1423
( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي
الفصل الثالث والسبعون
بيوت العبادة
المذابح
وقد عثر المنقبون على أحجار عديدة اتخذت أنصاباً لذبح القرابين عليها أو عندها، عثرعليها في العربية الجنوبية بصورة خاصة. وفي بعضها فتحة على هيأة ثقب تسيل منه دماء القرابين إلى موضع تتجمع فيه. وفي بعض آخر مسايلُ جانبية، تسيل الدماء منها إلى الخارج. وهذه الأنصاب هي "مذابح" ويقال للواحد منها "مذبحم" في العربيات الجنوبية أي "مذبح". ولذبح القرابين "ذبحن"و "ذبحم"،أي "الذبح" و "ذبح".
فالنصب اذن،الأحجار التي تذبح عليها القرابين وما يهل للأصنام. والعادة أن تكون أمام الصنم،وعلى مقربة منه. فإذا ذبح القربان سال دمه على النصب إلى ثقب يؤدي الى حفرة يتجمع فيها الدم. هي "الغبغب". و "النصب" هو "مصبه" Massebah في العبرانية، حيث كانوا يذبحون عليها القرابين. ولكثرة ما كان يذبح عليها صارت تبدوا حمراء من لون الدم، وقد أشير إلى الحمرة في حديث اسلام "أبي ذر الغفاري"،إذ ذكر أنه وصف تعذيب قريش له بقوله: " فرماني الناس حتى كأني نصب أحمر".
وليس لأهل الأخبار رأي واحد في "الغبغب،"،وإنما ذهب بعضهم إلى أن الغبغب هو المنحر، وذهب بعض آخر إلى أنه خزانة المعبد، يلقي النافرون فيها ما عندهم من نذور وقربات، و ذهب فريق آخر الى أنه بيت كان الناس يحجون اليه،كما يحج إلى البيت بمكة. وقيل إنه كان لمعتب بن قيس بيت يقال له غبغب،كانوا يحجون اليه.
والذي عليه أكثر أهل الأخبار أن "الغبغب" المنحر. وقد صرح بذلك "ابن الكلبي" في كتاب "الأصنام": وهو يتحدث عن "العزى"،فقال: "ولها منحر ينحرون فيه هداياها، يقال له الغبغب". كما صرح بذلك علماء اللغة إذ عرفوا الغبغب بأًنه المنحر، أو نصب كان يذبح عليه في الجاهلية، أو كل مذبح بمنى. وقد خصصه بعضهم بمذبح منى. أو هو حجر ينصب بين يدي صنم، وكان لمناف مستقبل ركن الحجر الأسود غبغب،وقيل كانا اثنين ويظهر من شرح علماء اللغة للمثل: "رب رمية من غير رامٍ"، ينسب قوله إلى الحكم بن عبد غوث أن الغبغب هو المذبح، أي المنحر الذي ينحر عليه.
ويظهر من روايات أهل الأخبار عن "بيوت" الآلهة انه كان لكل "بيت" "غبغب"، تذبح فيه هداياها،أي ما يهدى إلى تلك البيوت من قرابين. وقيل: الغبغب: المنحر، وهو جبيل بمنى، فخصص. وقيل كل منحر بمنى غبغب. قال الشاعر: والراقصات الى منى فالغبغب
ويذكر علماء اللغة ان "الغبغب" "العبعب" كذلك. وان العبعب موضع الصنم. وصنم لقضاعة ومن داناهم. وبيت كان لمتعب بن قيس،كانوا يحجون اليه كما يحجون إلى البيت. ويظهر من هذا الشرح ان "الغبغب" و "العبعب"،كلمة واحدة،لشيء واحد.
و "الغبغب" "الجب" كذلك. وهو حفرة يجمع فيها دم البدن، والجمع "الجباجب". قال "الزبير بن بكّار:الجباجب جبال مكة حرسها الله تعالى، أو أسواقها أو منحر، وقال البرقي، حفرٌ بمنى كان يلقى به الكروش، أي كروش الأضاحي في ايام الحج، أو كان يجمع فيها دم البدن والهدايا،والعرب تعظمها وتفخر بها ".
ويفهم أحياناً ان "الغبغب"،حفرة أو بئر، كان المتعبدون للاصنام يرمون بها نذورهم وهداياهم وما يتقربون به إلى أصنام كل: نذور نفيسة، من ذهب أو فضة أو حجارة كريمة. فكانت تحت صخرة "اللات" حفرة عرفت ب "الغبغب" حفظت فيها الهدايا والنذور والأموال التي كانت تقدم إلى الصنم. فلما هدم الصنم أخذت من الغبغب تلك الأموال. ويرادف الغبغب "الجب"، الذي يقال له "الأخسف" و "الأخشف"،وهو بئر في جوف الكعبة نصب "هبل" عليه. كان الناس يرمون فيها نذورهم وهداياهم. وتقع على يمين من يدخل البيت،وكان عمقها ثلاث أذرع.
و "الغريّ" مذبح على ما يظهر من تفسير علماء اللغة لهذه اللفظة. يظهر أنه كان صخرة تذبح عندها الذبائح وتطلى بدمها،أو نصب تذبح للقرابين عليه. ويعبر عن المذبح الذي تذبح عليه الحيوانات الكبيرة،مثل البقر بلفظة "حردن". ومن الألفاظ التي تطلق على المذبح، "منطف"و"منطفت"،أي "المنطفة"،وهي المذبحة. والمذبح، هو "مذبحت" في نصوص المسند، أي موضع الذبح.
يتبع
( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق