إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الثلاثاء، 5 يناير 2016

802 ( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي الفصل الخامس والأربعون العجم


802

( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي

الفصل الخامس والأربعون

العجم


ويطلق العرب على غيرهم ممن لا. ينتمون إلى العرب، لفظة "أعاجم". و "العجم" عندهم خلاف العرب. والرجل الواحد "أعجمي". ولعلماء اللغة آراء في تفسير هذه اللفظة. وهي من الألفاظ الجاهلية، لورودها في القرآن الكريم. ففيه: )لسان الذي يلحدون إليه أعجمي(،. و )أ أعجمي وعربي. قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء(، و )لو جعلناه قرآناً أعجميّاً، لقالوا لولا فصلت آياته(، و )لو نزلناه على بعض. الأعجميين فقرأه عليهم ما كانوا به مؤمنين(. ففي هذه الآيات دلالة واضحة على إن المراد من "أعجمي" خلاف العربي، وان هذا المصطلح كان معروفاً عند العرب قبل "لإسلام." ويطلق العرب على العجم "الحمراء" لبياضهم ولأن الشقرة أغلب الألوان عليهم. وكانت العرب تقول للعجم الذين يكون البياض غاب على ألوانهم مثل الروم والفرس ومن صاقبهم: انهم الحمراء. والعرب إذا قالوا: فلان أبيض وفلان بيضاء، فمعناه الكرم في الأخلاق لا لون الخلقة. و إذا قالوا: فلان أحمر وفلانة حمراء عنوا بياض اللون. والعرب تسمي الموالي: الحمراء. جاء في الحديث: "بعثت إلى الأحمر والأسود"، أي إلى العجم والعرب كافة.

وورد إن العرب تقول: جاء بغنمه حمر الكلى وجاء بها سود البطون، معناهما المهازيل. وهو مجاز. ويذكرون إن معنى حمر الكلى الامتلاء والسمن، والسواد معنى الهزال والرشاقة. ولما كان الأعاجم ممتلئي الجسم بالنظر إلى العرب، قالوا لهم "الحمراء". وقد كان العرب يطلقون على الموالي "الحمراء"، و إذا سبّوا أحدهم قالوا، "يا ابن حمراء العجان أي يا ابن الأمّة. كلمة في السب والذم". ولعلهّم فعلوا ذلك بسبب امتلاء أجسام الموالي ولا سيما العجان، الذين لا يتحركون ولا يتنقلون من أماكنهم، ويأكلون الخبز فامتلأت لذلك بطونهم و تكرشوا.

ولم يشرح علماء العربية الأسباب التي حملت العرب على تلقيب العجم ب "رقاب المزاود" "رقاب المزود". وقد ذكر بعض العلماء، إن العرب إنما لقبت العجم ب "رقاب المزاود"، لطول رقابهم أو لضخامتها كأنها ملأى.

ويكنى العرب ب "السبط" عن العجمي و ب "الجعد" عن العربي. وذلك لان سبوطة الشعر هي الغالبة على شعور العجم من الروم والفرس وجعودة الشعر هي الغالبة على شعور العرب. ولكنهم كانوا يفرقون بين جعودة شعر العرب وجعودة شعر الزنج والنوبة. لأنهم ينظرون إلى الزنج والسود على انهم دونهم في المنزلة والمكانة. وهذا قالوا إن العرب تمدح الرجل إذ تقول رجل جعد، أي كريم جواد كناية عن كونه عربيّاً سخياً، لان العرب موصوفون بالجعودة، و تذم الرجل أيضاً حين تقول: رجل جعد، إذ. يقصدون بذلك رجلاً لئيماً لا يبض حجره، وقد يراد به رجل قصير متردد الخلق. فهو من الأضداد. لذلك فالجعد في صفات الرجال يكون مدحاً وذماً. و إذا قالوا رجل جعد السبوطة فمدح، إلا إن يكون قططا مفلفل الشعر فهو حينئذ ذم.

ومن المجاز قول العرب: الأعداء صهب السبال وسود الأكباد، وان لم يكونوا كذلك، أي صهب السبال، فكذللك يقال لهم. ورد في الشعر: جاؤا يجرون الحديث جـرّاً  صهب السبال يبتغون الشرّا

وانما يريدون إن عداوتهم كعداوة الروم. والروم صب السبال والشعر، و إلا فهم عرب و ألوانهم الأدمة والسمرة والسواد.

ويذكر علماء اللغة إن العرب تصف ألوانها بالسواد، وتصف ألوان العجم بالحمرة. وقد افتخر الشعراء بذلك في الجاهلية وفي الإسلام. من ذلك قول الفضل بن عباس بن عتبة اللهبي: وأنا الأخضر من يعرفـنـي  أخضر الجلدة في بيت العرب

يقول: أنا خالص لأن ألوان العرب السمرة. ومن ذلك قول مسكين الدارمي: أنا مسكين لمن يعرفـنـي  لوني السمرة ألوان العرب

قال "الجاحظ": "والعرب تفخر بسواد اللون.. و قد فخرت خُضر محارب باًنها سود، والسود عند العرب الخضر". ثم ذكر أمثلة من أمثلة افتخار بعض القبائل والأشخاص بكونهم "خضراً". حتى قال: "وخضر غسان بنو جفنة الملوك? قال الغساني: إن الخضارمة الخضر الذين ودََوا  أهل الربص ثمانى منهم الحكـم

وقد ذكر حسان أو غيره الخضر من بني عكيم، حين قال: ولستَ من بني هاشم في بيت مكرمة  ولا بني جمحِ الخضر الجـلاعـيد

قالوا: وكان ولد عبد المطلب العشرة الساحةُ سلاً ضخماً، نظر إليهم عامر ابن الطفيل يطوفون كأنهم جمال جون، فقال: بهؤلاء تمنع السدانة.

وكان عبد الله بن عباس أدلم ضخماً، وآل أبي طالب أشرف الخلق، وهم سود وأدم وسلم".

واشتهر بعض سودان العرب بالشجاعة والأقدام، منهم أربعة عرفوا ب "أغربة العرب" وذؤبان العرب. منهم: عنترة وخفاف بن ندبة السلمي، سرى فيه السواد من قبل أمه، وهو من حرّة بني سليم. أدرك النبي، وكان شاعراً شجاعاً، وقل ما يجتمع الشعر والشجاعة في واحد. ومنهم السليك بن السلكة.

وهناك قبائل غلب على لونها السواد، حتى عبر عنها ب "دلم". والدلم الرجل الشديد السواد. جاء إليها السواد، لكون أصلها من إفريقية على ما يظهر، وكانت قد استقرت بجزيرة العرب وتعربت، حتى عدت من العرب. أما الأسر والأفراد الدلم، فقد ظهر السواد على لونهم بالتزاوج من الملونين. فقد كان من عادة الأشراف الاتصال بالإماء السود، فإذا ولدن منهم أولاداً نجباً شجعاناً ألحقهم آباؤهم بهم، ونسبوهم إليهم كالذي كان من أمر عنترة العبسي. وقد مال قوم من قريش إلى التزوّج بالإماء السود، وقد ظهرت هذه النزعة بين السادات والأشراف.

وقد ذكر "الجاحظ" في معرض حجج السودان على البيضان، و على لسان الزنج قولهم للعرب: "من جهلكم أنكم رأيتمونا لكم أكفاء في الجاهلية في نسائكم، فلما جاء عدل الإسلام رأيتم ذلك فاسداً، وما بنا الرغبة عنكم. مع إن البادية منا ملأى ممن قد تزوج ورأس وساد، ومنع الذمار، وكَنَفَكم من العدوّ". وفي هذا القول إشارة إلى التزاوج الذي كان بين العرب والزنج، أي السودان المجلوبين من إفريقية، في أيام الجاهلية. والى انصراف العرب عنه في الإسلام، ما خلا البادية، وذلك بسبب إقبالهم على التزوج بالفارسيات والروميات وبغيرهن على ما يظهر، بسبب الفتوح وتوسع أسواق النخاسة في هذا الوقت. وارتفاع مستوى الوضع الاقتصادي للعرب في الإسلام عنه في الجاهلية، مما مكنهم من التزوّج بالأجنبيات البيض الجميلات و تفضيلهن على السودانيات. وظهور نظرة الازدراء إلى السودان في الإسلام، بسبب الأعاجم المسلمين الذين كانوا يزدرون العبيد وينظرون إليهم على انهم عونهم في المنزلة، فانتقلت هذه النظرة منهم إلى العرب.

ويظهر من رسالة الجاحظ: "فخر السودان على البيضان"، إن نزاعاً كان قد دبّ بين السودان والعرب في الإسلام، بسبب نظرة الازدراء التي أخذ الفاتحون ينظرون بها إليهم فصاروا يترفعون عنهم ولا يخالطونهم. و هذا مما أغاضهم، وحملهم على نبش الماضي، والإتيان بالأخبار وبالأشعار عن دور الحبش في جزيرة العرب قبل الإسلام، وكيف انهم كانوا قد ملكوا "بلاد العرب من لدن الحبشة إلى مكة"، وهزموا ذا ئواس، وقتلوا أقيال حمير، فملكوا العرب ولم يملكهم العرب. إلى غير ذلك من دعاوي تجدها في قصيدة الشاعر الزنجي "الخيقطان"، التي يفتخر فيها بالحبش على العرب، على نحو فخر الشعوبية بأصولهم على العرب. وهي قصيدة شهيرة، قالها يوم سمع "جرير" يسخر منه بشعر قاله، في وصفه. فرد عليه رداً شديداً بقصيدته هذه التي نظمها وهو باليمامة.

وقد عُرفت بعض القبائل ببياض بشرتها، واشتهرت نساؤها ببياض البشرة، ورد "في الحديث انه لما خرج من مكة قال له رجل: إن كنت تريد النساء البيض والنوق الأدم فعليك ببني مدلج". ويقال للمرأة التي يغلب على لونها البياض "الحمراء"، وقد لقب الرسول زوجته "عاثشة" ب "الحميراء"، لبياض لونها.

 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق