1022
( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي
الفصل الثالث والخمسون
حقوق الملوك وحقوق سادات القبائل
حماية الحدود
ومن واجبات الدولة تثبيت حدودها والمحافطة عليها من كل اعتداء، وذلك بمراقبة الحدود ووضع حاميات عسكرية عليها، من "مسالح" و "مناظر" وبناء قلاع في الثغور لحمايتها من المغيرين وصدهم. وتبنى هذه التحصينات في الخطوط الأمامية وعلى مبعدة من الأماكن الكبيرة المأهولة حتى يكون في وسعها صد المغيرين، أو وقفهم حتى تأتي نجدات كبيرة من الجيوش لمحاربة الغزاة، ويكون في وسع أهل القرى والمدن الهرب بأنفسهم وأموالهم إلى مواضع آمنة.
و "المسالح" مواضع المخافة. والمسلحة كالثغر والمرَْقب يكون فيها أقوام يرقبون العدو لئلا يطرقهم على غرة، فإذا رأوه أعلموا أصحابهم ليتأهبوا له. ومسلحة ألجند خطاطيف لهم بين أيديهم ينفضون لهم الطريق، ويتجسسون خبر العدو ويعلمون علمهم، لئلا يهجم عليهم، ولا يدعون واحداً من العدو يدخل بلادهم. وذكر انه كان أدنى مسالح فارس إلى العرب "العذُيب". فالمسالح اذن، هي الخطوط الأمامية من خطوط الدفاع عن بلد ما، ونقاط الأمان فيها، ومحل جمع المعلومات عن تحركات ونيات العدو. بها حاميات مقيمة وظبفتها الأولى الاستطلاع واخبار الجيش بقدوم عدو ما، ومشاغلته إلى وصول القوات المدافعة الكبيرة.
و "المنظرة" "موضع الربيئة" وهي المرقبة، وتكون في مواضع مشرفة مثل رأس تل أو جبل يبنى عليه بناء يجعل فيه رقباء ينظرون العدو ويحرسونه، ليتوقوا غدره وشره. فإذا أراد الاغارة، أرسلت "النظيرة" "النظورة" رسالة تحذير للتهيؤ لصد العدو. والظاهر ان اتخاذ المناظر في المواضع العالية المشرفة، هو الذي جعل علماء اللغة يفسرون المناظر بأنها أشراف الأرض لأنه ينظر منها.
و "المراقب" و "المرقبة" الموضع المشرف، يرتفع عليه الرقيب، و"الرقيب" الحارس الحافظ، و "رقيب القوم": حارسهم، وهو الذي يشرف على مرقبة ليحرسهم. وذكر علماء اللغة ان المرقبة هي المنظرة في رأس جبل أو حصن، فهي في المعاني المتقدمة.
و "الثغر" الموضع الذي يكون حداً فاصلا" بين الحكومتين. وهو موضع المخافة من أطراف البلاد. و "الثغرة": الثلمة،" وكل فرجة في جبل أو بطن أو طريق مسلوك. ويظهر من هذا التعريف ان الثغور هي المواضع الخطرة من الحدود، لأنها تكون بمثابة الفرجة أو الثلمة فيها يتسنى للعدو منها التسلل بسهولة الى أرض عدوه، ولهذا تجب حراستها والعناية بها، بوضع حاميات بها لتشغل العدو ولتصده من الولوج اليها.
وقد أقام الفرس والروم "مناظر" على حدودهم، على أبعاد لا يكون ما بينها بعيداً حتى يكون في وسع حماة "المناظر" أن يتعاونوا، ويقسموا العون للمنظرة التي تهدد بالخطر. وأقام الروم "طرقاً" ممهدة بين هذه المناظر، ليسهل على القوات السير عليها بسرعة لنجدة المناظر وحماية الحدود.
وتلجأ الحكومات إلى اقامة استحكامات أخرى لوقاية الحدود من مهاجمة عدو لها، مثل اقامة الخنادق في بعض المواضع الخطيرة المهددة من الحدود لمنع المغيرين من عبورها، كالذي يذكره أهل الأخبارعن "خندق سابور" الذي أقامه لمنع الأعراب من العبور بقصد الغزو، ومثل اقامة بعض الحواجز والأسوار في الممرات والأودية، وربايا في المواضع المشرفة، لمراقبة حركات الأعداء وصدهم من المرور من هذه الأماكن.
يتبع
( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق