1382
( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي
الفصل الثاني والسبعون
الحج والعمرة
والحج الذهاب إلى الأماكن المقدسة في أزمنة موقوتة، للتقرب إلى الآلهة،والى صاحب ذلك الموضع المقدس. وتقابل هذه الكلمة؛Bilgrinage في الانكليزية والحج بهذا المعنى معروف في جميع الأديان تقريباً، وهو من الشعائر الدينية القديمة عند الساميين.
وكلمة "حجّ" من الكلمات السامية الأصيلة العتيقة، وقد وردت في كتابات مختلف الشعوب المنسوبة إلى بني سام. كما وردت في مواضع من أسفار التوراة. وهي تعني قصد مكان مقدس وزيارته.
وفي روع الشعوب السامية القديمة وغيرها أن الأرباب لها بيوت تستقر فيها، قيل لها في الأزمنة القديمة "بيوت الآلهة". ولذلك يرى المتعبدون والمتقون شدّ الرحال اليها، للتبرك بها وللتهرب اليها، وذلك في أوقات تحدد وتثبت، وفي أيام تعين تكون أياماً حرماً لكونها أياماً دينية ينصرف فيها الإنسان إلى آلهته، ولذلك تعدّ أعياداً، يعمد فيها الناس، بعد اقامتهم الشعائر الدينية المفروضة وبعد أدائهم القواعد المرسومة، إلى االفرح والسرور والرقص، ليدخلوا السرور إلى قلوب الأرباب. ففي الحج اذن مناسك وشعائر دينية وعبادة تؤدى، وافراح وسرور وحبور.
ويكون الحج بأدعية وبمخاطبة إلى الالهة وبتوسلات لتتقبل حج ذلك الشخص الذي قصدها تقرباً اليها. وهذا هو الشائع والمعروف عن الحج، غير أن من الجاهليين من كان يحج حجاً مصمتاً، أي دون كلام، فلا يتكلم الحاج طيلة أيام حجه. وقد كان ذلك من عمل الجاهلية.
وقد ميزّ الشهر الذي يقع فيه الحج عن الأشهر الأخرى بتسميته " ب "شهر ذي الحجة" وب "شهر الحج". وذلك لوقوع الحج فيه. وهذه التسمية المعروفة حتى الآن في التقويم الهجري، هي تسمية قديمة، كانت معروفة في الجاهلية، وردت في نصوص الجاهلية. فبين اسماء الأشهر الواردة في نصوص المسند اسم شهر يعرف ب "ذ حجتن" أي "ذي الحجة"، ويدل ذلك على أنه الشهر الذي يحج فيه. وقد وردت كلمة "حج" في نصوص المسند كذلك.
وقد ذكر "أفيفانيوس" Epiphanius ان من أسماء الأشهر عند العرب شهراً اسمه Aggathalbaeith "حج البيت" أراد به شهر "ذي الحجة". والعرب الذين قصدهم هذا الكاتب هم عرب "الكورة العربية"، ومعنى هذا ان العرب الشماليين كان لهم شهر يسمى ب "ذي الحجة" كذلك.
ولفظة Aggathalbaeith،هي لفظة عربية النجار حرفت على لسان "فيفانيوس" وقومه، لتناسب منطقهم، فصارت على هذا النحو، وهي من كلمتين عربيتين في الأصل، هما "حجة البيت"، أو "حج البيت". ويكون نص "أفيفانوس" هذا من النصوص المهمة بالنسبة لنا، التي ساعدنا في الرجوع بتأريخ استعمال هذا المصطلح إلى ايامه، ولا بد وان يكون ذلك المصطلح قد استعمل قبل أيام ذلك الكاتب ولا شك.
ويقع شهر الحج "ذي الحجة" - على رواية "افيفانيوس" - في "تشرين الثاني"، وأشار "بروكوبيوس" إلى ان العرب كانوا قد جعلوا شهرين من السنة حرماً لالهتهم لا يغزون فيهما ولا يهاجم بعضهم بعضاً، كما أشار "فوتيوس" إلى الأشهر الحرم عند العرب. والشهران اللذان أشار اليهما "بروكوبيوس"، هما شهرا ذو القعدة وذو الحجة في نظر "ونكلر"، وها بمثلان - في رأيه - "جولاي" و "أغسطس" أي تموز وآب.
يتبع
( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق