1519
( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي
الفصل التاسع والسبعون
النصرانية بين الجاهليين
ولم يذكر أهل الأخبار شيئاً يستحق الذكر عن النصرانية في يثرب. وقد أشار القرآن الكريم في مواضع عديدة من الآيات المدنية إلى النصارى، غير ان تلك الاشارات عامة في طبيعة المسيح وفي النصرانية نفسها لا في نصارى يثرب وفي صلانهم بالاسلام. ثم إن أهل السير لم يشيروا إلى تصادم وقع بين النصارى والمسلمين ولا إلى مقاومة نصارى يثرب للرسول كالذي وقع بين يهود يثرب وللرسول، مما يدل على ان النصرانية لم تكن قوية في المدينة،وان جاليتها لم تكن كثيرة العدد فيها. غير ان هذا لا يعني عدم وجود النصارى في هذا الموضع الزراعي المهم. فكما كان في مكة رقيق وموالي يقومون بخدمة ساداتهم، كذلك كان في المدينة نفر منهم أيضا يقومون بمختلف الأعمال التي يعهد أصحابهم إليهم القيام بها. ولا بد ان تكون لهذه الطبقة من البشر مكانة في هذه المدينة وفي أي موضع آخر من جزيرة العرب. فقد كانت هذه الطبقة عموداً خطيراً من الأعمدة التي يقوم عليها نجيان الاقتصاد في ذلك العهد، فهي بالنسبة لذلك العهد الآلات المنتجة والمعامل المهمة لأساب الأموال وللسادة الأثرياء، تؤدي ما يطلب منها القيام به وما يراد منها إنتاجه بأجور زهيدة وبدقة ومهارة لا تتوفر عند الأحرار من العرب. ثم إن الأحرار مهما يلغ حالهم من الفقر والفاقة كانوا يأنفون من الأعمال الحرفية ونحوها مما يوكل إلى هذه الطبقة القيام به، لأنها في نظرهم من المهن المنحطة التي لا تليق بالرجل الحر مهما كان عليه من فقر وبؤس، ولهذا كان لا بد من الاستعانة بالموالي والرقيق للقيام بأكثر متطلبات حياة الإنسان.
ويفهم من بيت للشاعر حسان بن ثابت في قصيدة رثى بها النبي، وهو: فرحت نصارى يثرب ويهودها لما توارى في الضريح الملجد
أنه كان في يثرب نفر من النصارى كما كان بها قوم من يهود. وذكر أن النصارى كانوا يسكنون في يثرب في موضع يقال له: سوق النبط.
ولعل هذه السوق هي الموضع الذي كان ينزل فيه نبط الشام الذين كانوا يقصدون المدينة للاتجار في الحبوب، فصارت موضعاً لسكنى هؤلاء النصارى، ونسب إليهم. وقد ورد أن عمر بن الخطاب استعمل أبا زبيد الشاعر النصراني على صدقات قومه، وأن أبا زبيد هذا كان مقرباً من الخليفة عثمان بن عفان من بعده.
وقد كان "أبو عامر" الراهب، الذي تحدثت عنه أثناء حديثي عن الأحناف، ممن اعتنق النصرانية، ومن أهل يثرب. ويظهر أنه كان قد تمكن من إقناع بعض شباب الأوس من اعتناق دينه، بدليل ما ذكره علماء التفسير من أنه لما خرج من يثرب مغاضباً للرسول، وذهب إلى مكة، مؤيداً إياهم ومحرضأ لهم على محاربة الرسول أخذ معه خمسين أو خمسة عشر رجلاً من الأوس، على ما ذكره علماء التفسير، فلما أيس من نجاح أهل مكة في القضاء على الرسول فرّ إلى بلاد الشام على نحو ما ذكرت، ليطلب مدداً من الروم يعينه في زحفه على المدينة. وأنا لا استبعد احتمال وجود أناس آخرين من أهل يثرب كانوا قد دخلوا في النصرانية ودعوا اليها، واحتمال وجود مبشرين فيها، كانوا يسعون لادخال أهلها في دين عيسى، يؤيدهم ويمدّهم بالمال والمعونة الروم حكام بلاد الشام.
وكان بين سكاّن مكة عند ظهور الإسلام جماعة من النصارى هم من الغرباء النازحين اليها، لأسباب، منها: الرق، والاتجار، والتبشير، والحرفة.
يتبع
( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق