إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

السبت، 23 يناير 2016

1407 ( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي الفصل الثاني والسبعون الحج والعمرة العمرة


1407

( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي
       
الفصل الثاني والسبعون

الحج والعمرة

العمرة

ولم يكن الجاهليون القريبون من مكة أو البعيدون عنها يقصدونها في حج "عرفة" وعمرة "رجب" حسب، بل كانوا يقصدونها في اوقات مختلفة وفي المناسبات، للطواف حول الأصنام،.واستلام الحجر الأسود، والتقرب إلى الآلهة المحلية. وقد ساعد ذكاء سادة قريش الذي تجلى في جمعهم اكثر ما أمكنهم جمعه من أصنام القبائل في "البيت الحرام"، على اجتذاب القبائل اليها، وبذلك نشطوا في استغلال مواسم الحج والعمرة بالاستفادة من القادمين بالاتجار معهم، وببيع ما يحتاجون اليه من طعام وزاد، فحصلوا عل مال، حسدهم عليه الاخرون فكان الفضل في ذلك للبيت.. والى ذلك أشير في القرآن، في سورة"قريش": ")فليعبدوا رب هذا البيت، الذي أظعمهم من جوع وآمنهم من خوف(.

هذا ما عرفنأه عن شعائر الحج إلى مكة وعن مناسكه في الجاهلية المتصلة بالإسلام. أما عن الحج إلى البيوت الأخرى وعن شعائره ومناسكه، فلا نكاد نعرف من أمرهما شيئاً يذكر. ولكننا نستطيع ان نقول إن من أهم أركان الحج عند جميع الجاهليين، وجوب مراعاة النظافة.، نظافة الجسم ونظافة الثياب. ولذلك، كانوا اذا حجوّا لبسوا ملابس خاصة بالحج هي "الاحرام" أو ملابس جديدة، أو ملابس مستعملة نظيفة مغسولة،وذلك لحرمة هذه المواضع وقدسيتها، فلا يجوز دخولها بملابس وسخة دنسة، واذا كانوا يلبسون أحسن ما عندهم عند ذهابهم إلى مقابلة عظيم أو سيد قبيلة أو رجل محترم، احتراماً له واجلالاً لشأنه، أفلا يجب اذن لبس خير ما عند الإنسان من ثياب لدخول بيوت الآلهة، ولا سيما في مواسم الحج ?. وكان منهم من يوجب على نفسه الغسل وتنظيف جسده حين دخوله المعبد أو اعتزامه الحج.

وتقبيل الأصنام والأحجار واستلامها في أثناء الطواف، والتمسح لها، من الشعائر الدينية اللازمة في الحج وفي غير مواسم الحج عند الزيارات. كان في روعهم ان هذا التقبيل مما يقربهم إلى الآلهة، ويوصلهم اليها، فتجعلها ترضى عنهم وتشفيهم مما هم فيه من سقم وأمراض، فتقربوا اليها ومسحوا أجسامهم بها تبركاً وتقرباً. و "التمسح" بالصنم أو الحجر المقدس، التبرك به لفضله وعبادته، كأنه يتقرب إلى الآلهة بالدنو منه ولمسه. وقد كان رجال الدين يمسحون بأيديهم أجسام المرضى وثيابهم، لازالة السوء عنهم. وقد ذكر أهل الأخبار ان الجاهليين كانوا يتمسحون بأصنامهم، ويمسحون ظهورهم بها، لاعتقادهم انها تشفيهم من كل ألم وسوء.

واستلام الصنم أو الحجر المقدس،هو نوع من أنواع التقدير والتعظيم والتقرب. ويراد بذلك تقبيل الحجر ولمسه وتناوله باليد ومسحه بالكف. واذا صعب الوصول اليه لشدة الازدحام، فقد يمدّ احدهم قصبة أو عوداً أو عصاً اليه لمسه، فيكون لمس هذه الأشياء له، كأنه لمس حقيقي، يجلب لصاحبه ما تمناه وطلبه ورجاه من ذلك الصنم أو الحجر.

وقد أشار بعض "الكلاسيكين" إلى وجود غابة من النخيل في ركن من البحر الأحمر، كان يؤمّها النبط للتبرك بها، إذ كانت في نظرهم أرضاً مقدسة، عليها معبد من الحجر عليه كتابة، وصفوها بأنها كتابة لا يستطيع اليوناني قراءتها، وبه كهّان وكاهنات يقضون عمرهم في خدمة ذلك المعبد.قالوا: وفي كل خمس سنين يحج الناس اليه، ويتجمعون عنده، ويحضر معهم من في جوار المعبد من ناس، فيذبحون، ويتقربون إلى ألهتهم. فإذا عادوا أخذوا معهم ماءً من ذلك المكان، للتبرك به، لاعتقادهم أنه يمنحهم الصحة والعافية. وذكر بعض آخر أن الحج إلى هذا البيت كان مرتين في السنة: الحج الأول في مطلع السنة، ويستغرق شهراً واحداً. اما الحج الثاني فيكون في نهاية الصيف،ويستغرق شهرين. وتكون هذه الأشهر الثلاثة أشهراً حرماً لا يحل فيها قتال، يعمّها سلم أوجبته الآلهة على الإنسان والحيوان.

ونرى في هذه الشعائر مشابهة كبيرة لشعائر الحج في مكة. ولولا تعيين هؤلاء الكتبة المكان، ونصهم على أنه على البحر الأحمر، وانه غابة نخيل، لأنصرف الذهن إلى مكة،0 إذ نجد أن شعائر الحج فيها تشبه هذه الشعائر، واستقاؤهم من ماء "زمزم" للتبرك به، يشبه استقاء هؤلاء من بئر معبدهم هذا، وقد أهمل أولئلك الكتبة أسماء الأشهر الحرم الثلاثة، فأضاعوا علينا فرصة ثمينة كانت تساعدنا كثيراً في الوقوف على تثبيت الأشهر عند الجاهليين.

ويلاحظ أن النبط كأنوا يعقدون في أثناء هذه الأشهر الحرم سوقاً، تذكرنا بسوق عكاظ التي كان يعقدها أهل الحجاز. ولا شك أن موسم الحج في المعبد المذكور، الذي يتحول إلى سوق للبيع والشراء، يشبه موسم الحج في مكة حيث ينقلب أيضاً إلى سوق.

 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق