1415
( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي
الفصل الثالث والسبعون
بيوت العبادة
وللسبب المذكور اشترط سدنة الصنم "الجلسد" على من يريد من عبّاده تقديم قربان اليه،أو تكليمه كراء ثياب مسدنة، للبسها بدلاً من ملابسهم، لأنها ملابس نظيفة طاهرة، لم تمسها أدارن مادية أو معنوية. وهو شرط نجده عند غير العرب أيضاً كالعبرانيين. وقد كانت المعابد تدخر ملابس تكريها لمن يريد أداء شعائر زيارة بيوت الأصنام، وورد في كتب أهل الأخبار، أن الجاهليين حتموا على المرأة الحائض ألا تمس الصنم ولا تتمسح به، و ألا تدخل بيته لنجاسة الحيض. وورد أن "فاختة" أم "حكيم بن حزام بن خويلد"،كانت دخلت الكعبة وهي حامل متمّ بحكيم
ابن حزام فأجاءها المخاض، فلم تستطع الخروج من الكعبة،فوضعته فيها فلفت في الأنطاع هي وجنينها وطرح مثبرها وثيابها التي كانت عليها، فجعلت لقي لا تقرب.فيظهر من هذا الخبر ان أهل مكة كانوا يعتبرون دم المخاض والولادة نجساً،ولهذا اعتبرت الأنطاع التي وضعت "فاختة" جنينها عليها، بل اعتبرت هي نجسة أيضا، فلفت بالأنطاع، وألقيت، وجعلت لقي لا يمسها أحد.
وعثر المنقبون على أحواض داخل المعابد في العربية الغربية، يظهر أنها كانت للوضوء، لتطهير الجسم قبل الدخول إلى المسجد، موضع الصنم.وذلك بغسل الوجه واليدين والقدمين وربما الأبدان كذلك، قبل الدخول إلى بيت الصنم. ولكون هذا الوضوء تطهيراً للجسم، عرفت "الميضأة" بالمطهرة، لأنها تطهر من الأدران. ولهذا السبب، حفرت الآبار في المعابد، لتموين هذه الأحواض بالماء، وللتبرك أيضاً بالماء المقدس، ولاستعماله في أغراض أخرى، منها تنظيف الجسم من الأدران بعد قضاء الحاجة.
ولهم آداب اتبعوها حين دخولهم بيت الصنم، وحين خروجهم منه. من ذلك ان القبائل كانت تتجنب ان تجعل ظهورها على مناة اعظاماً للصنم. فكانت تنحرف في سيرها، حتى لا يكون الصنم إلى ظهرها. وفي ذلك قال الكميت بن زيد، أحد بني أسد بن خزيمة بن مدركة: وقد آلت في قبائل لا تولي مناة ظهورها مُتَحرّ فينا
وقد تطورت أشكال المعابد و هندستها بتطور الحضارة، وبشكل طبيعة الأرض التي يقام المعبد عليها. وهي تتناسب مع درجة تطور الشعوب ودرجة رقيها وطراز تفكيرها واختلاطها. بالأمم المجاورة. ولذلك نجد معابد "تدمر" مثلاً قد تأثرت بطراز البناء الإغريقي، لتغلغل الثقافة اليونانية فيها، ولتأثر سكان المدينة باليونان. كذلك نجد هذا الأثر والأثر الروماني في معابد بلاد الشام وفلسطين، فالمعبد أذن هو نموذج معبر عن نفسية الناس وعن حضارتهم ودرجة تفكيرهم وعن هندستهم،ومدى تأثر فن البناء عندهم بالمؤثرات الداخلية الأصيلة أو المؤثرات الدخيلة في الزمن الذي قام فيه البناء.
ومن هنا نجد معابد اليمن، اتخذت لها الحجارة الضخمة المتقطعة من الصخور في بناء الجدر والأرض وفي الأعمدة، ونجد المعمار قد تفنن في تزويق الجدر والأعمدة والسقوف وفي زخرفتها، فصارت المعابد ضخمة جميلة، لا تضاهيها المعابد التي أقيمت في مواضع سهلة من جزيرة العرب، لعدم وجود المواد الصالحة للبناء فيها، ولأن الطبيعة لم تهب للمعمار فيها ما يدفعه إلى بناء أبنية ضخمة فيها تضاهي معابد أهل اليمن.
يتبع
( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق