1422
( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي
الفصل الثالث والسبعون
بيوت العبادة
المذابح
وتلحق بالمعابد مذابح تذبح عليها القرابين التي يقرب بها المؤمنون الى آلهتهم، ويقال للواحد منها، "مذبح" و "نصب" و "مصب" و "غبغب". وقد وردت لفظة "مذبح" و "مذبحت"،أي "المذبحة"، في طائفة من الكتابات. وهي مواضع الذبح، حيث يكون تقريب القرابين إلى الآلهة.
وقد ذهب علماء اللغة مذاهب في تحديد معنى "النصب"، فرأى بعضهم ان النصب كل ما عبد من دون الله، وذهب بعض آخر الى ان النصب صنم أو حجر كانت الجاهلية تنصبه، وتذبح عنده، فيحمرّ للدم، وذهب آخرون إلى ان الأنصاب حجارة كانت حول الكعبة تنصب، ويذبح عليها لغير الله تعالى. وعرفها بعض بقوله:" النصب الأوثان من الحجارة، جماعة أنصاب كانت تجمع في الموضع من الأرض، فكان المشركون يقربون لها وليست بأصنام"، "قال ابن جريج: النصب ليست بأصنام. الصنم يصور وينقش، وهذه حجارة تنصب ثلثمائة وستون حجراً. منهم من يقول ثلثمائة منها بخزاعة. فكانوا اذا ذبحوا نضحوا الدم على ما أقبل من البيت وشرحوا اللحم وجعلوه على الحجارة. فقال المسلمون: يا رسول الله ? كان أهل الجاهلية يعظمون البيت بالدم، فنحن أحق ان نعظمه ". ولو أخذنا برواية "ابن جريج"،خلصنا إلى ان هذه الأنصاب، كانت بعدد أصنام الكعبة، اي انهم كانوا قد خصصوا بكل صنم، نصباً، يذبحون عليه ما يتقربون به اليه من عتائر. فقد كان عدد أصنام الكعبة ثلثمائة وستون حجراً عام الفتح على ما يذكره أهل الأخبار، إلا اذا اعتبرنا ما ذكروه عن عدد الأصنام وهماً، وأخذنا برواية "ابن جريج" التي هي دون الرواية الأخرى في الشهرة والذكر.
وأشير إلى "النصب" في شعر ينسب إلى "الأعشى"، يقال إنه قاله في مدح الرسول هو: وذا النصب المنصوب لا تنسكنه لعاقبة والله ربـك فـاعـبـدا
وعلى كل، فنحن لو أخذنا بالروايتين، أو برواية واحدة منهما، فإن العدد "360" يلفت النظر حقاً. فلمَ خصص رواة الخبرين عدد الأصنام أو الأنصاب كذا الرقم، وهل يمثل ذلك شيئاً له صلة بالفلك، أو بأسطورة دينية قديمة كانت عند أهل مكة ? وقد وردت كلمة "النصب" في آية اللحوم المحرمات التي لا يجوز أكلها في القرآن الكريم: )حرمت عليكم الميتة، والدم، ولحم الخنزير، وما أهل لغير الله به، والمنخنقة، والموقوذة، والمتردية، والنطيحة، وما أكل السبعُ، الا ما ذكيتم، وما ذبح على النصب(. فجعلت،الذبائح التي تذبح على النصب للأصنام في جملة التي لا يحل للمسلم أكلها،فيفهم من هذه الآية أن النصب مواضع تذبح عليها القرابين. كما وردت في موضع آخر من سورة المائدة: )يا أيها الذين آمنوا، إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان. فاجتنبوه(. وقد ذكر علماء التفسير، أن الأنصاب التي يذبحون عندها.
وقد ذكر علماء التفسير،ان أهل الجاهلية كانوا قد وضعوا حول الكعبة أنصاباً، أي حجارة كانوا يذبحون عليها، فكانوا اذا ذبحوا نضحوا الدم على ما أقبل من البيت وشرحوا اللحم: وجعلوه على الحجارة. وكانوا يبدلونها إذا شاؤوا بحجر هو أحب اليهم منها. كما كانوا قد وضعوا الأنصاب في بيوت الأصنام الأخرى، يذبحون عليها ذبائحهم لها. وقد أشير إلى "المائرات"،أي الدماء: دماء الذبائح ل "رشيد بن رميض العنزي": حلـفـت بـمـائرات حـــول عوض وأنصار تركن لدى السعير
و "عوض" صنم لبكر بن وائل، و "السُعير" صنم لعنزة خاصة. و "نصب" هي " نصب" و "مصب" في اللهجات العربية الجنوبية، و "نصب" و "مصبت" في الفينيقية، و "مصبه" Masseba في العبرانية. ويراد بها مذبح، تذبح عليها القرابين والضحايا التي يقدمها المتعبدون إلى معبودهم Deity. ويعرف ب Altar أي مذبح في الانكليزية. وهو من حجر واحد في الأصل، قد يذبح عليه، فيسيل الدم فوقه ويتلطخ به، وقد يكون في نظرهم بمثابة المعبود الذي تقدم الضحية اليه. وقد يذبح عليه، فيسيل الدم من فتحة تكون فيه إلى بئر تتجمع فيها دماء الذبائح، تكون عند قاعدة النصب.
وقد تخصص المذابح بحرق لحم الذبيحة كله أو بعضه عليها،تقرباً إلى الأصنام، كالذي كان يفعله العبرانيون.
يتبع
( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق