضيق المندب، مدجل البحر الأحمر، بل ولا سفن كافية يكون في وسعها حماية سواحل اليمن والعربية الجنوبية. لذلك لم يهدد دخولهم اليمن السواحلَ الإفريقية المقابلة لسواحل جزيرة العرب وهي مهمة بالنسبة للروم، ثم انهم عوّضوا عن خسارتهم الكبيرة الفادحة التي نزلت بهم باحتلال الفرس لبلاد الشام، بطردهم الفرس وإجلائهم عن كل الأرضين التي استولوا عليها وبإعادتهم "الصليب المقدس" إلى مكانه. فرفعوا بذلك من معنوياتهم في الشرق الأوسط وفي إفريقية.
وقد سُرَّ اليهود من خروج الحبش من اليمن ومن استيلاء الفرس عليها. إذه صاروا في حكم حكومة لا تحقد عليهم، حكومة لا يهمها أمر اليهود لعدم وجود علاقة لها بها. بل ربما ساعدتها لأنها تناهض الروم، على عكس النصرانية التي كانت قد وجدت في الحبشة نصيراً ومساعداً، لذلك، أتباعها وانحسروا تدريجياً، وبقيت متمركزة بمدينة نجران.
ولنجران وضع خاص. فقد تمتعت باستقلال ذاتي في الغالب. وقد تحرشتُ بتأريخها في مواضع متعددة من هذا الكتاب وبحسب المناسبات. ولما استولى الفرس على اليمن لم تدخل في طاعتهم ولم تخضع لحكم "عاملهم"، بل أخذت تدير شؤونها بنفسها وبمجلس تنفيذي حصر أمور البلد في أيدي سادات ثلاثة اختصر أحدهم بالحكم المدني، واختص ثانيهم بالنظر في أمور الدين. واختص الثالث في شؤون الأمن والدفاع عن المدينة. وقد عرفوا بالعاقب والسيد والأسقف. وقد قدموا على الرسول وباهلوه ؛. وكتبِ لهم كتاب الصلح وذلك سنة عشر للهجرة. واشترط عليهم في جملة. ما اشترطه فيه، إن لا يأكلوا الربا ولا يتعاملوا به. وكتب الكتاب: المغيرة.
وذكر إن الوفد الذي خرج إلى الرسول من نجران كان مؤلفاً من أربعة عشر رجلا من أشرافهم نصارى. فيهم" العاقب، وهو عبد المسيح، رجل من كندة، وأبو الحارث بن علقمة، رجل من بني ربيعة، والسيد وأوس إبنا الحارث، وزيد بن قيس، وشيبة، وخويلد، وخالد، وعمرو، وعبيد الله، وفيهم ثلاثة نفر يتولون أمورهم، والعاقب، وهو أسقفهم وحبرهم وإمامهم وصاحبه مدارسهم، والسيد، وهو صاحب رحلهم. فتقدمهم "كرز" أخو "أبو الحارث"، ثم قدم الوفد بعده، فدخلوا المسجد عليهم ثياب الحبرة، وأردية مكفوفة بالحرير، ثم كلّموا الرسول، وصالحهم على شروط، ثم عادوا إلى ديارهم، ثم عاد السيد والعاقب إلى المدينة فأسلما، وبقي الآخرون على دينهم إلى زمن "عمر" فأجلاهم، لأنهم أصابوا "الربا" وكثر بينهم. واشترى عقاراتهم وأموالهم، فتفرقوا، فنزل بعضهم الشام ونزل بعضهم "النجرانية" بناحية الكوفة.
وكان الحكم في نجران ل "بني الأفعى"، ثم تحول إلى "بني الحارث بن كعب"، فلما ظهر الإسلام كان حُكامها من بني الحارث بن كعب. أما بنو الأفعى فكانوا كثرة فيها. غير إن الحكم لم يكن في أيديهم.
ولما توفي رسول الله، كان عامله "عمرو بن حزم" بنجران. ولما قام "ذو الخمار عبهلة بن كعب" وهو " الأسود"، بعامة مذحج على الإسلام في حياة الرسول وكان كاهناً شعباذاً، يري الناس الأعاجيب، ويسبي قلوب من سمع منطقه، أخرج "عمرو برت حزم" من نجران، واستولى عليها ثم سار "عبهلة" إلى صنعاء فأخذها، وأخذ يدعو الناس إليه، حتى قضى عليه. وأرسل الرسول قبل وفاته بقليل "وبر بن يُحنس" إلى "فيروز" و "جُشيش الديلمي" و "داذويه اللاصطخري"، و "جرير بن عبد الله" إلى "ذي الكلاع" و "ذي ظليم"، و "الاقرع بن عبد الله الحميري" إلى "ذي زود" و "ذي مران" وذلك للقضاء على "الأسود" وعلى من استجاب إليه، فقتل. قتله: "فيروز للديلمي" و "قيس بن مكشوح المرادي"، وعاد من ارتد واتبعه إلى الإسلام، ولم يكن الرسول قد فارق الدنيا بعد.
وكان النبيّ حين وفاته قد نصب عمالاً على عمالات تمتد من مكة إلى اليمن، فكان على مكة وأرضها "عتاب بن أُسيدْ" و "الطاهر بن أبي هالة"، عتاب على بني كنانة والطاهر على عك. وعلى "الطائف" وأرضها "عثمان بن أبي العاص" و "مالك بن عوف النصريّ". "عثمان" على أهل المدر ومالك كل أهل الوبر أعجاز هوازن. وعلى نجران وأرضها عمرو بن حزم وأبو سفيان بن حرب. عمرو بن حزم على الصلاة، وأبو سفيان بن حرب على الصدقات، وعلى ما بين "رمع" و "زبيد" إلى حد "نجران" خالد بن سعيد بن العاص. وعلى همدان كلها "عامر بن شهر"، وعلى "صنعاء" فيروز الديلمي يسانده داذويه وقيس بن المكشوح، وعلى الجند يعلى بن أمية، وعلى مأرب أبو موسى الأشعري، وعلى الأشعريين مع عك الطاهر بن أبي هالة، ومعاذ بن جبل يعلم القوم، يتنقل في عمل عامل. بقي الحال على هذا المنوال حتى نزا بهم الأسود الكذّاب.
وورد في ش رواية أخرى، إن رسول الله وجه "خالد بن سعيد بن العاص" أميراً إلى صنعاء وأرضها، وذكر انه ولى "المهاجر بن أبي أمية بن المغيرة المخزومي" صنعاء، فقبض وهو عليها. وقال آخرون إنما ولى "المهاجر" "أبو يكر"، وولى "خالد بن سعيد" مخاليف أعلى اليمن. وذكر أيضاً، إن رسول الله ولى "المهاجر" كندة والصدف، فلما قبض رسول الله، كتب أبو بكر إلى "زياد بن لبيد البياضي" من الأنصار بولاية كندة والصدف إلى ما كان يتولى من حضرموت. وولى المهاجر "صنعاء". والذي عليه الإجماع إن رسول الله ولى "زياد بن لبيد" حضرموت.
ولما ارتد "قيس بن عبد يغوث المكشوح" ردته الثانية، وعمل في قتل فيروز وداذويه وجشيش، وكتب إلى "ذي الكلاع" وأصحابه" "إن الأبناء نزُّاع في بلادكم، وثقلاء فيكم، وأن تتركوهم لن يزالوا عليكم، وقد أرى من الرأي أن اقتل رؤوسهم، وأخرجهم من بلادناً، كتب "أبو بكر" إلى "عمير ذي مران" والى "سعيد ذو زود" والى "سميفع ذي الكلاع" والى "حوشب ذي ظلم"، والى "شهر ذي يناف"، يأمرهم بالتمسك بالإسلام، وبمقاومة "قيس" والمرتدين. فكاتب "قيس" "تلك الفالة السيارة اللحجية، وهم يصعدون في البلاد ويصوّبون، محاربين لجميع من خالفهم" "وأمرهم إن يتعجلوا إليه، وليكون أمره وأمرهم واحداً، وليجتمعوا على نفي الأبناء من بلاد اليمن"، فاستجابوا له، ودنوا من صنعاء. وعمد إلى الحيلة لقتل "فيروز"، و "داذويه"، و "جشيش". وتمكن من "داذويه"، فقتله. فأحسرّ "فيروز" و "جشيش" بالمكيدة، فهربا إلى "خولان"، وهم أخوال "فيروز"، و امتنع "فيروز" بأخواله. فثار "قيس" بصنعاء، وجمع "فيروز" من تمكن جمعه من الأبناء، وكتب إلى "بني عقيل بن ربيعة بن عامر بن صعصعة" والى "عك" يستنصرهم ويستمدهم على "قيس". فساروا إليه ووثبت "عك" وعليهم "مسروق"، وسار "فيروز" بهم نحو "قيس"، فهرب في قومه والتحق بفلول "العنسي" التي تذبذبت بعد مقتله، وسار فيما بين صنعاء ونجران. وانضم إلى "عمرو بن معديكرب". وكان "عمرو" قد فارق قومه "سعد العشيرة" في "بني زبيد" وأحلافها وانضم إلى "العنسي".
ولما أرسل "أبو يكر" مدداً إلى من أرسله إلى اليمن، انضم إليه قوم من "مهرة" وسعد زيد والأزد وناجية وعبد القيس وحُدبان من بني مالك، وقوم من العنبر والنخع، وحمير، واختلف "قيس" مع "عمرو بن معديكرب"، وإنفلّ من كان معهما، وأخذا أسرين إلى أبي بكر، فعفى عنهما. وانتهت بذلك ردة هذين المرتدين.
ومن "بني خُشَين" "أبو ثعلبة الخشني"،. وقد وفد على الرسول وأسلم ووفد عليه نفر من "خشين" فنزلوا عليه وأسلموا وبايعوه ورجعوا إلى قومهم.
وكان من جملة وفود أهل اليمن إلى الرسول، وفد "بهراء"، جاؤوا إلى المدينة فأسلموا، وقد نزلوا على "المقداد بن عمرو".
يتبع
( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق