إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأربعاء، 27 يناير 2016

1513 ( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي الفصل التاسع والسبعون النصرانية بين الجاهليين


1513

( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي
       
الفصل التاسع والسبعون

النصرانية بين الجاهليين


وقد وجدت النصرانية لها سبيلاً بين عرب بلاد الشام وعرب بادية الشام والعراق. فدخلت بين "سليح"، و "الغساسنة"، و "تغلب"، و "تنوخ"،و "لخم"،و "إياد". وقد انتشرت بين عرب بلاد الشام بنسبة تزيد على نسبة انتشارها بين عرب بلاد العراق، وهو شيء طبيعي، فقد كانت بلادالشاًم تحت حكم البيزنطيين، وديانتهم الرسمية، هي الديانة النصرانية، وكانوا يعملون على نشرها وترويجها بين شعوب "انبراطوريتهم"، وبين الشعوب الأخرى،لا سيما الشعوب التي لهم مصالح اقتصادية معها. ففي نشر النصرانية بينهم وادخالهم فيها، تقريب لتلك الشعوب منهم، وتوسيع لنفوذهم السياسى بينهم،. وتقوية لمعسكرهم المناهض لخصومهم الفرس، أقوى دولة معادية لهم في ذلك الوقت.

ولهذا سعت القسطنطنية لادخال عربهم في النصرانية، وعملت كل ما أمكنها عمله للتأثير على سادات القبائل لادخالهم في دينهم، بدعوتهم لزيارة كنائسهم وبارسال المبشرين اللبقين اليهم، لاقناعهم بالدخول فيها، وبارسال الأطباء الحاذقين اليهم لمعالجتهم، وللتأثير عليهم بذلك في اعتناق النصرانية. كما دعوهم لزيارة العاصمة، لمشاهدة معالمها ولابهار عقولهم بمشاهدة كنائسها، والاتصال بكبار رجال الدين فيها، لتعليمهم أصول النصرانية. وأظهروا لهم مختلف وسائل المعونة والمساعدة إن دخلوا في ديانتهم، وبذلك أدخلوهم في النصرانية فصاروا اخواناً للروم في الدين.

نعم، دخل سادات القبائل والحكام العرب التابعون لهم في هذه الديانة، فصاروا نصارى، ولكنهم لم يأخذوا نصرانية الروم، بل أخذوا نصرانية شرقية مخالفة لكنيسة "القسطنطنية"،فاعتنقوها مذهباً لهم. وهي نصرانية عدت "هرطقة" وخروجاً على النصرانية الصحيحة "الأرثوذكسية" في نظر الروم. نصرانية متأثرة بالتربة الشرقية، وبعقلية شعوب الشرق الأدنى، نبتت من "التفكير الشرقي في الدين، ولهذا تأثرت بها عقلية هذه الشعوب فانتشرت بينها، ولم تجد لها اقبالاً عند الروم وعند شعوب أوروبة. وكان من جملة مميزاتها عكوفها على دراسة العهد القديم، أي التوراة، أكئر من عكوفها على دراسة الأناجيل.

والنصرانية التي شاعت بين عرب بلاد الشام، هي النصرانية اليعقوبية، أو المذهب اليعقوبي بتعبير أصح. وهو مذهب اعتنقه أمراء الغساسنة وتعصبوا له، ودافعوا عنه، وجادوا رجال الدين في القسطنطنية وفي بلاد الشام في الذب عنه.

فزعم مثلاً أن "الحارث بن جبلة" "ملك العرب النصارى" تغلب في مناظرة جرت له مع "البطريرك افرام" "526 - 545م" على "البطريرك" وأفحمه في جوابه. وكان افرام، وهو على مذهب "الملكيين"، قد قصده لاقناعه بترك المذهب "المنوفيزيتي" والدخول في مذهبه. ونسبوا إلى "المنذر بن الحارث" دفاعاً شديداً عن "المنوفيزيتية"،أي المذهب الذى كان عليه الغساسنة من مذاهب النصرانية، وذكروا أنه أنب "البطريرك دوميان" وهو في القسطنطنية على تهجمه على المنوفيزيتيين"، وعمل جهده في التقريب بين مذهبه ومذهب القيصر، واتصل بالقيصر "طيباريوس" "578 - 582م" ليعمل على بث روح التسامح بين المذاهب النصرانية وترك الحرية للافراد في دخول المذهب الذي يريدونه والصلاة في أية كنيسة يريدها النصراني.

ويظهر ان بعض الضجاعمة الذين كانوا يتولون حكم عرب الشام قبل الغساسنة كانوا على دين النصرانية. غير اننا لانستطيع ان نحكم على اي مذهب من مذاهب النصرانية كانوا. فذكروا ان "زوكوموس"، وهو "ضجعم" جد الضجاعمة تنصر على يد أحد الرهبان، وذلك ان هذا الرئيس كان متلهفاً إلى مولود ذكر، فجاءه هذا الراهب، وتضرع إلى الله ان يهبه ولداً ذكراً، فلما استجاب الله له تعمدّ وتبعته قبيلته.

 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق