إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الثلاثاء، 12 يناير 2016

1006 ( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي الفصل الثالث والخمسون حقوق الملوك وحقوق سادات القبائل الحمى


1006

( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي
  
الفصل الثالث والخمسون

حقوق الملوك وحقوق سادات القبائل

الحمى

ولسيد القبيلة حق "الحمى"، وهو من أمارات عزه وشرفه وسيادته. فكان إذا مر سيد قبيلة برمضة أعجبته، أو بغدير أعجبه، أعلن حمايته عليها أو عليه إلى حد يعينه ويثبته، فلا يقترب أحد من ذلك الحد، وهو في ذلك مثل الملوك في هذا الحق. ولهذا لم يتمتع بهذا الحق إلا سادات القبائل الكبار أصحاب العز والجاه وكثرة العدد، مثل "كليب وائل" سيد ربيعة، وكانت رئاسة مضر وربيعة له في أيامه، وكان من عزه انه إذا مر بمكان أعجبه كنع كليباً له ثم رمى به هناك، فلا يسمع عواء ذلك الكليب أحد، فيقرب ذلك الموضع. فكان يقال: "أعز من كليب وائل".

وقد تفرد العزيز من سادات القبائل بالحى،وعدّ وه من أمارات العز والمنعة، فلا يناله إلا كبار سادات القبائل. وذكر ان "كليب وائل كان متغطرساً، حتى كانت غطرسته هذه سبب قتله. والى ظلمه وتعسفه، وأخذه الحمى، أشار "العباس بن مرداس" يقوله: كماكان يبغيها كليب بظلـمـه  من العزحتى طاح وهو قتيلها

على وائل اذ يترك الكلب نابحاً  وإذ يمنع الأفناء منها حلولهـا

والحمى الأرض التي تحمى من الناس فلا يرعى فيها إلا بموافقة من حماها. وقد،جعله بعضهم: "موضع فيه كلأ محمى من الناس أن يُرعى". وذكروا أنه "كان الشريف من العرب في الجاهلية إذا نزل بلداً في عشيرته استعوى كلباً فحمى لخاصته مدى عواء الكلب لايشركه فيه غيره، فلم يرعه معه أحد.وكان شريك القوم في سأئر المراتع حوله ".

ويظهر من غربلة ما ورد في الآخبار عن "الحمى"، أنه كان على نوعن: حمى دائم أو طويل الأجل، وهو الأرض المخصبة الجيدة المنبتة التي تتوفر فيها المياه، أو تكون المياه فيها قربية من سطح الأرض، فينتقيها كبار سادات القبائل ويجعلونها حمى دائماّ لهم ولأسرتهم، وقد يحولونه إلى ملك لهم، يتوارث توارث الإرث، ويكون لمن هو من الأسرة التي حمته، أو لمن خصمص الحمى باسمه. ومن هذا القبيل "حمى ضرية"، مرعى لإبل الملوك، ومراعي الملوك الأخرى.

وحمى آخر، يكون قصير الأجل بالنسبة للحمى الأول. فقد يحمى لموسم وقد يحمى لمواسم فأجله سرتبط بأجل الغيث الذي ينزل عليه. فإذا جاد ووصل الأرض وأنبتها نباتاً حسناً وكساها بساطاً أخضر، بقي حامي الحمى به، وإد انحبس المطر عنه، وجفَّ كل شيء به، ورفع ذلك البساط عنه، وظهرت عبوسة الرمال والتربة المتهشمة من نحته، فقد يهرب حاميه منه ليفتش عن أرض أخرى يعيش عليها، فيصير الحمى عندئذ بلا حام، إلا إذا عاد الغيث اليه، وعاد صاحبه ليجدد عهده به، وليثبت حق حمايته عليه، وإلا، فقد يصير في حماية شخص آخر قد ينزل به قبله، ويكون لديه من القوة والمنعة ما لا يستطيع أحد من زعزعته عنه.

ولا بد وان نحدد حدود الحمى وان تثبت له أنصاب وعلامات، حتى يكون الناس علي بينة من حسوده فلا يدخلونه. ونجد في الكتب التي دوّنها الرسول للوفود الي زارته، والتي حمى لها أحمية، حدوداً ومعالم دونت أسماؤها فيها، وقد تثبتت مساحتها في بعض الكَتب، مما يدل على ان مايرويه أهل الأخبارمن قصة تعيين حدود الحمى بعواء كلب أو بركضة فرس أسطورة من أساطير أهل الأخبار.

ومن أشهر مواضع الحمى في جزيرة العرب: حمى ضرية. وقد عرف في ايام ملوك كندة ب "الشرف" وهو "كبد نجد"، وكانت به منازل الملوك من بني آكل المرار. ثم عرف ب "ضرية" في وقت لا نستطيع نحديده تماماً، ويذكر علماء اللغة ان "ضرية" امرأة سمي الموضع بها، وهو بأرض نجد، وبه يئر. ويظهر ان اسم "ضرية" كان معروفاً في ايام ملوك كندة من بني آكل المرار، ولكنه كان اسم موضع من مواضع الشرف، ثم اشتهر، فسمي به هذا الحمى: حمى ضرية. وذكر بعض أهل الأخبار ان "ضرية" أكبر الأحماء، وقد سميّ ب "ضرية بنت ربيعة بن نزار.". قال "ابن السكيت": "الشرف كبد نجد و كَان من منازل الملوك من بني آكل المرار من كندة. وفي الشرف حمى ضرية وضرية بئر. وفي الشرف الربذة وهي الحمى الأيمن. وفي الحديث ان عمر حمى الشرف والربذة ". ويظهر من هذا الوصف ان "الشرف" أرض واسعة بنجد. منها الربذة وهو الحمى الأيمن لمن يتجه إلى الجنوب فيوجه وجهه نحو البحر العربي ويجعل قفاه إلى العراق وبادية الشام وبلاد الشام، ومنها حمى "ضرية"الشهير.

وذكران أول من حمى "ضرية" في الإسلام "عمر" حماها، لإبل الصدقة وظهر الغزاة، وكان ستة أميال من كل ناحية من نواحي ضرية وضرية في وسطها. و"ضرية" من مياه "الضباب" في الجاهلية، وكانت لذي الجوشن الضبابي، والد شمر بن ذي الجوشن قاتل الحسينْ. وورد أنها كانت حمى "كليب بن وائل"، وان في ناحية منه قبره، وكان الناس يقصدونه.

ومن الحمى، حمى فيد. قرب أجأ وسلمى جبلي طيء، على طريق حاج العراق إلى مكة. وذكر أن فيداً فلاة في الأرض بين أسد وطيء في الجاهلية، فلما قدم "زيد الخيل" على رسول الله أقطعه "فيد". وبها قرية "فيد"،سميت ب "فيد بن حام" أول من نزلها. وهي من القرى الجاهلية.

وقد أشار "ياقوت" إلى أحماء أخرى. منها حمى الربذة وحمى النير وحمى ذو العثرى وحمى النقيع. وذكر أن ب "النير" قبر كليب وائل. وأن الخليفة "عمر" حمى "النقيع" لخيل المجاهدين ولنعم الفيء، فلا يرعاها غيرها.

ولا يعقل أن يكون "كليب وائل" أول من حمى الحمى في الجاهلية. والظاهر ان شطط "كليب" وتعسفه" في الإكثار من الحمى، وشدة منعه الناس الغرياء  

من الرعي في احمائه، جعل أهل الأخبار ينسبون مبدأ الإحماء اليه. وقد تكون لفظة "كليب" التي صارت وكأنها اسم كليب مع أنها لقب في الأصل، هي التي أوحت إلى ذهب أهل الأخبار، بابتكار قصة استنباح "كليب" جهرواً، ليكون مدى انقطاع سماع نباحه وعوائه نهاية الحمى، أي حدوده. ونجد بعض أهل الأخبار يجعلون حدود الحى المواضع التي تصل اليها الخيل وهي جارية، فتقف عندها من التعب. فيكون الحمى بهذه الطريقة أكبر وأوسع من الحى المحدد بنباح كاب.

وفي أرض "بني أسد" "حزن"، كانت ترعى فيه إبل الملوك. وهو قف غليظ بعيد من المياه، فليس ترعاه الشياه ولا الحمر، وليس فيه دمن ولا روث. اليه أشير في قول الأعشى: ما روضة من رياض الحزن معشبة  خضراء جاد عليه مسيل هـطـل

ويتبين من دراسة ما أورده أهل الأخبار عن الحمى، أن الأحماء لم تكن أرضين صغيرة حدودها ضيقة بحدود مدى سماع عواء الكلب، بل انها كانت أكثر من ذلك بكثير. كانت مقاطعة كبيرة تظم آباراً وعيوناً وقرى في بعض الأحيان. وقد حصل عليها أصحابها من الحروب والغزو في الأصل. فعندما يغزو سيد قبيلة، قبيلة أخرى، كان يختار لنفسه خيرة الأرضين فيجعلها في حماه. فنشأ الحمى في الأصل هو من الحروب والغزو، أي من الغنائم التي تقع في أيدي المنتصر، ومن الهبات التي يعطيها ملك لأشراف شعبه ولقادته في السلم أو في الحروب، فتحمى لهم ولا يدخلها أحد غيرهم، إذ صار حكمها حكم الملك.

وذكر أن الملوك إذا جاءتها الخرائط بالظفر، غرزت فيها قوادم ريش اسود.


 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق