إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الجمعة، 1 يناير 2016

770 ( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي الفصل الحادي والاربعون طرد الحبشة


770

( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي

الفصل الحادي والاربعون

طرد الحبشة


لقد عجل الحبش في نهايتهم في اليمن، وعملوا بأيديهم في هدم ما أقاموه بأنفسهم من حكومة، باعتدائهم على أعراض الناس وأموالهم، وأخذهم عنوة كل ما كانوا يجدونه أمامهم، حتى ضجّ أهل اليمن وضجروا، فهبوا يريدون تغيير الحال، وطرد الحبشة عن أرضهم، وإن أدى الأمر بهم إلى تبديلهم بأناس أعاجم أيضاً مثل الروم أو الفرس، إذا عجزوا هم عن طردهم، فلعل من الحكام الجدد من قد يكون أهون شراً من الحبش، وان كان كلاهما شراً، ولكن إذا كان لا بد من أحد الشرين فإن أهونهما هو الخيار ولا شك.

وهبّ اليمانون على الحبش، وثار عليهم ساداتهم في مواضع متعددة غير أن ثوراتهم لم تفسهم شيئاً، اذ أخمدت، وقتل القائمون بها. ومن أهم اسباب إخفاقها انها لم تكن ثورة عارمة عامة مادتها كل الجماهير والسادات، بل كانت ثورات سادات، مادة كل ثورة مؤججها ومن وراءه من تبع. هنا ثورة وهناك ثورة، ولم تكن بقيادة واحدة، أو بإمرة قائد خبير أو قادة متكاتفين خبراء بأمور الحرب والقتال، فصار من السهل على الحبش، الانقضاض عليها واخمادها، أضف إلى ذلك انها لم تؤقت بصورة تجعلها ثورات جماعية، وكأنها نيران تلتهب في وقت واحد، يعسر على مخمدي النيران إخمادها، او اخمادها على الأقل بسهولة.

ولتحاسد الأقيال وتنافسهم على السيادة والزعامة نصيب كبير في هذا الإخفاق، لذلك وجه بعض السادة أنظارهم نحو الخارج في أمل الحصول على معونة عسكرية أجنبية خارجية، تأتيهم من وراء الحدود، لتكره الحبش على ترك اليمن. وكان صاحب هذا الرأي والمفكر فيه "سيف بن ذي يزن"، من ابناء الأذواء ومن أسرة شهيرة. وقد نجح فىِ مشروعه، فاكتسب صفة البطولة وانتشر اسمه بين اليمانيين، حتى صير أسطورة من الأساطير، وصارت حياته قصة من القصص أمثال قصة أبي زيد الهلالي وعنترة وغيرهما ممن تحولوا إلى أبطال تقص حياتهم على الناس في المجالس وفي المقاهي وحفلات السمر والترفيه، أو تقرأ للتسلية واللهو.

و "سيف بن ذي يزن"، هو "معديكرب بن ابي مرة"،وقد عرف ابوه ايضاً ب "ابي مرة الفياض"، وكان من أشراف حمير، ومن الأفواء. وأمه "ريحانة ابنة علقمة"، وهي من نسل "ذي جدن" على فى ما ذكرت. يقال إن أبرهة لما انتزع ريحانة من بعلها "ابي مرة"، فر زوجها إلى العراق فالتجأ إلى ملك الحيرة "عمرو بن هند" على ما يظن، وبقي "معديكرب" مع امه في بيت "أبرهة" على ذلك مدة، حتى وقع شجار بينه وبين شقيقه من امه "مسروق" الذي ولي الملك بعد موت اخيه "يكسوم" فأثر ذلك في نفسه وحقد على "مسروق".، فلما مات يكسوم، خرج من اليمن، حتى قدم على قيصر ملك الروم، فشكا ما هم فيه، وطلب إليه إن يخرجهم عنه، ويليهم هو ويبعث اليهم من يشاء من الروم، فيكون له ملك اليمن، فلم يشكه ولم يجد عنده شيئاً مما يريد، فخرج حتى قدم الحيرة على النعمان بن المنذر، فأسكنه عنده ثم اوصله بكسرى، وحدثه في شأنه وفي خاطره في قومه، فأمده بثماني مئة محارب، وب "وهرز" أمره عليهم، وبثماني سفن جعل في كل سفينة مئة رجل و يصلحهم في البحر، فخرجوا، حتى إذا لجوا في البحر غرقت من السفن سفينتان بما فيهما، فخلص إلى ساحل اليمن من ارض عدن ست سفائن فيهن ستمئة رجل فيهم وهرز وسيف بن ذي يزن، نزلوا أرض اليمن، فلما سمع بهم مسروق بن أبرهة، جمع إليه جنده من الحبشة، ثم سار اليهم، فلما التقوا رمى "وهرز" مسروقاً بسهم، فقتله، وانهزمت الحبشة، فقتلوا، وهرب شريدهم، ودخل "وهرز" مدينة صنعاء، وملك اليمن ونفى عنها الحبشة، وكتب بذلك إلى كسرى. فكتب إليه كسرى يأمره إن يملك سيف بن ذي يزن على اليمن وارضها وان يرجع وهرز إلى بلاده، فرجع اليها. ورضي سيف بدفع جزية وخرج يؤديه في كل عام.

وذكر "الطبري" في رواية له اخرى عن "سيف بن ذي يزن" وعن مساعدة الفرس له، فقال: "فخرج ابن ذي يزن قاصداً إلى ملك الروم، وتجنب كسرى لابطائه عن نصر ابيه، فلم يجد عند ملك الروم ما يحب، ووجده يحامي عن الحبشة لموافقتهم اياه على الدين، فانكفأ راجعاً إلى كسرى"، فقابله وحياه وقال لكسرى: "انا ابن الشيخ اليماني ذي يزن، الذي وعدته إن تنصره فما ببابك وحضرتك، فتلك العدة حق لي وميراث يجب عليك الخروج لي منه. فرقَّ له كسرى، وامر له بمال. فخرج، فجعل ينشر الدراهم، فانتهبها الناس. فأرسل إليه كسرى: ما الذي حملك على ما صنعت: قال: إني لم آتك للمال، انما جئتك للرجال، ولتمنعني من الذل، فاعجب ذلك كسرى، فبعث اليه: إن أقم حتى انظر في امرك. ثم إن كسرى استشار وزراءه في توجيه الجند معه، فقال له الموبذان: إن لهذا الغلام حقاً بنزوعه وموت ابيه بباب الملك وحضرته، وما تقدم من عدته اياه، وفي سجون الملك رجال ذوو نجدة وبأس، فلو إن الملك وجههم معه، فإن أصابوا ظفراً كان له، وان هلكوا كان قد استراح وأراح اهل مملكته منهم، ولم يكن ذلك ببعيد الصواب. قال كسرى: هذا الرأي. وعمل به ".

ويظهر من هذه الرواية، إن "ابا مرّة"، والد "معديكرب"، كان قد فرّ من اليمن إلى العراق، وقد حاول عبثاً حث كسرى على تقديم العون العسكري له لطرد ابرهة وقومه الحبش عن اليمن، وبقي يسعى ويحاول حتى مات بالعراق، مات بالمدائن على حد زعم هذه الرواية. ويظهر منها أيضاً، إن سيف بن ذي يزن، أي ولد ابي مرّة، كان قد أيس هو من كسرى بعد إن رأى ما رأى من موقفه مع ابيه، فذهب أولاً إلى ملك الروم، على أمل مساعدته ومعاونته في طرد الحبش عن بلاده، حتى وان أدى الأمر إلى استيلاء الروم على اليمن، فلما خاب ظنه ذهب إلى الفرس، فساعدوه.

ويذكر "الطبري" أن وهرز لما انصرف إلى كسرى، ملَّك سيفاً على اليمن، ف "عدا على الحبشة فجعل يقتلها ويبقر النساء عما في بطونها، حتى إذا أفناها الا بقايا ذليلة قليلة، فاتخذهم خولاً، واتخذ منهم جماّزين يسعون بين يديه بحرابهم، حتى إذا كان في وسط منهم وجأوه بالحراب حتى قتلوه، ووثب بهم رجل من الحبشة، فقتل باليمن واوعث، فأفسد، فلما بلغ ذلك كسرى بعث اليهم "وهرز" في أربعة آلاف من الفرس، وأمره الا يترك باليمن أسود ولا ولد عربية من اسود الا قتله، صغيراً كان او كبيراً. فأقبل وهرز، حتى دخل اليمن ففعل ذلك. ثم كتب إلى كسرى بذلك، فأمره كسرى عليها. فكان عليها، وكان يجبيها إلى كسرى حتى هلك".

لقد كان استيلاء الحبشة على اليمن بأسرها سنة "525" للميلاد. أما القضاء على حكمهم فكان قريباً من سنة "575" للميلاد. ولكن الحبش كانوا في اليمن قلائل هذا العهد، اذ كانوا احتلوا بعض الأرضين قبل السنة "525" للميلاد، وكانوا يحكمونها باسم ملك الحبشة.

وجاء في تأريخ الطبري وفي موارد اخرى إن حكم الحبش لليمن دام اثنتين وسبعين سنة، توارث ذلك منهم اربعة: ارياط، ثم أبرهةّ، ثم يكسوم بن ابرهة، ثم مسروق ابن ايرهة. وهو رقم فيه زيادة، إذا اعتبرنا إن نهاية حكم الحبش في اليمن، كانت في حوالى السنة "575م" 0 اما اخذنا برواية اهل الأخبار مثل حمزة، الذي ذكر كما سبق إن بينّت إن حكم "أرياط" دام عشرين سنة، وان حكم ابرهة ثلاثاً وعشرين سنة، وان حكم "يكسوم" سبع عشرة، وان حكم مسروق اثنتي عشرة سنة، فيكون ما ذكره "الطبري" وحمزة صحيحاً من حيث المجموع، لأن مجموعه "72" سنة. ولكني أشكك في إن حكم "رياط" كان "20" سنة. إذ يعني هذا إن حكمه استمر إلى سنة "545" للميلاد، والمعروف من نص "ابرهة" المدون على جدار سد مأرب، إن ابرهة رمم السد وقوى جدرانه سنة "542" للميلاد. ومعنى هذا انه كان قد استبد بأمر اليمن قبل هذا الزمن.

وقد تعرض "حمزة" لهذا البحث، ولفت النظر إلى تفاوت الرواة في مدة لبث الحبشة باليمن وفي تأريخ اليمن كله. فقال: "وليس في جميع التواريخ تاريخ أسقم ولا أحلّ من تاريخ الأقيال ملوك حمير، لما قد ذكر فيه من كثرة عدد سني من ملك منهم، مع قلة عدد ملوكهم"، و "قد اختلف رواة الأخبار في مدة لبث الحبشة باليمن اختلافاً متفاوتاً". والواقع اننا نجد اختلافاً كبيراً بين اهل الأخبار في تأريخ اليمن،حتى في المتأخر منه القريب من الإسلام.

ويذكر "ابو حنيفة الدينوري"، إن "وهرز" كان شيخاً كبيراً، قد أناف على المائة، وكان من فرسان العجم وابطالها، ومن اهل البيوتات والشرف، وكان اخاف السبيل، فحبسه كسرى. ويقال له "وهرز بن الكاسجار"، فسار بأصحابه إلى "الأبلة" فركب منها البحر. وذكر إن "كسرى" لما ردّه إلى اليمن، بعد وثوب الحبش ب "سيف بن ذي يزن"، وبقي هناك إلى إن وافاه اجله، قُبر في مكان سّمي "مقبرة وهرز"، وراء الكنيسة، ولم يشر إلى اسم الكنيسة، ولعله قصد موضع "القليس".

أما "المسعودي"، فصير "وهرز" موظف كبيرأ بدرجة "اصبهبذ"، ودعاه ب "وهرز اصبهبذ الديلم" 0 أي انه كان اصبهبذاً على الديلم اذ ذاك. وذكر انه ركب ومن كان معه من أهل السجون البحر في السفن في دجلة ومعهم خيولهم وعُددهم وأموالهم حتى أتوا "الأبة"، فركبوا في سفن البحر، وساروا حتى أتوا ساحل حضرموت في موضع يقال له "مثَوب"، فخرجوا من السفن فأمرهم "وهرز" إن يحرقوا السفن، ليعلموا انه الموت. ثم ساروا من هناك براً حتى التقوا ب "مسروق".

وذكر "المسعودي"، إن "كسرى انو شروان"، أشترط على "معديكرب" شروطاً: منها أن الفرس تتزوج باليمن ولا تتزوج اليمن منها، وخراج محمله إليه. فتوج "وهرز" معديكرب بتاج كان معه وبدنة من الفضة ألبسه اياها، ورتبه بالملك على اليمن، وكتب إلى "أنو شروان" بالفتح.

قال "المسعودي" ولما ثبت "معديكرب" في ملك اليمن، اتته الوفود من العرب تهنيه بعود الملك إليه، وفيها وفد مكة وعليهم عبد المطلب، وأمية بن عبد شمس بن عبد مناف، وخويلد بن أسد بن عبد العزُى، وابو زمعة جد امية بن ابي الصلت، فدخلوا إليه، وهو في اعلى قصره بمدينة صنعاء المعروف بغمدان، وهنأوه، وارتجل عبد المطلب خطاباً، ذكر المسعودي وغيره نصه، وأنشد "ابو زمعة" شعراً، فيه ثناء على الملك وحمد للفرس "بنو الأحرار". الذين ساعدوا أهل اليمن، على "سود الكلاب".

واذا أخذنا برواية "المسعودي" عن وفد مكة، وبما يذكره اهل الأخبار عن مدة حكم الحبش على اليمن، وهي اثنتين وسبعين سنة، وجب إن يكون ذهاب الوفد الى صنعاء بعد سنة "597" للميلاد، وهذا مستحيل. فقد كانت وفاة "عبد المطلب" في السنة الثامنة من عام الفيل، والرسول في الثامنة اذ ذاك فيكون وفاة "عبد المطلب" اذن في حوالي السنة "578" أو "579" للميلاد، اي في ايام وجود الحبش في اليمن، وقبل طردهم من بلاد العرب. اما لو اخذنا برواية الباحثين المحدثين التي تجعل زمن طرد الحبش عن اليمن سنة "575" للميلاد، او قبلها بقليل، فيكون من الممكن القول باحتمال ذهاب "عبد المطلب" إلى اليمن، على نحو ما يرويه "المسعودي".

لم يذكر اهل الأخبار السنة التي تولى فيها "سيف بن ذي يزن" الحكم على اليمن بعد طرد الحبش عنها، ويرى بعض الباحثين انها كانت في حوالي السنة "575" للميلاد. وان حكمه لم يكن قد شمل كل اليمن، بل جزءاً منها. ويظهر إن الفرس استأثروا بحكم اليمن لأنفسهم، اذ نجد إن رجالاّ منها تحكمها منذ حوالي السنة "598" للميلاد تقريباً، وكان احدهم بدرجة "ستراب" "سطراب" Satrapie.

وذكر "ابن دريد" إن من ذرية "سيف بن ذي يزن"، "عفير بن زرعة بن عفير بن الحارث بن النعمان بن قيس بن عبيد بن سيف". وكان سيد حمير بالشام في ايام عبد الملك بن مروان.

ورووا إن "وهرز" كان يبعث العير إلى كسرى بالطيوب والأموال فتمر على طريق البحرين تارة وعلى طريق الحجاز اخرى، فعدا بنو تميم في بعض الأيام على عيره بطريق البحرين، فكتب إلى عامله بالانتقام منهم، فسار عليهم وقتل منهم خلقاً، وذلك يوم "الصفقة". وعدا بنو كنانة على عيره بطريق الحجاز حين مرت بهم، وكانت في جوار رجل من أشراف العرب من قيس، فكانت حرب الفجار بين قيس وكنانة.

وامر كسرى بتولي ابن وهرز، وهو "المزربان بن وهرز" منصب ابيه، لما توفي والده. فكان عليها إلى إن هلك.

ثم امر كسرى "البينجان بن المرزبان" اي حفيد "وهرز" بتولي منصب ابيه حين داهمته منيته. فاًمرّ كسرى بعده "خُرّخرة ين البينجان"، فكان عليها، ثم غضب كسرى عليه. واستدعاه إلى عاصمته، فذهب اليها، فخلعه كسرى وعين باذان "باذام" في مكانه، ولم يزل على اليمن حتى بعث الرسول. وذكر بعض اهل الأخبار إن "خذ خسرو بن السيحان بن المرزبان" هو الذي حكم بعد "الرزبان بن وهزر"، وهو الذي عزله كسرى، وولى "باذان" "باذام" بعده على اليمن.

لقد كانت السنة السادسة من الهجرة، سنة مهمة جداً في تاريخ اليمن. فيها دخل "باذان" "باذام" في الإسلام، وفيها قضى الإسلام على الوثنية واليهودية والنصرانية وعلى الحكم الأجنبي في البلاد، فلم يبق حكم حبشي ولا حكم فارسي. ويرى بعض المستشرقين إن دخول باذان في الإسلام كان بين سنة "628" و"630" للميلاد. ويذكر "الطبري"، إن اسلام "باذان"، كان بعد قتل "شيرويه" لأبيه "كسرى أبرويز"، وتوليه الحكم في موضع والده. فلما جاء كتاب شيرويه إليه يبلغه بالخبر، ويطلب منه الطاعة، اعلن اسلامه، وأسلم من كان معه من الفرس والأبناء. وقد ولى "شيرويه" الحكم في سنة "628" للميلاد، ولم يدم حكمه اكثر من ثمانية اشهر. وقد عرف ب "قباذ".

وقد ذكر إن "باذان" "باذام" كان من "الأبناء"، أي من الفرس الذين ولدوا في اليمن، وأن الرسول استعمل ابنه "شهر بن باذان" مكانه، أي بعد وفاة والده.

ويذكر أهل الأخبار إن الفرس الذين عاشوا في اليمن وولدوا بها واختلطوا بأهلها، عرفوا ب "الأبناء"، وب "بني الأحرار".

ولما قتل "الأسود العنسي" "شهر بن باذام" "شهر بن باذان"، واستبد "العنسي" بأمر اليمن، خرج عمال الرسول عن اليمن. فلما قتل "العنسي" ورجع عمال النبي إلى اليمن، استبد بصنعاء "قيس بن عبد يغوث المرادي"، وتوفي الرسول والأمر على ذلك. ثم كانت خلافة ابي بكر، فولى على اليمن "فيروز الديلمي".

وقد تطرق "ابن قتيبة" إلى "ملوك الحبشة في اليمن"، فذكر اسم "أبرهة الأشرم"، ثم "يكسوم بن أبرهة"، ثم "سيف بن ذي يزن"، فقال عنه: انه "أتى كسرى أنو شروان بن قباذ" في آخر ايام ملكه - هكذا تقول الأعاجم في سيرها، وانا احسبه هرمز بن أنو شروان على ما وجدت في التأريخ -" مما يدل على أنه نقل أخباره عن حملة الفرس على اليمن من كتب سير ملوك العجم، المؤلفة بلغتهم، كما نقل من موارد أخرى غير أعجمية. وقد ذكر أيضاً أن المؤرخين اختلفوا اختلافاً متفاوتاً في مكث الحبشة في اليمن.

وكوّن الأبناء طبقة خاصة في اليمن، ولما قدم "وبر بن يُحنّس،" على الأبناء باليمن، يدعوهم إلى الإسلام، نزل على بنات النعمان بن يُزرج فأسلمن، وبعث إلى فيروز الديلمي فأسلم، والى "مركبود" وعطاء ابنه، ووهب بن منبه، وكان أول من جمع القرآن بصنعاء ابنه عطاء بن مركبود ووهب بن منبه.

ونجد عهد استيلاء الحبشة الأخير على اليمن عهداً كريمأَ من ناحيته التأريخية، اذ دوّن جملة نصوص، تحدثت عنها فيما سلف. أما عند استيلاء الفرس على اليمن إلى دخولها في الإسلام، فلم يترك شيئاً مدونأَ ولا أثراً يمكن أن يفيدنا في الكشف عن اليمن في هذا العهد. لم يترك لنا كتابة ما، لا بالمسند ولا بقلم الساسانيين الرسمي يشرح الأوضاع السياسية أو أي وضع آخر في هذا العهد.

وحالنا في النصوص الكتابية في أول عهد دخول اليمن في الإسلام، مثل حالنا في استيلاء الفرس عليها، فنحن فيه معدمون لا نملك ولا نصاً واحداً مدوناً من ذلك العهد. وهو أمر مؤسف كثيراً، وكيف لا وهو والعهد الذي قبله المتصل به، من أهم العهود الخطيرة في تأريخ اليمن وجزيرة العرب، ونص واحد من هذين العهدين ثروة لا تقدّر بثمن لمن يريد الوقوف على التطورات التأريخية التي مرّت بالعرب قبيل الإسلام وعند ظهوره.

هذا ولا بد من الاشارة الى ان حكم الفرس لليمن لم يكن حكماً فعلياً واقعيا، فلم يكن ولاتهم يحكمون اليمن كلها، وانما كان حكمهم حكماً اسميا صوريا، اقتصر على صنعاء وما والاها، أما المواضع الاخرى، فكان حكمها لأبناء الملوك من بقايا الأسر المالكة القديمة وللأقيال والأذواء. دلك أن أهل كل ناحية ملكوا عليهم رجلا من حمير، فكانوا "ملوك الطوائف" فكان على حمير عند مبعث رسول الله سادات نعتوا أنفسهم بنعوت الملوك، من بينهم "الحارث ابن عبد كلال، ونعيم بن عبد كلال، والنعمان قيل ذي رعين وهمدان ومعافر وزرعة ذو يزن بن مالك بن مرة الرهاوي". وقد أرسلوا إلى الرسول مبعوثاً عنهم يخبره برغبتهم في الدخول في الإسلام، وصل اليه مقفله من أرض الروم، ثم لقيه بالمدينة وأخبره باسلامهم وبمفارقتهم الشرك، فكتب اليهم رسول الله كتاباً يشرح فيه ما لهم وما عليهم من واجبات وحقوق.


 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق