إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأحد، 10 يناير 2016

997 ( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي الفصل الثالث والخمسون حقوق الملوك وحقوق سادات القبائل بيت المال


997

( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي
  
الفصل الثالث والخمسون

حقوق الملوك وحقوق سادات القبائل

بيت المال

والملك هو صاحب اْرض الدولة والقيّم عليها. وله حق منح الأرض لمن يشاء وانتزاعها عمن يشاء، أو تأجيرها لمن يرى. والأرض عند العرب الجنوبيين هي ملك الآلهة، وليس على وجه الأرض ملك لإنسان. غير أن هذا لا يعني ان الأرض ومن عليها ملك لرجال الدين باعتبار انهم ألسنة الآلهة الناطقة على هذه الأرض والممثلون لهم في هذا العالم، َفهم وحدهم إذن لهم حق ادارة الأرض واستغلالها، وذلك لأن الملوك سلبوهم هذا الحق واستبدوا به ومارسوه ونصبوا أنفسهم خلفاء على الأرض، وصاروا أوصياء الالهة على أموالها. وهكَذا فسرت قاعدة "المال مال الآلهة" تفسيراً يجعل حق الأشراف على "مال الآلهة" في هذه الأرض للملوك ولأصحاب السلطان الفعلي الحاكمين حكماً بقانون القوة، أما رجال الدين الذين يجب ان يكَونوا هم خلفاء الآلهة على الأرض والمنفذين لأوامرها، فقد خضعوا لحكم الواقع، ورضوا بما حصلوا عليه من حقوق وامتيازات، وساروا إلى جانب الملوك في الغالب، لتشابه المصلحتين، وحصل الترضي على اعطائهم حقوقأ وامتيازات واسعة، واستقلالاً في إدارة اموال المعابد، بحيث لا يكون للحكومة اي سلطان عليها، وهي مستثناة من دفع الضرائب التي يجب على سائر الناس دفعها الىْ الحكومة، فصار المعبد من ثم سلطة ذات ثرأء وسلطان تلي سلطة الحكومة ولها ضرائب يدفعها المؤمنون المتقون.

والملوك هم من كبار أصحاب الملك في الدولة، فإلى جانب حقهم المتقدم في اعتبارهم خلفاء الالهة على الأرض في ادارة ملكها، نجدهم يمتلكون أرخضاً وآسعة وأملاكاً شاسعة ويتاجرون باسمهم،فيرسلون القوافل لتجارة. والأرض التي يمتلكها الملوك، هي أرضون خاضعة لهم مباشرة، لأنها ملكهم الخاص. ومعنى ذلك ان منفعتها تكون خاصة بهم. فلا يصرف منها على المصلحة العامة، إلا إذا أراد المك ان يتبرع بذلك رضاءً، وله بالطبع أن يهدي منها ما يشاء الى من يشاء، كما يفعل أي مالك، وهو يؤجر ارضه لمن يريد. ويقال لما يدفع له في مقابل ذلك "نحلث".

والأرضون المفتوحة عنوة هي من حق الدولة، تضاف إلى أملاكها وتسجل باسمها وتعدّ من "بيت المال"، ويكون حق النظر في أمرها والإشراف عليها واستغلالها للملك، لأنه رئيس الدولة وحاكمها، وله الخيار في كيفية التصرف بها. له أن يعطيها للاقيال في مقابل ضريبة حربية يقدمونها له تسمى "ساولت." أو في مقابل ايجار يتفق عليه يقال له "ثوبت"، وله أيضاً أن يبيعها متى شاء، ويعبر عن ذلك ب "شامت" أي بيع.

ويراد بضريبة "ساولت" أي الضريبة الحربية، تعهد أصحاب الأرض بتقديم المحاربين إلى الدولة، ويتفق على العدد وعلى وقت التقديم، ويسجل ذلك في عقد الآتفاق. ويقوم أصحاب العقد بالانفاق عليهم وبتقديم كل ما يحتاج المحارب اليه من عدة وسلاح. واالغالب ان يقوم بذلك المحارب نفسه، لأنه رجل مسخر مأمور، فهو من أتباع صاحب الأرض ينتزعه سيده من أرضه، ويرسله إلى الخدمة وقت الحاجة اليه.

ولما فتح "كرب ايل وتر" ملك سبأ أرض أوسان ودهس،وفتح عنوة كل أرضى"عبدان" ومدنها وقراها وأوديتها وحصونها ومراعيها، صارت كل هذه الأرضين وما عليها من محاربين ومن مدنين أحرار عبيد ملكاً لدولة سبأ وسجلت في جملة مقتنياتها. ويلاحظ ان سلطنة العوالق العليا عدت "وادي عبدان" الذي هو في جنوب "نصاب" من "أرض الدولة" أي من أملاك السلطان ومن أرض "بيت المال" ورقبتها بيد "سلطان العوالق".

وبالاضافة إلى الأرضين المفتوحة عنوة،ضم ملوك سباً إلى أملاك الدولة أرضين اشتروها شراءً، واشتروا كل ما كان عليها من ناس وحيوان وزرع. فقد كان المشتغلون بالأرض يعدون تابعين لها فيباعون معها وهم ملك لها. وهم طبقة خاصة من طبقات عبيد الأرض.

ولم تتحدث الكتابات عن حقوق الملك وعن مدى صلاحياته في الحكم، ولكننا نستطيع ان نقول قولاً عاماً إن سلطات الملك كانت كسلطات الملوك الاخرين في الأقطار الأخرى، تتوقف على شخصية الملك وسلطانه وقدرته، فهو ملك ذو سلطان واسع مطلق، أوامره قوانين، وارادته مطاعة، يحد سلطان المتنفذين ويخضعهم لحكمه إن كان الملك صاحب شخصية قوية وعزم،وهو مغلوب على أمره يحكم اسماً إن كان ضعيفأ خائر العزم، وتحكم المملكة العناصر القوية صاحبة السلطان من ابناء الأسرة المالكة، أو من سادات القبائل أو رجال الدين، فعلى هذه الأجوال إذن كانت تتوقف سلطات الملك وأعماله في المملكة.

وللملوك حق يسمى "حق الإحماء". فإذا اعجب الملك بأرض أو بعشب، أعلن حمايته لتلك الأرض، أو لذلك العشب، فلا يِسمح عندئذ لأحد بدخول "الحمى" اي المكان المحمي دون اذن الملك أو الشخص المخول من الملك بهذا الحق. ويدخل فيَ هذا الحق حق حماية الحيوان أو النبات. وكان ملوك الحيرة يحمون الأرضين والحيوانات،كالإبل والخيل والكباش،، فتكون لهم، لا يسمحون لغيرهم بالانتفاع منها. ولما وثب "علباء بن ارقم اليشكري" على كبش للنعمان ابن المنذر، كان من أحماه، أي جعله حمى، فذبحه، حمل إلى النعمان، فاعتذر اليه وعفا عنه.

وكان "النعمان بن المنذر" يحمي مواضع عديدة قرب الحيرة وعلى مبعدة منها. ترعى فيها إبله وبهائمه، منها أرض "سحيل". أرض بين الكوفة والشام.


 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق