1483
( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي
الفصل السابع والسبعون
اليهود والأسلام
ويتبين من القرآن الكريم، ان اتصال الرسول باليهود اتصالاً مباشراً إنما كان في يثرب. أما في مكة،فلم يكن لليهود فيها شأن يذكر، لذلك لا تجد في الايات المكّية ما نجده في الآيات المدنية،ولا سيما المتاًخر منها، من تقربع لليهود وتوبيخ لهم، لوقوفهم موقفاً معادياً من الإسلام، واتفاقهم مع المشركين في معارضة الرسول ومقاومته. وقد بدأ اليهود يعارضون الرسول والإسلام، حينما طلب اليهم الدخول في الإسلام والإبمان برسول اللّه، وحينما تبين لهم أن الأمر سيفلت من أيديهم، وأن الرسول ليس كبقية رجال قريش أو غير قريش سهل الانقياد مطواعاً لهم، وأن تعاليم الإسلام ستفسد العرب عليهم، ولا سيما بعد تحريم الربا. والربا مورد مهم كان يدر ربحاً عظيماً على يهود، لهذا وجدوا مصلحتهم في معارضته ومقاومته وفي الاتفاق مع المشركين عليه.
ويظهر أنه لم يكن لليهود نفوذ كبير ولا جاليات كبيرة في مكة. فلو كان لهم نفوذ فيها أو راي مسموع، لسمعنا به كما سمعنا بخبرهم في يثرب، ولكان لهم حيّ خاص بهم، ومكانة بين رجال قريش، كالذي كان عليه يهود يثرب في اتصالهم بالأوس والخزرج. ولأشير اليهم في السور المكية، على نحو ما أشير اليهم في السور المدنية، ثم لما ضطر رجال قريش للذهاب الي يثرب مراراً، لاستشارتهم في أمر سلوكهم مع المسلمين، ولما جاء سادات يهود يثرب إلى مكة، لتحريض اهلها على مقاومة الرسول، ولعقد حلف معهم عليه.
وقد أمل المسلمون ان يساعد اليهود الإسلام على الوثنية وان يقفوا منه موقف ود أو حياد، ذلك بأنهم أصحاب كتبُ منزلة ودين توحيد، والاسلام قريب منهم، وقد اعترف بالأديان السابقة له، ونزه الأنبياء والمرسلين، وهو دين توحيد كذلك. ثم إن الرسول تودد اليهم حين دخوله يثرب،وأمنهم على أموألهم وأنفسهم، وزارهم وطمأنهم، ثم تعاهد معهم في صحائف كتبت لهم، فيها العهد بالوفاء لما اشترط لهم، ما داموا موفين با الوعد وبالعهد وقد طلب إلى جميع المسلمين الوفاء بما جاء فيها، ومنعوا من التجاوز والتطاول على من في يثرب من يهود. وجعل لليهود نصيبأَ في المغنم إذا قاتلوا مع المسلمين كما شرط عليهم النفقة معهم في الحروب.
ولم تكن علاقات اليهود مع المسلمين سيئة في الأيام الأولى من مجيء الرسول إلى يثرب. رأت جمهرة يهود ان الإسلام دين اعترف بالأنبياء، وانه دين توحيد وانه في جملة أحكامه قريب من أحكام ديانتهم وقواعدهم،وانه يناهض الأوثان، وقد أشاد بفضل بني اسرائيل وبتفوقهم على غيرهم بظهور الأنبباء من بينهم، ثم إن قبلته إلى القدس، وقد تسامح معهم فأباح للمسلمين. طعام أهل الكتاب.
وهو دين اعترف بأبوة ابراهيم للعرب، وجعل سنته سنة له. وقد تسامح معهم وحفظ ذممهم، فلم ترَ في انتشاره بين أهل يثرب ما يضيرهم شيئاً أو يلحق بهم أذى، ولذلك أظهرت استعدادها لعقد حلف سياسى معه ووقوفها موقف ود منه أو موقف حياد على الأقل، على ألا يطلب منها تغيير دينها وتبديله والدخول في الاسلا م.
يتبع
( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق