إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

السبت، 23 يناير 2016

1438 ( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي الفصل الخامس والسبعون الحنفاء


1438

( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي
   
الفصل الخامس والسبعون

الحنفاء

وقد أشار القرآن الكريم إلى جماعة من العرب لم تعبد الأصنام، فلم تكن من اليهود ولا النصارى، وانما اعتقدت بوجود إله واحد عدته. وقد ذكر المفسرون وأهل الأخبار أسماء جماعة من هؤلاء، غير ان ما ذكروه عنهم غامض لا يشرح عقائدهم، ولا يوضح رأيهم في الدين، فلم يذكروا عقيدتهم في التوحيد، ولا كيفية تصورهم لخالق الكون.

وقد عرف هؤلاء بالحنفاء وبالأحناف، ونعتوا بأنهم كانوا على دين ابراهيم، ولم يكونوا يهودأَ ولا نصارى، ولم يشركوا بربهم أحداً. سفهوا عيادة الأصنام، وسفهوا رأي القائلين بها.

وقد أشير إلى "الحنيفية" و "الحنفاء" في كتب الحديث. وقد بحث عنها شرّاح هذه الكتب. ومما نسب اليه حديث: "لم أبعث باليهودية ولا بالنصرانية، ولكني بعثت بالحنيفية السمحة". وحديث: "بعثتُ بالحنيفية السمحة السهلة". وحديث "أحب الأديان إلى الله تعالى الحنيفية السمحة".

ويذكر أهل الأخبار أن الجاهليين جميعاً كانوا قبل عمرو بن لحي الخزاعيّ على دين ابراهيم. كانوا موحدين يعبدون الله جل جلاله وحده، لا يشركون به ولا ينتقصونه. فما جاء عمرو بن لحيّ، أفسد العرب، ونشر يينهم اضاليل عبادة الأصنام، بما تعلمه من وثنيي بلاد الشام حين زارهم، وحل بينهم، فكان داعية الوثنية عند العرب والمبشر بها ومضلهم الأول. وهو على رأيهم موزع الاصنام بين القبائل، ومقسمها عليها. فكان من دعوته تلك عبادة الاوثان، إلى أن جاء الإسلام فأعاد العرب إلى سواء السبيل، إلى دين ابراهيم حنيفاً، وما كان ابراهيم من المشركين.

ولقد فشت دعوة عمرو بن لحي وانتشرت، حتى دخل فيها أكثرهم، والضلال سريع الانتشار، وقلّ عدد من حافظ على دين ابراهيم والمراعي لأحكام دين التوحيد الحنيف: من اعتقاد بوجود إلهَ واحد أحد، وطواف بالبيت، وحج اليه، وعمرة، ووقوف على عرفة وهدي للبدن، واهلال بالحج والعمرة، وغير ذلك. فلم يبق منهم إلا عدد محدود في كل عصر إلى زمن البعثة المحمدية.

ولسنا نملك ويا للاسف شيئاً من الجاهلية يعيننا في الوقوف على عقائد الأحناف ودينهم، فليس في كتابات المسند ولا في الكتابات الجاهلية الأخرى، بل ولا في كتب اليونان واللاتنين شيء عن عقيدتهم وعن آرائهم،لذلك اقتصر علمنا بأحوالهم على ما جاء في المؤلفات الإسلامية وحدها، والفضل في حفظ أخبارهم للقرآن الكريم، فلولا اشارته اليهم وذكره لهم، لما اهتم المفسرون وأصحاب الأخبار بجمع ما كان عالقاً في ذهن الناس عنهم. وللحديث وكتب السير والأدب فضل في جمع أخبارهم يجب ألا ينهى كذلك.

وللعلماء الإسلاميين اراء وتفسيرات في أصل لفظة "حنيف" وحنفاء وأحناف وفي معانيها. فهم يقولون ان الأصل "حنف"، وحنف بمعنى مال. وحنف القسمين ميل كل واحدة منهما نحو الأخرى. والحنًفُ هو مال عن الضلال إلى الاستقامة، والحنف ميل عن الاستقامة إلى الضلال. والحنيف هو المائل. ومن هذا المعنى أخذ الحنف. وأما الحنيف، فالشيء يميل الى الحق،وقبل الذي يستقبل. البيت الحرام، أو الحاج أو من يختتن،والحنيف من أسلم في أمر الله فلم يلتوِ في شيء، والحنيف المستقيم الذي لا يلتوِ في شيء.


 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق