1429
( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي
الفصل الرابع والسبعون
الكعبة
ومعارفنا عن "البيت الحرام" ضئيلة، وفي الذي يذكره أهل الأخبار عنه ما لا يمكن قبوله ولا الأخذ به، لأنه لا يدخل في حدود التأريخ، ولغلبة الطابع القصصي عليه. ثم إن بعضه يناقض بعضاً، وفي بعضه تحيز وتعصب لبيت قرشي على بيت آخر. وحتى القسم الذي يتناول الأيام القريبة من الإسلام، لا يخلو من اضطراب ومن تناقض، وفيه شعر نحل على أناس، أقحمت أسماؤهم في قصص مكة، لتثبيته على طريقتهم في تثبيت الأخبار برواية شعر يتعلق بها.
ولم يعثر حتى الآن على كتابة جاهلية تكشف القناع عن تأريخ "البيت الحرام".ولذلك انحصر علمنا بتأريخه بما ورد في الموارد الإسلامية عنه.
وقد نص في القرآن الكريم، على ان إبراهيم وإسماعيل هما اللذان رفعا القواعد من البيت )وإذ جعلنا البيتَ مثابة للناس وأمناً واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى،وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل ان طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود. وإذ قال إبراهيم ربِّ اجعل هذا بلداً آمناً وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله واليوم الآخر. قال) ومن كفر فأمتعّه قليلاً ثم اضطره الى عذاب النار وبئس المصير. وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبّل منا انك أنت السميع العليم(. وقد كان تأسيس البيت في ايام العرب الأولى،في ايام جرهم، على روايات أهل الأخبار،وفيهم تزوج. وفيهم تزوج. وفي عهده ظهر ماء زمزم.
ويذكر أهل الأخبار ان مكة حرم آمن، لا يحلّ فيه قتال،ولم يكن أهله يقاتلون فيه، وان أول بغي وقع فيه، كان حرب وقعت بين "بني السباق بن عبد الدار" وبين "بني على بن سعد بن تميم"، حتى تفانوا. ولحقت طائفة من "بني السباق" بعك،فهم فيهم. وقيل أول بغي كان في قريش: بغي"الأقايش"، وهم "بنو أقيش " من بني سهم، بغى بعضهم على بعض،فلما كثر بغيهم على الناس،أرسل الله عليهم فأرة تحل فتيلة، فأحرقت الدار التي كانت فيها مساكنهم فلم يبق لهم عقب.
وقد بقي البيت معبوداً مقدساً عند أهل مكة وعند غيرهم، غير أن المشركين حوّلوه إلى بيت لعبادة الأصنام والأوثان والشرك حتى عام الفتح، حيث أزال الرسول عنه آثار الجاهلية، وأمر بطمس معالم الوثنية. وصار حرماً آمناً خاصاً بالإسلام لا يدخله مشرك ولا تطأ أرضه أقدام غير مسلم مؤمن باللّه وبرسوله. ويذكر أهل الأخبار أن أهل مكة كانوا يعظمون البيت،وأن من سنن تعظيمهم له، أن من علا الكعبة من العبيد، فهو حرّ لا يرون الملك من علاها،ولا يجمعون بين عزّ علوّها وبين الرق.
وانهم لم يكونوا يبنون بنياناً مربعاً بمكة تعظيماً للكعبة. وان أول من بنى بها بيتاً مربعاً، "بديل بن ورقاء" الخزاعي،وهو أول من أتخذ بمكة روشناً، وكانوا قبل ذلك يتحامون التربيع في البناء كيلا يشبه بناء الكعبة وأن أول من سقف بمكة سقفاً "قصي بن كلاب"، وكان الناس قبل ذلك إنما ينزلون في العريش وأن أول من بوب بمكة باباً "حاطب بن بلتعة".
و "بديل بن ورقاء(،هو "بديل بن ورقاء بن عبد العزى"،شريف كتب اليه التي يدعوه إلى الإسلام، وكان له قدر في الجاهلية بمكة. فلو أخذنا برواية من قال انه كان أول من بنى بيتاً مربعاً بمكة، وأول من اتخذ بها روشناً، وجب جعل حدوث ذلك في ايام النبي، أو بسنين قليلة قبل المبعث،فهل يعقل ذلك ?والروشن الرف، و "الرشن" الكوة، من الألفاظ المعربة عن الفارسية.
وأما "حاطب بن أبي باتعة" فهو "حاطب بن أبي بلتعة بن عمرو بن سلمة بن صعب بن سهل اللخمي"،حليف بني أسد بن عبد العزى،من الصحابة وممن شهد بدراً، كان حليفاً للزبير،وكان قد كتب كتاباً إلى قريش يخبرهم بتجهيز رسول الله اليهم، فضبط الكتاب قبل وصوله مكة، واعتذر.
فهو من الصحابة،وذكر ان الرسول أرسله إلى "المقوقس" صاحب الاسكندرية.
يتبع
( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق